تنقسم المدارس التعليمية في الأردن في مجملها إلى مدارس حكومية تتبع لوزارة التربية والتعليم، و أخرى خاصّة في ملكيتها و إدارتها و برامجها الدراسية، مع بعض التقييدات البسيطة من الوزارة سواء من الناحية الاقتصادية أو التعليمية.
هذه المدارس الخاصّة آنفة الذكر تدّعي دائمًا أنها تمتلك خططًا دراسية متميّزة، و أن الأولاد سيكونون في أيدٍ أمينة طيلة سنوات تعلمهم فيها، لكن ما نراه من واقع الممارسة الفعلية هو العكس أحيانًا للأسف. بل إنّ ما نعاينه و ما يتّضح لنا من سياسات هذه المدارس و إداراتها هو سعيهم الحثيث نحو الاستثمار و الربح و لا شيء غير الربح، بدلًا من أن يكون الهدف الرئيسي لها هو التعليم، و النهوض بالمستوي المعرفي و الثقافي و العلمي لدى الطلبة.
إن فلسفة المدارس الخاصّة تقوم على أساس المزاوجة بين التميز في التعليم مع الاستثمار المادّي، لكن المشكلة الحقيقية تظهر و تستفحل حين يصبح الاستثمار المادي مقدّم بل و مكتسح لفكر إدارة المدرسة وسط تهميش لدورها في تقديم تعليم متميز أو مختلف عن الشائع. و للتدليل على هذا الأمر، قد يكفينا النظر إلى مخرجات هذه المدارس و مقارنتها بالمدارس الحكومية، و غالبًا ما نجد نتائج أفضل للطلبة الحكوميين – بالمجمل – في امتحانات الثانوية العامّة! مما يعني أن المدارس الخاصة لا تصل أحيانا حتى إلى مستوى المدارس الحكومية في الجانب الأكاديمي التقليدي (رغم أن عددها ليس قليلًا، و ادّعاءاتها بتميز نوعية التعليم ليست هيّنة).
و من الظواهر الأخرى التي عايشها الكثيرون (و منهم أنا و أخوتي) في المدارس الخاصة، عدم اهتمام المدرسة بتطوير و تقويم الطلبة أكاديميًا و سلوكيًا طالما أنه يدفع القسط و يسدّد المال الذي تريده المدرسة! فنجد مثلًا نفس أسلوب تجاهل الأستاذ للطلبة و عدم إيفائهم حقّهم في إيضاح المفاهيم و إعادة الشرح و قلة نسبة الأساتذة للطلبة، و نجد غياب المبادرات الإبداعية للرقيّ بأساليب التدريس، و تقويم الطلبة الضعفاء دراسيًا، و نعاين تضخم أعداد الطلبة في الصف الواحد (نتيجة جشع مالك المدرسة لاستيفاء المزيد من المال)، و تتجلّى طبعًا كل هذه الظواهر خلال سنة التوجيهي خصوصًا (التي يجري فيها أيضًا المتاجرة بالمتفوقين لجلب المزيد من الطلبة- الاستثمارات). و لا ننسى سياسات التهاون و التساهل و الأهم من ذلك اللامبالاة(!) التي تبديها إدارات هذه المدارس تجاه السلوكيات و التصرفات الخاطئة التي يقوم بها بعض الطلبة، كالتدخين و المشاجرات المتكررة و الغياب عن الدوام و الحصص و غيرها الكثير، حيث تلعب فيها أغلب المدارس دور المتفرّج للأسف! و هنا أتحدّث عن سياسة المدرسة و ليس عن بعض المحاولات الفردية من قبل الأساتذة لحل المشكلة أو تقويم السلوك، فذلك لا يعنيني ما دامت خطط المدرسة لا تتضمن خطة متكاملة للوقاية من هذه السلوكيات، ثم علاجها (إن حدثت) بطرق إبداعية و ناجحة حقًا، تأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء الطلبة ما زالوا حديثي السنّ، فالرّفق لا القمع والتعامل بفكر الأنداد هو مفتاح الحل بإعتقادي.
إنّ معظم الشعارات التي ترفعها المدارس الخاصّة لتجتذب أولياء الأمور لتسجيل أولادهم فيها، ما هي إلّا تمويه و استغلال في معظم الأحيان، لكن الواقع التعليمي البائس الذي نعيشه يضع الأهالي أمام خيارات أحلاها مرّ، و هم بين مطرقة استغلال الدكاكين التجارية (المدارس الخاصة) و غلاء أسعارها، و سندان تدريس أولادهم في مدارس حكومية عليها ما عليها أيضًا من مآخذ كثيرة لسوء الوضع العامّ أساسًا.
إنّ هذا الواقع يحتّم علينا برأيي أن نتدخّل من ثلاثة جوانب رئيسية من داخل هذه المنظومة التعليمية:
– أن تقوم الحكومة ممثّلة بوزارة التربية و التعليم (و بالتعاون مع وزارات أخري) بوضع خطط مدروسة للمدارس الحكومية، لتفعيل دورها والنهوض بمستواها، لتصبح أكثر قدرة على جذب أولياء الأمور لتسجيل أولادهم فيها.
– أن تتدخل الحكومة ممثلة بوزارات مختلفة في عمل المدراس الخاصّة بشكل أكبر من خلال وضع معايير رقابة وتقييم عليها، و العمل على تخفيض الكلفة الاقتصادية الباهظة فيها (و هو أمر في طور الحدوث جزئيًا).
– أن يقوم المهتمّون – والقادرون على ذلك – بتأسيس مدارس خاصّة، يكون هدفها الأساسي الارتقاء بمستوى التعليم و الوعي الفكري و الثقافي و العلمي لدى الطالب، و ليس الاستثمار المادي الربحي بشكل أساسي.
بصراحة، لست متفائلًا لاعتبارات كثيرة بتحقّق أي من هذه الأمور بشكل فاعل، لارتباط القطاع التعليمي لدينا بالكثير من الأمور السياسية التي تعيقنا عن التقدم، و تفسح المجال لمزيد من الجشع المادّي ليتحقق على حساب عقول طلابنا و جيوب آبائهم و أمّهاتهم.
لكن الأمل يبقى موجودًا ما بقي الإنسان يفكّر و يقترح حلولًا.. لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا!
طالب جامعي
الجامعة الأردنية – كلية الطب
السنة الثالثة