مدرسة “طانا” الفلسطينية..صمود التعليم بوجه الاحتلال الإسرائيلي
لم يجد طلبة مدرسة “طانا” الواقعة إلى الشرق من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، ملجأ لهم بعد أن هدمت آليات عسكرية إسرائيلية مدرستهم للمرة الثالثة، سوى مسجد قديم يطلق عليه “بيت الشيخ”.
ومدرسة طانا واحدة من خمسة مدارس تعرضت للهدم أو الإخطار بالهدم منذ مطلع العام 2015 بحسب وزارة التربية والتعليم، بزعم البناء في مناطق مصنفة “ج” حسب اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. كما قامت السلطات الإسرائيلية منذ بداية العام 2015 بهدم مدرستين وأخطرت ثلاثة أخريات بالهدم، في حين تسلم عدد آخر إخطارات بالهدم في السنوات السابقة.
تحول المسجد القديم إلى مدرسة لأربعة من الطلاب فقط، وتعد المدرسة واحدة من أفقر وأبسط المدارس، بضع من الكراسي، وطاولات مهترئة، ولوح يسند في زاوية المسجد، هي كل مكوناتها. وتفتقر المدرسة للوحدة الصحية والمشارب والساحات.
الدخول للمدرسة يعيد الزائر لعصر الكتاتيب، حيث كان الطلبة يتلقون دروسهم في المساجد على يد شيوخ يعلمونهم القرآن الكريم وعلومه، ويطلق عليهم اسم “كتاتيب”.
“بيت الشيخ” مسجد قديم يعود بناؤه لمئات السنين بحسب السكان، ومشيد من الحجارة القديمة والطين، تحول إلى مدرسة لطلبة فلسطينيين بعد هدم مدرستهم الوحيدة، الشهر الماضي.
وتقع خربة طانا على السفوح الغربية لغور الأردن، وتبعد عن مدينة نابلس، نحو 15 كم شرقًا.
تعليم بدائي
تقول فاتن نصاصرة، إحدى المعلمات في المدرسة المهدومة، لمراسل شبكة زدني: “نعمل في ظروف غير طبيعية، التعليم هنا مختلف، طلبة يعيشون وسط بيئة بدائية، تنعدم كل وسائل الاتصال والتواصل، لا يوجد وسائل تعليمية، تفتقر المدرسة إلى المقومات الأساسية للدراسة، من سبورة، وفصول دراسية، ووسائل تعليمية، أو حتى دورات مياه، أو ملاعب”.
وتضيف: “يعيش الطلبة ظروف غير مستقرة، تعرضت مدرستهم للهدم مرات عديدة، كما يخشون على بيوتهم الهدم أيضًا، السلطات الإسرائيلية والمستوطنين يداهمون المنطقة بشكل دائم، مما يجعل الطلبة بحالة نفسية سيئة تنعكس على سلوكهم وأدائهم التعليمي”.
وتتابع: “اليوم يتلقون تعليمهم في المسجد… يجهلون مستقبلهم، فيما يهدد الجيش الإسرائيلي مساكنهم المشيدة من الصفيح“.
ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها الطلبة والمدرسين (مدرّس ومدرّسة) إلا أن المدرسة نصاصرة تصرّ على الاستمرار في عملها، تقول:“عدم وجود مدرسة يعني بناء جيل بلا علم، لا يجيدون القراءة والكتابة”.
طلبة بأحلام بسيطة:
أميرة نصاصرة (10أعوام)، طالبة في مدرسة “طانا”، تطمح أن تتطور مدرستها، تقول لمراسلنا: “لا يوجد لدينا ساحات نلعب بها، بالشتاء المطر يغرقنا… في الطريق من البيت للمدرسة الأرض كلها طين… الجيش الإسرائيلي هدم المدرسة ورجعنا بنينا مدرسة أخرى…. هي الأخرى هدّمت”.
وتضيف:“أنا أحب التعليم، لكن لا أعلم مصيري”.
وتطمح الطفلة بأن تكمل دراستها الجامعية وتتخرج مدرّسة، تعمل على تعليم طلبة بلدتها.
الفتاة تجلس في المسجد الذي بات مدرستها مع ثلاثة من أشقائها قائلة:” هناك (تشير إلى مستوطنة إسرائيلية) عندهم كل شيء، طلابهم بأمن يتعلمون، يتوفر لديهم كل شيء، نحن ممنوع علينا نبني غرفة للمدرسة، يريدون طردنا من بيوتنا”.
في ساحة المدرسة والتي هي أرض تتناثر بها الحجارة والأشواك والعشب، يلهو طلبة المدرسة، والتي تقلص عددهم إلى أربعة طلبة فقط، بعد أن كانوا نحو 30 طالبًا إثر هدمها، مما دفع بعدد من الأهالي لنقل أبنائهم إلى مدارس ببلدات مجاورة رغم بعد المسافة حيث تبعد “طانا” عن بلدة “بيت فوريك”، والتي تعد أقرب بلدة إليها نحو (8 كم)، وتربطها بها طرق زراعية ترابية يصعب سلوكها بالمركبات.
محاولة لطرد السكان:
“واصف حنيني” (60 عامًا)، أحد سكان القرية، يقول: “منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 ونحن نسكن هنا، كان آباؤنا هنا أيضًا، نعيش في الموقع على رعي الأغنام طلبًا للرزق”.
ويضيف: “إسرائيل تسعى لتهجيرنا من هنا للسيطرة على الأراضي لصالح مستوطنة (ميخوراه)، المقامة على أراضي قريبة كان يملكها أجدادنا”.
ويوضح أن السلطات الإسرائيلية تستخدم وسائل متعددة لتهجير سكان قرية “طانا”، فهي تهدم الخيام، وبيوت القرية، وتصادر الأغنام، والممتلكات الخاصة بالسكان.
وبحسب “حنيني”، فقد هدّمت السلطات الإسرائيلية منازلهم، ومدرسة القرية ثلاث مرّات، خلال شهري فبراير (شباط)، ومارس (أذار) الماضيين.
وتقول إسرائيل إن مساكن قرية “طانا” ومدرستها التي هدّمتها، بنيت بدون ترخيص، في مواقع مصنّفة “ج”، حسب اتفاقيات”أوسلو” للسلام بين الحكومة الإسرائيلية، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
–
–
وحسب اتفاقيات”أوسلو” الثّانية، الموقّعة عام 1995، فقد تمّ تقسيم الضّفة الغربية إلى 3 مناطق “أ” و”ب” و “ج”. وتمثل المناطق “أ” 18% من مساحة الضّفة، وتسيطر عليها السّلطة الفلسطينية أمنيًا وإداريًا.
أما المناطق “ب” فتمثل 21% من مساحة الضّفة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.
والمناطق “ج” 61% من مساحة الضّفة تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
ويسكن في “طانا” نحو 300 فلسطيني، بحسب رئيس بلدية “بيت فوريك”، “عارف حنيني”، ويعتاشون على تربية الأغنام، ومنتجاتها من الحليب والألبان والأجبان.
ويقول “حنيني”:”إنّ إسرائيل تسعى للاستيلاء على أراضي (طانا)، لصالح مستوطنة (ميخوراه) المقامة على جزء آخر من أراضي البلدة”.
وإضافة إلى هدم البيوت المتواصل، ومحاولات مصادرة أراضي البلدة، تجري إسرائيل تدريبات عسكرية لجيشها، في المنطقة التي تقع فيها “طانا”، فيما يتعرض السكان لاعتداءات متواصلة من المستوطنين اليهود.
من جانبه عدّ المناضل “حنيني”- عضو لجنة مقاومة الاستيطان والدفاع عن “طانا”- استمرار السلطات الإسرائيلية في هدم المساكن والمنشآت الفلسطينية في خربة طانا، محاولة إسرائيلية لطرد السكان من بيوتهم.
وأضاف: “هدم المدرسة والتي تعدّ أحد أهمّ عوامل تمسّك السّكان بالمنطقة مما يعني أن اسرائيل تستغلّ الأطفال والتّعليم لدفع السّكان للرحيل، في حين يتمسك الطلبة بالبقاء في أرضهم مثلهم مثل آبائهم، والسّكان يصرّون على إعادة بناء المدرسة مرّات ومرّات”.
تاريخ من الصراع:
ومنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضّفة الغربية وسكان “طانا” في دائرة الاستهداف، هدّمت مساكنهم مرّات عديدة، كان آخرها مارس الماضي، حيث تعرّضت المساكن للهدم ثلاث مرّات.
وتبلغ مساحة أراضي “طانا” 18 ألف دونم، ويملك السّكان أوراقًا ثبوتيّةً بذلك تعود إلى العهد العثماني، إلاّ أنّ المحكمة الإسرائيلية تدّعي أنّ السّبب وراء نيتها في مصادرة الأراضي يأتي لكون المنطقة عسكرية وتخضع لتدريبات الجيش.
ويعيش السّكان وسط تدريبات عسكرية إسرائيلية بالقذائف الحية، مما يتسبب في اشتعال النّيران بالمحاصيل الزراعية، وغيرها من حوادث خطيرة كواقعة مسجد القرية، فقد تعرّض لقذيفة مدفعية منتصف الثمانيات من القرن الماضي حسب ما يرويه سكان القرية، وكذا وجود مخلّفات خطيرة تهدد حياة أبناءهم وأغنامهم.
- خربة: قرية صغيرة.