مذكرات من داخل الروضة والمدرسة!
بصراحة لا أعرف من أين أبدأ، ولا كيف أبدأ لكنني سأحاول..
لو بدأت مثلًا منذ كنت في حضانة “Baby Home” بمدينة الحسينية بمحافظة الشرقية حيث السنة الأولى لي بمرحلة الروضة، وحان وقت اللعب، ونزلنا الملاهي مع أصدقائنا، وحينها توجهت وصديقاتي الأربع نحو “المرجيحه” ولعبنا حتى أتى الدور عليَّ، جلسن صديقاتي علي “المرجيحه” وأنا من الخلف أدفع “المرجيحه” للتحرك بهم ويمرحون وبين غمضة عين وجدت نفسي أسفل المرجيحه أصرخ من ألم شديد في ساقي.
وشاركتني صديقاتي في الصراخ حتى حضرت المشرفة على صالة الألعاب واصطحبتني فورًا على الغرفة الصحية بالحضانة، ومنها التواصل مع الوالد، وتم نقلي للمشفى لعلاج كسر بالساق. وهنا كسرت قدمي، ومررت بأول أزمة صحية تعيقني عن الحركة في حياتي، وتلاها قرار الدكتور بعدم الحركة لمدة شهر ونصف الشهر، وهنا كان آخر يوم في الذهاب للروضة وبعدها إجازة طويلة حيث إن بعد الشهر ونصف الشهر سيكون قد انتهى العام الدراسي وبدأت الإجازة الصيفية.
وهنا أذكر وقفة إدارة الروضة ومسؤوليها كافة وزملائي وأسرهم معي في هذه الوعكة، لم يمض يوم واحد دون زيارتهم لي في جماعات أو فرادى كانوا يأتون ليتسامروا معي، ويحكون ما حدث معهم في يومهم ونتبادل الضحك.
وأتذكر الهدايا واللعب والحلوى التي كانوا يجلبونها لي، أتذكر ألوان وأنواع الهدايا فقد كان لها أثر كبير في تحسن حالتي بعد منعي من الحركة التي هي لعبتي؛ فكنت في تلك السن الصغيرة كثيرة الحركة واللعب.
خفف اهتمام مسؤولي المدرسة وزميلاتي بي الكثير من الألم، وكان له من الأثر النفسي العظيم عليَّ إلى الآن؛ فحتى الآن أذكرهم بكل خير.. وهنا تبرز أهمية دور مسؤولي الروضة والحضانات في إشعار الطفل عندهم بأنه أسرته الثانية وحِضن ثانٍ يشعر فيه بالحب والأمان.
من حضانة “Baby Home” إلى حضانة “الإيمان” التي اختلفت كثيرًا عن سابقتها وأكثر ما أثر فيَّ هي صالة الألعاب الضيقة جدًّا .. لكن كان لي في هذه الحضانة ذكريات منها ما يميز يوم عيد الأم في هذه الحضانة وألعاب الأراجوز و”الاسكتشات” التمثيلية التي كانت تعدها معلمات الصف تتحدثن فيها عن أهمية الأم ووجوب برها وحبها، وأذكر ذلك اليوم الذي يعطوننا فيه الورد؛ لنهديه لأمهاتنا ..
وحينها كنت أذهب للبيت مع السائق “عمو علي” ويسألني في كل مرة عن الوردة ولمن أهديها، وأحكي له يومي في الحضانة من أوله، وهو يسمع فقد كان طيبًا، ولم أعرف عنه خبر بعد تخرجي من الحضانة أسأل الله أن يكون بخير.
وفي هذا الموقف أؤكد أهمية الاهتمام بالألعاب للطفل وأهمية “الاسكتشات” التمثيلية التعليمية فلها أثر كبير على الطفل، وتبقى معه حتى يكبر، وهكذا الألعاب؛ فأهمية وجود صالات الألعاب في الروضة والحضانات لا تقل عن أهمية المواد العلمية ذاتها ففي هذا السن تكون لها أهمية بالغة في استيعاب الطفل المادة التعليمية المقدمة له، وتعمل على ترفيهه وترفع حبه وتعلقه بالمكان؛ ليتعلم أكثر منه.
كبرنا وتخرجنا من الحضانة وأتممنا الست سنوات، والآن انتقلت لمدرسة المنشأة مدرسة الابتدائية قرب منزلي الذي اتمنى تخصيص سلسلة من المقالات تالية للحديث أكثر عن مواقفها..
لكن ما أود ذكره هنا هو موقف حدث غالبًا بالصف الرابع الابتدائي حين كنا بحصة الإملاء ويراقب علينا أستاذ “أحمد” وبعد الانتهاء تركَنَا المعلم مدة ثم عاد ليجمع الكراسات لتصحيحها، وفي هذا الوقت القصير الذي تركنا فيه الأستاذ وجدت مجموعة من البنات في الفصل يشاكسون زميلتهم ذات الشعر الأصفر ويشدوها وهي للعلم عصبية جدًا تصرخ فيهم جميعًا .. وأنا فقط أقوم بدور المشاهد هي بالتحديد تجلس على المقعد الذي يسبقني مباشرة.
بعد أن هدأ الصراخ وذهب البنات وعادوا إلى أماكنهم ظلت البنت ذات الشعر الأصفر تتكلم بصوت مسموع حين رأيت المعلم قادم لجمع الكراسات، بداخلي قلتُ: أنبهها لتصمت حتى لا يأتي المعلم ويجدها تتكلم فيعاقبها؛ فغمزتها في ظهرها كي أنبها ولم أجد منها إلا لفتة بسرعة وبيدها القلم الجاف لتزرع سن قلمها في جفن عيني السفلي في العين اليسرى ظنًّا منها أنني كنت أشاكسها في شعرها كالباقيات وهنا هويت على المقعد وعيني تنزف إثر الصدمة والجرح الذي كان سيودي بعيني للأبد لولا ستر الله وحلمه.
وبعدها تم نقلي للمشفى وإبلاغ والدي، وتم عمل الإجراءات الطبية اللازمة لي وتوصيلي للمنزل، وللعلم فقط فكانت تلك البنت التي أصابتني بعصبيتها وقلمها في عيني كانت ابنة معلمة في المدرسة وكانت هذه ميزة تلحق بالطالب وتعد حصانة له من العقاب أو فرض أي إجراء ضده بحجة أنه “ابن الأستاذ/ة”.
هنا في هذه القصة وهذا المشهد أود التنبيه إلى أنه وجود المعلم داخل الفصل ليس مقتصرًا على قيامه بمهامه العلمية فقط ولكن له دور آخر رقابي وسلوكي على تلاميذه حيث إن خروج المعلم بعد تأديته لمهامه في حصة الإملاء، وهي إملاؤنا القطعة المطلوبة خرج وترك الفصل دون رقيب وحدث ما حدث بين البنت المذكورة وصديقاتها المشاغبات وبين ذات البنت وبيني فكدت أفقد عيني في غفلة وغياب المعلم عن الفصل!