مشاكل تربوية تفاقم معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر
جنى، طفلة بريئة ذات سنوات خمس، رقيقة تلمس القلب عند النظر إليها، وبرغم أنها من أطفال متلازمة داون، إلا أن خفة ظلها تأسر القلب، وما إن تراها ستجد نفسك مبتسمًا أمامها، لكنها تعاني من فقدان الرعاية التربوية، فمنذ ولادتها راعى والدها أن يهتم بها كباقي إخوتها، وأن يلحقها بالحضانة ثم المدرسة وأن ينمي مهاراتها، لكنه وجد عائقًا كبيرًا وهو عدم اهتمام الدولة بهؤلاء الأطفال، فبدأ الخوض في التربية الخاصة المكلفة ماديًا.
تقول رنا أخت جنى الكبرى، بحثنا عن مراكز تأهيلية تابعة للحكومة وتكون مدعمة ماديًا، فلم نجد سوى مدرسة التربية الفكرية والتي تجمع جميع الإعاقات وجميع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو أمر سيء جدًا، لأن الأطفال تقوم بتقليد بعضها في الأمر الخاطئ، كما يتعرضون للضرب ومضايقات شديدة وعدم اهتمام كافٍ.
وتضيف: اضطررنا بعدها للجوء لمراكز العناية التأهيلية وتنمية المهارات، والتي تتميز بتنمية الطفل والاهتمام به من كافة الجوانب، لكن عيبها الوحيد أن قيمة الجلسة باهظة جدًا ولا تناسب مستوى الأسرة المصرية، فهناك مراكز تجعل قيمة الجلسة الواحدة بـ 300 جنيه مصري، والشهر به حوالي 8 جلسات، أي أن القيمة تصل لـ 2400 جنيه مصري شهريًا.
غياب المختصين
تعتبر ظاهرة غياب الأخصائيين النفسيين من أهم المشكلات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تشتكي أسرة أحد الأطفال المصابين بمتلازمة داون، بعدم وجود مختصين في هذا المجال، لتنمية قدرات أبنائهم، ما يزيد الحالة سوء.
حيث يلجأ بعض المدربين للضرب للفت انتباه الطفل، وهو ما يجعله يكره الذهاب للمدرسة، والاختلاط بزملائه ومدرسيه، وهذا ما أكدته ريهام علي- إحدى المتدربات في أحد مراكز تنمية المهارات وهي أخصائية نفسية، والتي قالت لـ”شبكة زدني” إن إحدى مدربات التخاطب كانت تقوم بلفت انتباه أطفال التوحد بالضرب المتكرر على الوجه، وعندما نهرتها بأن تختار أسلوب أفضل للتعامل وألا تضربه لم تستمع لها وواصلت الضرب، وعندما رد الطفل عليها، قالت “الطفل استجاب ورد علي”، مؤكدة على أن المهم هو النتيجة وليست الوسيلة!
وتضيف: أثر في نفسي ما فعلته بالطفل وطريقة تعاملها معه ليستجيب، مشيرة إلى أنه قد تكون نجحت في أن تجعل الطفل يتكلم، لكنها دمرته نفسيًا، وسيحتاج إلى تأهيل نفسي فيما بعد بسبب ما فعلته فيه، إلى جانب خوف الطفل منها، والذي قد يجعله يقوم بتصرفات سيئة مثل التبول اللاإرادي خوفًا منها.
وتقول رميساء محمود – أخصائية نفسية – إن هذا من أهم مشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة نتيجة نقص الأخصائيين من ناحية العدد والخبرة، بسبب عدم التأهيل الكافي في الجامعة للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى المتخرج من قسم علم النفس أن يأخذ دورات للتعامل معهم إن كان يريد العمل في هذا المجال، مما يجعل الكثير من خريجي علم النفس يتهاونون في هذا الأمر، ويعملون بلا علم.
وتضيف: من أهم الدورات التي يجب على الأخصائي المتعامل مع هؤلاء الأطفال تعلمها، لغة التخاطب والنطق ومهارات الاتصال ودورات العلاج الطبيعي وتعديل السلوك، وقبل كل شيء الإحساس بهذا الطفل وعدم النظر له بنظرة دونية.
المساواة في المعاملة ظلم
تقول إيمان محمود وهي مدرسة في أحد المراكز الخاصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، إن المساوة بين الأطفال في المعاملة وطريقة التربية والتعليم ظلم، حيث يتم التعامل مع هؤلاء الاطفال بدرجة أعلى أنهم متخلفون عقليًا، لكن على العكس قد يوجد طفل نسبة الإعاقة العقلية بسيطة، وأحدهم قد تكون متأخرة، ويوجد ثالث قد يكون مصاب بمتلازمة داون، وآخر بالتوحد، فكيف تتم معاملة كل الإعاقات سويًا؟!
وتشير إلى أنه وكما أن للدمج مميزاته، فله عيوبه أيضًا، حيث قررت وزارة التربية والتعليم دمج الأطفال المعاقيين بالعاديين في المدارس الحكومية، بدعوى دمج الأطفال معًا وتقبلهم لبعضهم البعض.
لكن ما حدث هو العكس حيث تقول إيمان محمود في كثير من الأحيان يقوم الأطفال العاديون بالاستهزاء بالطفل المعاق أو الاعتداء عليه نفسيًا وجسديًا، مما يخلق لدى الطفل آثار نفسية سيئة وشعورًا بالرهبة والخوف، وعدم مراعاة قدرات الإعاقة الجسمية والاضطرابات المصاحبة لمثل هذه الحالات في عملية التكيف المدرسي سواء بالمناهج أو المباني أو المرافق العامة أو وسائل المواصلات.
غياب مراكز التأهيل النفسي
تغطي مراكز العناية التأهيلية لذوي الاحتياجات الخاصة والمدارس الحكومية 60% من القاهرة والجيزة، ولا تغطي باقي المحافظات، مما يعتبر مأساةً حقيقية تواجه الأسرة المصرية التي لا تعلم كيف تربي طفلها المعاق بشكل صحيح، وقد يصل الأمر في النهاية للأسرة بترك الطفل وعدم تعليمه وقد يترك المنزل أيضًا ويبقى في الشارع.
وتقول أم مصطفى– وهو طفل مصاب بمتلازمة دوان – إنها تضطر للسفر للقاهرة من محافظتها لإعطاء ابنها جلسات تأهيل نفسي وتعديل سلوك، لعدم وجود مركز تأهيلي في منطقتها، مما يصيب طفلها بالإعياء من السفر ولا يستطيع التركيز، وأصبح يكره هذا اليوم.
وتطالب بوجود مراكز تربوية لهؤلاء الأطفال في المحافظات ويكون سعرها مدعمًا لأن المراكز الخاصة أسعارها باهظة ولا تناسب متوسط دخل الأسرة المصرية، إضافة لوجود دعم مادي أو معاشٍ شهري يلبي احتياجاتهم، أو علاج بالمجان لهم.
مشكلات تربوية
من أهم المشكلات التربوية التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب أسماء مصطفى – مدربة تخاطب في إحدى مراكز العناية التأهيلية – عدم توافر مدارس خاصة وكافية للفئات العقلية المتوسطة والمتخلفين منهم، وعدم توافر الكوادر التعليمية المختصة.
وتضيف من أهم المشكلات التربوية عدم ملائمة أو انعدام الوسائل التعليمية لهذه الفئات العقلية من المعوقين حركيًا، فالمعوقين حركيًا فقط والذين يتمتعون بقدرات عقلية جيدة يترتب على ذلك إلحاقهم بالمدارس العادية، لافتة إلى غياب التشريع التربوي الذي ينص على تعليم المعوق وتأهيله أكاديميًا ضمن البرامج التربوية العادية لفئات المعوقين، وخاصة ذوو القدرات العقلية الطبيعية.
نسب غير مؤكدة
وما يجعل الحال أكثر تدهورًا عدم وجود إحصائيات رسمية بأعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، أو عدد المدارس الخاصة بهم، حيث يؤكد المجلس القومي لشؤون الإعاقة في مصر عدم وجود بيان رسمي مؤكدًا على عدد المعاقين فى مصر.
وعند الرجوع للمجلس أكدوا هذا التصريح، بسبب اختلاف أعداد المعاقين فى مصر، فهناك السمعية والبصرية والحركية والذهنية، ولأن لكل مؤسسة إحصائياتها الخاصة بها.
ولكن أكد المجلس على أن مصر تولي أهمية خاصة لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يؤكد الدستور على ضمان الفرص التعليمية المتكافئة لجميع الأصحاء والمعاقين منهم داخل أجهزة التعليم الرسمية، وتحرص الحكومة على تقديرها والتزامها للمعاقين بتنفيذ حكم القانون بشأن تعيين 5% من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تحرص على توفير فرص عمل لهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدتهم على مواجهة أعباء الحياة، والتشديد على عقوبة المخالفين من أصحاب الشركات الذين يرفضون تعيين هذه الفئات.
مراكز التأهيل الخاصة
وبرغم الوضع السيء لذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، إلا أنه توجد تجارب لمراكز ومدارس تربوية لهم، ولكنها خاصة وليست حكومية، فعلى سبيل المثال تروي أسرة الطفلة فاطمة محمود تجربتهم في تعليم ابنتهم، وبعد بحث ولف في المدارس والمراكز وجدوا مدرسة خاصة في طريقها للاعتماد الرسمي من الحكومة.
وتقول الأسرة إن المدرسة تكاليفها الشهرية حوالي 1500 جنيه مصري تقريبًا وهي أرخص مدرسة في التكاليف، وتعمل من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، وتقوم بتنمية ذكاء الأطفال وتنمية مهاراتهم وتعديل سلوكهم، إضافة لتعليمهم القرآن والقراءة والكتابة والحساب.
ويتخلل اليوم الدراسي فقرات ألعاب وثلاث وجبات غذائية، إضافة لوجود متخصصين مؤهلين ومكان مجهز، ووجود كاميرات في كل مكان لمراقبة المدربين وكطمئنة للأسرة بعدم وجود اعتداء على أطفالهم.
وتطالب أسرة فاطمة الحكومة بوجود مدارس مماثلة لكن مدعمة ماديًا تناسب متوسط دخل الأسرة المصرية التي لا تستطيع دفع هذا المبلغ، فتعليم هؤلاء الأطفال والاهتمام بهم واجب على الدولة، ولهم حقوق مثل قرنائهم من الأطفال العاديين.