معلمة لـ 5 أيام!
عملتُ في مدرسة لخمسة أيام فحسب، أما لماذا عملت؟ فلأنني كنت أحب الأطفال، وبالفعل كنت مسؤولة عن إحدى صفوف رياض الأطفال. وأمّا لماذا اشتغلت لخمسة أيام حسب؟ فالإجابة تتمحور حول عدة أمور وقضايا ألخصها في النقاط التالية:
1- فصل واحد وأربع مدرسات وذوو الاجتياجات الخاصة!
هناك مثل إنجليزي يقول: “too many cooks spoil the broth” أي كثرة الطباخين تفسد الطبخة!
وللأسف فإن إدارة هذه المدرسة كانت جِد سيئة في توزيع المدرسين وتنسيق الأمور داخل الفصل. ففصول رياض الأطفال كانت تسير على النسق التالي: مدرس الفصل الأساسي (يتغير على حسب المادة) ، مدرستان لطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة (عدد الطلبة قد يصل إلى ثلاثة أو أربعة)، ومشرفة المدرس.
غني عن الذكر، أن فصل يديره أكثر من شخص واحد، لا سيما والطلبة من الأطفال، يسبب الكثير من المشاكل والتحدي. زعمت إدارة المدرسة أنها تضم ذوي الاحتياجات الخاصة مع بقية الطلبة حتى يتم “الدمج” فلا يشعر الطلبة بالتمييز! ولكنني أؤكد لكم أنهم كانوا يشعرون بالتمييز وهم يدركون ذلك تمامًا! فهم الوحيدون الذين كانت لهم مُدرِّسة خاصة، بينما يكتفي العشرون طلبة الآخرين بمُدرِّسة واحدة، هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى، فقد كان طلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، يشتتون الطلبة الآخرين بحركاتهم وتصرفاتهم التي قد تصل إلى العدائية أحيانًا. فقد قامت طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة بشد شعر طفلة أخرى! بالطبع مفهوم أن تصرفاتها غير متعمدة وأنها مريضة! ولكن كيف يمكنك أن تشرح هذا بشكل منطقي لطفلة صغيرة تم شد شعرها بعنف من قبل زميلتها؟! سيما وأنه لا يتم توجيه الطلبة وتفهيمهم بأن في الفصل زملاء لهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه أزمة أخرى.
2- مدرسات ذوي الاحتياجات الخاصة، يشتتن المُدرِّسة والفصل!
في الموقف السابق مثلًا من شد الشعر، قامت المدرسة المسؤولة عن الفتاة بضربها على وجهها، ولمّا أجهشت الطفلة بالبكاء ما كان من منها إلا أن قرصتها حتى صرخت الفتاة بقوة، وخاف بقية الأطفال وبدأت بعض الفتيات بالبكاء! أما الأولاد فبدأوا باللعب والجري في الفصل بعد أن فقدتُ السيطرة لانشغالي بالحادث الأليم. وأحسست حينها أنني في سرك أو مسرحية مأساوية، فلم أعرف أأضحك على الأولى، أم أبكي على الثانية!
وبعد انتهاء الحصة أو لنقل المهزلة، نزلتُ إلى المديرة، وشرحتُ لها ما حصل ووجهة نظري في الأمر، فما كان منها إلا أن تغنت بموضوع الدمج، وقدرة المُدَرسة “الخارقة” على التحكم في الفصل “رغم الظروف”! وكأننا نتحدث عن أمطار غزيرة أو إعصار طارئ، وليس عن أطفال قد يكرهون المدرسة بسبب سوء التنظيم والمعاملة والإدارة! هذا غير أن المدرِّسات الأخريات لم يكن يُجِدْن التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وهنَّ ــ فَرَضًا ــ المتخصصات.
3- المشرفة أو مساعدة المدرسة، وجودها كعدمها:
وكانت هذه هي رابعتنا، وكأنني كان ينقصني من يلحقني كظلي، ولا يساعدني في شيء! كان من المفترض أن تكون المشرفة مسؤولة عن تصحيح الدفاتر وتوزيع الكتب وأمور من هذا القبيل. ولكن الحقيقة أنها لم تكن تساعد في أي من هذه الأشياء. بل كانت عبءً من الأعباء حيث كانت دائمة الصراخ في الأطفال. ومرة نادت طفلًا، وكانت على وشك أن تقرصه لأنه تحرك في مكانه أو كان يضحك، لولا أنني نَهَرتها عن ذلك الفعل!
4- ما لنا وضرب الأطفال!
لم يكن موضوع الضرب متعلقًا بالمشرفات فحسب، بل كان كذلك يخص المعلمات. فكجزء من الفترة التدريبية كنت أَحضُر دروس بعض المعلمات القديمات، وأرى طريقة شرحهن وتعاملهن مع الطلبة. فقامت بعضهن بضرب الأطفال أو قرصهن! وعندما أخبرتُ المديرة بأمر المشرفة وبعض المعلمات، أخبرتني بأن الضرب والقرص ممنوعان، وأن أحدًا من الأطفال لم يشتكِ! وبالتالي لم تتخذ أي إجراء! فإن كان ما قالته نوعًا من التبرير، فهو قطعًا غير مقبول، وإن كان يدل على تفاجؤها بالأمر،
فما أكثر المفاجآت والمتفاجئين في هذا الزمان، ولكن ماذا بعد؟!