مقارنات بين أجواء التعليم المختلط والمنفصل
في دراسة لقناة البي بي سي البريطانية عن وقائع التعليم في المدارس المنفصلة والمختلطة، ظهر أن عدد المدارس المنفصلة انخفض للنصف في بريطانيا في آخر 20 سنة، ومع ذلك تظل الدراسات والوقائع الاجتماعية ترد النقاش إلى المقارنة بينها وبين المدارس المختلطة. والسبب الرئيس أن معدّل درجات الثانوية GCSEs للطالبات أعلى باطّراد في المدارس المنفصلة عن نظيراتهن من طالبات المدارس المختلطة، بنسبة 75% للمنفصلة إلى 55% للمختلطة.
وتسرد الدراسة أهم مزايا التعليم أحادي الجنس أو مدارس الجنس الواحد Single-sex schools، يمكن جمعها في النقاط التالية:
1- إمكانية تطويع البيئات التعليمية والدراسية لتوافق احتياجات كل جنس على حِدَة .فقد لوحظ في مواد الخطابة والمناظرات ميل الفتيات للانتظام بالدور في النقاشات الجماعية، في حين يفضّل الفتيان العفوية وقطع الدور على بعضهم البعض.
2- وقد أظهرت دراسات فيزيائية أن اختلافات الجنسين لا تقتصر على المستوى الفكري أو أنماط اجتماعية، بل ثمة اختلافات بيولوجية مثل ارتياح الفتيات في الفصول ذات درجة الحرارة الدافئة، في حين يؤدي الفتيان أفضل كلما علت البرودة.
3- أظهرت الفتيات في المدارس المنفصلة تفوقًا لافتًا في المجالات التي يترأسها الشباب عادة في المدارس المختلطة، أهمها العلوم التطبيقية والرياضيات؛ وعدد المتجهات للمجالات الهندسية والعلمية في المرحلة الجامعية من المدارس المنفصلة ضعف عدد نظيراتهن من المدارس المختلطة.
واتضح أن لضغط الأقران Peer pressure عاملًا مؤثرًا في تحجيم الاختيارات الفردية، فالنمط السائد في المدارس المختلطة يجعل اهتمام الفتاة بمثل تلك المجالات مسلكًا غير أنثوي ويتم وصمهمن بصفات تدل على الهَوَس أو غرابة الأطوار: geek, nerd, weirdo, dweeb
وفي المقابل، تُظهر الدراسة أن شعبية المدارس المختلطة ترجع في الأساس للانطباع السائد أنها تعين الجنسين على الاختلاط الطبيعي من سن مبكرة، فلا يقعون في فجوة الانفصام بين الحياة المدرسية المنعزلة والحياة الاجتماعية القائمة على مخالطة الجنس الآخر، خاصة حين يقبلون على المرحلة الجامعية التي لا يتاح في غالبها فرصة الفصل، فيتعامل كل جنس مع الآخر بتصورات مثالية تخالف الواقع.
لكن تظل الحقائق والإحصاءات عائقًا أمام القطع بهذه المزية للمدارس المختلطة، إذ تذكر مجلة “ما الذي يجري؟” التعليمية WH Magazine في بحث لها يقارن بين نوعي التعليم، أن أهداف المخالطة الاجتماعية السويّة التي تقوم عليها المدارس المختلطة تتعارض مع وقائع حالات التحرش والتنمّر والعنف الجسدي والعقد الجنسية.
فضلًا عن أن مرحلة المراهقة بالذات تتسم بفوران الشهوة والرغبة لدى الجنسين، فتكثر الغراميات وما يعرف بـ Teen crush والاشتغال بالعلاقات العاطفية، فتصرف الطلبة في 70% من الحالات عن الدراسة.
وتذكر المجلة في المقابل فوائد التعليم المختلط الأخرى:
1- فهو يوفّر بيئة تنافسية حامية أكثر من بيئة الجنس الواحد، ويشجع الجنسين على تحدي القوالب النمطية اللصيقة بهما.
2- وميزانيته المطلوبة أكثر اقتصادية خاصة للدول النامية، إذ تتيح التركيز على جودة أدوات التعليم كلما قل عدد المدارس المطلوب إنشاؤها نظرًا لاتساعها للجنسين، بخلاف التوجه لإنشاء مدرسة لكل جنس على حِدّة في كل منطقة. وهذا الاقتصاد بشمل الحاجة لعدد أقل من الكادر الوظيفي والمعلمين، وبالتالي يعطي فرصة لرفع الأجور (وغني عن الذكر أن الواقع في الدول النامية لا يتطابق وكل هذه المزايا المسرودة).
3- ولا يفوتهم التنويه على أن التقاليد المحافظة في كثير من مجتمعات الدول النامية تمنع الفتيات من ارتياد المدارس المختلطة، فهذه من أكبر سلبيات التوجه لإنشاء مدارس مختلطة في الدول النامية.
وتخلص المجلة، كما الدراسة التي قدمتها البي بي سي، إلى أن جودة العملية التعليمية عامة تقوم على عوامل عديدة لا تقتصر على جنس الطلبة، مثل نوعية المعلّمين وتجديدات المناهج التعليمية وتنويع الأنشطة. والتركيز على قضية الفصل أو الخلط وحدها دون بقية العوامل لن تقوّم العملية، خاصة وأن السلبيات والإيجابيات المتعلقة بعامل الجنس يمكن التكيف معها وضبطها بمعاونة العوامل الأخرى لا في غيابها أو قصورها.