نحو تمكين النساء في المجالات العلمية
نشأتُ في منزلٍ يُولي الإناث اهتمامًا بالقدَر نفسه الذي يُمنح للذكور، لم أجد أي فرق بالدور الذي كانت تؤديه أسرتي بهذا الخصوص؛ على صعيد تنمية إبداعاتي خلال مرحلة الطفولة وحرصها على الاعتناء بمساري الأكاديمي، ودعمي لاختيار التخصص العلمي المناسب.
اخترتُ تخصص الكيمياء في الجامعة الأردنية، وكنت من بين الطلبة المتفوقين في دراستي، لكنني في هذه المرحلة لاحظتُ أن نسبة الأساتذة الجامعيين الذكور في الكليات العلمية تفوق نسبة الـ 90% مقارنة بالأساتذة الجامعيين من الإناث، هذه الملاحظة جعلتني أطيل التفكير وأعجب من الأمر؛ لا سيما أن نسبة الفتيات في كليات العلوم تفوق نسبة الشباب، بل إن نسبة الشباب تكاد لا تُرى على مقاعد الدراسة، حتى في حفلة التخرج كانت قائمة أسماء الخريجات طويلة جدًّا مُقَارنة بقائمة الخريجين، لذلك جاء تساؤلي عن الأسباب التي تمنع هؤلاء الفتيات من إكمال مسيرتهن المهنية أو الأكاديمية للاتجاه إلى البحث العلمي؟ حقًّا لماذا تختفي الفتيات بعد تخرجهن؟
تخرجت في الجامعة، وبدأتُ رحلتي المهنية، عملتُ في مركز أبحاث علمية، وكنت أقضي معظم وقتي في المختبر بين الأجهزة والتجارب وكتابة التقارير، ومجددًا استرعتني الملاحظة نفسها، كل من يحمل الشهادات العليا ويحتل المناصب الرائدة في الشركة هم الذكور. تساءلت مرة أخرى: لماذا؟!
الأمر استفزني، فقمت بالبحث حول هذه الظاهرة، لأجد أنها لا تقتصر على عالمنا العربي، بل إنها ظاهرة عالمية؛ فالدراسات تظهر أن نسبة 28% فقط من الباحثين في العالم هن نساء، وأن 17 امرأة فقط ربحت جائزة نوبل في مجالات الفيزياء والكيمياء والمجالات الطبية مقارنة بـ 572 رجلًا.
بعد ما يقارب العام، انتقلتُ للعمل في مركز متخصص بالتعليم الإبداعي، لعلي أستطيع الإسهام في حل المشكلة من جذورها.
وهكذا بدأت رحلة جديدة في مختبر الخيميائي “The Alchemist Lab”، وهو مركز يهدف إلى تحفيز التفكير الناقد لدى الأطفال والشباب وتمكين مهارة التساؤل لديهم من خلال أنشطة تفاعلية تركز على العلوم، والهندسة، والتكنولوجيا والرياضيات، وذلك لإنشاء جيل قادر على التغيير، بالإضافة إلى تقديم دعمٍ خاصٍّ بتمكين الفتيات لجعلهن يلتفتْن إلى مستقبلهن بعيدًا عن الصورة النمطية السائدة في المجتمع.
عملي في هذا المجال أتاحَ لي فرصة زيارة مختلف محافظات المملكة ليتبين لي أن معظم الأطفال في منطقتنا لا يحصلون على فرص تعليمية بجودة عالية، وهذا لعدة أسباب، منها البعد الجغرافي والعوائق المادية، وهنا تأتي مَهمَّة مختبر الخيميائي، إذ ينظِّم سنويًّا العديد من المبادرات والحملات في المناطق الأقل حظًّا، وهي بدورها تعمل على تحسين نوعية التعليم الذي يتلقاه الأطفال.
ويوجد ضمن هذه النشاطات حملات خاصة بدعم الفتيات، تحديدًا في مرحلة ما قبل الجامعة، والتي تسعى إلى تمكينهن بالمهارات التي يحتجنها، وترفع من ثقتهن بأنفسهن لدخول المجالات العلمية، بالإضافة إلى تعريفهن بكل ما يحتويه سوق العمل من فرص في هذه المجالات.
وكما ذكرت، إن قضية دعم النساء في مجالات العلوم، والهندسة، والتكنولوجيا والرياضيات هي محور نقاشٍ عالمي، والكثير من الدول المتقدمة تنصبُّ جهودها على ذلك، طامحة إلى إيجاد الحلول والقضاء على الفجوة بين الرجال والنساء في هذه المجالات.
وبفضل الله، تم اختياري من الأردن ضمن واحد من البرامج التي تعنى بتمكين المرأة عالميًّا، حيث كنت من بين 4 قادة يعملون في مجال دعم المرأة للمشاركة في برنامج “الزائر الدولي“، وهكذا بدأت رحلتي الهادفة لتمكين بنات جنسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من الخارجية الأمريكية، واستفدت هناك مما تقوم به المؤسسات والجامعات والمدارس بخصوص تمكين المرأة.
عدتُ إلى الأردن ممتلئة بالأمل وبخبرات عاهدت نفسي أن أنقلها إلى محيط عملي، بل في كافة محافظات المملكة، لتمكين الفتيات الناشئات وزرع ثقافة جديدة تؤكد على مكانة المرأة العلمية وقدرتها على الإبداع في كافة الميادين، ولكن قبل كل شيء، يجب فتح الأبواب أمامها والتوقف عن الحد من تطلعاتها.