نظام مروات .. الجزائر تلجأ إلى إصلاح الإصلاحات الفاشلة
تعيش الجزائر من جديد سجالَ فشلِ الإصلاحات التربوية بَعدَ اعتراف الوزيرة المسؤولة عن القطاع نورية بن غبريت، أن التلميذ الجزائري لا يحتل مراتب متقدمة في التقييمات العالمية، وهو ما يجعله أقل بكثير من المستوى المطلوب. تصريحات بن غبريت لم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل أكدت ضعف مستوى تلاميذ الطورين الابتدائي والمتوسط في الرياضيات والمواد العلمية وفهم المكتوب، اعترافات الوزيرة “الصادمة“ جاءت لتسقط “تباهي الوزارة سنويًّا“ بعدد التلاميذ الذين يجتازون امتحاناتها النهائية في مختلف الأطوار التعليمية، وتستدل بهذه الأرقام للتأكيد على تطور قطاع التربية في الجزائر على درب ما وصلت إليه أكبر البلدان في العالم.
وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريت، أكدت أن التلميذ الجزائري لا يمكنه أن يحقِّق نتائج أفضل بالنظر إلى الظروف الخاصة التي مرت بها المدرسة الوطنية، بداية من العشرية السوداء التي استهدفت المؤسسات التعليمية، إلى فترة عدم الاستقرار التي شهدها القطاع لسنوات مما جعل المدرسة “تفقد سنتين من الدراسة مقارنة بنظيراتها في العالم “.
وشهدت المدرسة الجزائرية، صراعًا كبيرًا بين مختلف الإيديولوجيات، خاصة بين تيار الوطنيين والإسلاميين وتيار العلمانيين والفرانكفونيين، وتحصي الجزائر أكثر من 8.5 ملايين مسجلين في الأطوار الثلاثة، ويبلغ معدل التلاميذ في الأقسام بين 40 و 45 تلميذ في عدد من المحافظات.
1976 بداية الفشل
بداية الفشل كما يقول المسؤول البيداغوجي بمعهد باريس لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، الأستاذ الجزائري حوسيني طاهر، في تصريح لشبكة “زدني“ إن ضعف المستوى الدراسي هو نتيجة حتمية نظرًا للإصلاحات العشوائية التي انتهجت منذ أمرية 1976 والتي تعتبر أول قانون للتربية الوطنية.
ويؤكد المسؤول البيداغوجي بمعهد باريس، أن: “الكل يعرف أن ضعف المستوى يعود إلى إصلاحات الجيل الأول، وكانت من بين مهندسيها وزيرة التربية الحالية نورية بن غبريت، وعندما أعلنت عن إصلاحات الجيل الثاني فهو اعتراف صريح وواضح أن الإصلاحات الأولى فشلت، ودمرت أجيال بأكملها“، واستدل المتحدث في سياق حديثه عن فشل الإصلاحات بالمثل القائل “عيب المهندس يهد وعيب الطبيب يدفن ولكن عيب المعلم يدمر المجتمع “.
وفي محاولة منه لتحديد الداء وتشخيصه، يرد حوسيني طاهر على أسئلة فريق شبكة “زدني“ قائلًا: “إذا حاولنا تحديد أسباب الفشل فنلاحظ أن تقسيم الأطوار من أسباب تدني المستوى، فجميع المربين وعلماء النفس متفقون على أن الطور يدوم ثلاث سنوات هذه الفترة تحدد نمو الطفل الجسماني والعقلي، وعليه فكل طور يناسبه مستوى معين، لكن نلاحظ أنهم قطعوا الطور خاصة في الابتدائي وإضافة إلى المتوسط، وعليه فمستوى الإدراك لدى الطفل لا يتناسب مع المستوى الدراسي في المتوسط “.
ويضيف المسؤول البيداغوجي بمعهد باريس، أن: “المناهج طبقت طريقة التعليم بالكفاءات ولكن في الحقيقة تم تطبيق التعليم بالأهداف“، ومن بين الأسباب الأخرى يشير المتحدث إلى: “كثافة الدروس وقلة تكوين الأساتذة والمعلمين، فالتكوين يقتصر اليوم على أيام معدودات فقط، ضف إلى ذلك تفشي ظاهرة الغش حتى بين المفتشين“، ويشير المتحدث إلى أسباب أخرى “كالاكتظاظ في الأقسام وعدم تعاون الأولياء “.
خبراء يستغيثون
اعترافات وزيرة التربية نورية بن غبريت، بضعف مستوى التلميذ الجزائري، وضعتها في “قفص الاتهام“ وأحيت تارةً أخرى صراعها مع خصومها الذين حصروها في ثقافة المستعمر الفرنسي السابق للجزائر، ووصل هذا الجدل إلى قبة البرلمان الجزائري، بعد أن ثار عدد من النواب ضد بن غبربت وحملوها مسؤولية تدني المستوى التعليمي للتلميذ.
ويقول النائب عن التحالف الإسلامي من أجل النهضة والعدالة والبناء، حسن لعريبي، في بيان تحوز شبكة “زدني“ على نسخة منه: إنه “ليس عجبًا أن يرفع الخبراء نداء استغاثة من أجل إنقاذ بقايا التلاميذ من أخطبوط الإصلاح العلمي “.
وحمل حسن لعريبي مسؤولية تدني المستوى التعليمي للتلاميذ إلى السياسية التي تنتهجها الوزارة الوصية كـ “حشو البرامج بمقررات تتبع المعلم قبل المتعلم والدروس المكثفة والصعبة وأغلبها فوق طاقة استيعاب التلميذ، ومشاريع ترهق قدرة التلميذ وجيب الولي وواجبات تجعل التلميذ ينام دائما فوق كراسه من جور العلم وقلة الحيلة “.
ويؤكد النائب عن التحالف الإسلامي، أنه وفي وقت تسعى المنظومات التربوية العالمية إلى غرس القيم المدنية والآدب والأخلاق التي تناسب سن التلميذ، “تجتهد المنظومة التربوية الحالية في الجزائر في حشو عقل التلميذ بمعلومات وأرقام تذبح عقله لا أن تحينه “
وأرجع النائب حسن لعريبي، أسباب تدني مستوى التلاميذ خاصة في مادة الرياضيات إلى: “ العشوائية المنتهجة في التوظيف فالكثير من المعلمين المتخرجين من كليات الآداب يعينون لتدريس الرياضيات وهي فوق مستواهم، بينما يعين الكثير من الأساتذة الذين يحملون شهادات في العلوم لتدريس الكثير من المقررات الأدبية التي هي فوق مستواهم“.
ويقول صاحب البيان إن الإصلاحات التي أدرجت في المنظومة التربوية: “تبشر بجيل لا يستطيع حتى كتابة طلب توظيف كما هو واقع الحال “.
غضب نقابي
اعتراف بن غبريت بضعف مستوى التلميذ الجزائري أغضب أيضًا أهل القطاع، ودعت النقابات الوزارة الوصية إلى وقف ما تسميه بـ “إصلاحات الجيل الثاني“ التي أنتجت جيلا عاجزًا لا يجيد لا القراءة ولا الكتابة ولا التحليل ولا النقد.
ويقول في الموضوع المكلف بالإعلام والمتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار، مسعود بوديبة، في تصريح لشبكة “زدني“ إن: “الاعتراف بضعف المستوى، دليل فشل مسؤول القطاع في إيجاد حلول ناجعة تسمح بحل الإشكالات المطروحة، أما بخصوص واقع الحال الذي تعيشه المدرسة الجزائرية من مشاكل الاكتظاظ ونقص المرافق والتأطير وإشكالية التوظيف الخارجي بدون تكوين قبلي وحتى التكوين المستمر لم يتجاوز المستوى الشكلي، أضف إلى ذلك التوجه نحو التضييق على حرية ممارسة العمل النقابي ومحاصرة الأستاذ في مؤسسته وتغييب الفاعلين في الميدان والشركاء الفعليين لمعالجة المشاكل المطروحة وكذا التغييرات التي تمس الأنظمة التعليمية”.
يضيف مسعود بوديبة: إنه “في ظل واقع كهذا يستحيل نجاح أي مشروع نظري يقدم للميدان، ولهذا فتحقيق الأهداف المرجوة من مدرسة الجودة تقتضي حل المشاكل القاعدية الأساسية والتي تعتبر أساس نجاح أي مشروع “.
نظام “مراوت“ لإصلاح الإصلاحات الفاشلة
وفي محاولة منها لتجاوز هذا “الفشل“ طرحت وزيرة التربية الجزائرية، نورية بن غبريت، خلال مشاركتها ضمن أشغال يوم برلماني خصص لقطاع التربية في البرلمان الجزائري، نظام “مراوت“ لإصلاح الإصلاحات الفاشلة التي شهدها القطاع منذ سن أول قانون للتربية الوطنية سنة 1976.
المرجعية الوطنية للتعليم والتكوين أو التسيير، أو ما يسمى بنظام “مروات“ يعتمد أساسًا على تحليل نتائج الامتحانات النهائية للطور الابتدائي وامتحان شهادة التعليم المتوسط، حيث تم إحصاء أكثر من 400 ألف خطأ، إضافة إلى تقييم مشاركة التلاميذ في المسابقات الجهوية والعالمية، والاستشارات الوطنية التي شارك ضمنها أكثر من 302ألف أستاذ.
نظام (مروات)، الذي يهدف إلى “تصويب إصلاحات المنظومة التربوية“ لم يحظ بدعم الأسرة التربوية وتأييدها، وفتح المجال للمطالبة بالعودة إلى التدريس بالطرق القديمة المسيرة والتي أنتجت النخب والكفاءات العلمية التقنية والتي أخرجت “نوابغ“ في كل التخصصات رغم محدودية الوسائل.
هذا الإصلاح جاء حسَبما كشفت عنه وزيرة التربية الجزائرية بعد التحقيق الخاص بآلاف أوراق الامتحانات الرسمية الذي قام به جامعيون ومهنيون في مجال التربية والتحقيق الإلكتروني حول غالبية المعلمين، وحول نتائج المردود المدرسي للتحقيق الدولي الذي شاركت فيه الجزائر في سنة 2015، وأسهم هذا التحقيق في بروز مجموعة من الإشكاليات المترتبة عن تطبيق الإصلاح ابتداء من سنة 2003.
وفي تشخيصه للداء يقول في الموضوع رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ على بن زينة، في تصريح لشبكة “زدني“ إن: “أغلب الشكاوى التي استقبلتها المنظمة تجمع على أن التلاميذ يتلقون الدروس بطريقة غير طبيعية من طرف الأساتذة، والأساتذة في حد ذاتهم يعانون من مشاكل كثيرة في إيصال المعلومة ويشتكون أيضًا من مضامين المناهج والبرامج”.
وسلط على بن زينة الضوء على مشكلة حقيقة تتمثل في ضعف التأقلم مع البرامج الجديدة ومع طريقة التدريس وأيضًا هناك صعوبة في التواصل بين الأستاذ والتلميذ وحتى ولي أمره، وتطرق في هذا السياق على بن زينة للحديث عجز الأساتذة عن فهم المضامين بسبب ضعف تكوينهم، ويضاف إلى ذلك عجز الأولياء عن عجز أبنائهم على فهم المواد المدرسية.
واقترح بن زينة العودة إلى العمل بالطرق التقليدية القديمة والتي أنتجت على حد قوله النخب والكفاءات العلمية التقنية، والتي أنجبت نوابغ في كل التخصصات رغم محدودية الوسائل، مقارنة بالمناهج المتبعة اليوم في التدريس رغم الميزانية الضخمة المرصودة للقطاع وتناهز حوالي 7 مليارات من الدولارات، وهو مبلغ يمثل الناتج المحلي الخام لعدد من الدول الإفريقية المجتمعة، وتمثل ميزانية قطاع التربية أهم حصة في ميزانية التسيير في قانون الموازنة العامة للدولة 2019، إلا أن الغلاف المالي لا يظهر على الميدان، بدليل الاكتظاظ الذي تعاني منه الأقسام خاصة في الولايات الجنوبية.
400 ألف خطأ تم إحصاؤها في مختلف الامتحانات
ويقول في الموضوع النائب عن التحالف الإسلامي والنقابي السابق، مسعود لعمراوي، في تصريح لشبكة “زدني“ إن: “ما حذرنا منه منذ سنوات تحقق اليوم، لكن اتهمتنا الوزيرة حينها بالسعي إلى تحطيم المدرسة الجزائرية، ويرى المتحدث أن اعتراف بن غبريت بوجود 400 ألف خطأ للتلاميذ في مختلف الامتحانات الرسمية أمير “خطير للغاية“، لكن هذا الرقم منطقي بالنظر إلى الأخطاء التي ارتكبها مؤلف الكتب المدرسية، حيث تم إحصاء 1200 خطأ علمي ولغوي داخلها”.
ويوضح مسعود لعمراوي، أن عملية الإصلاح انطلقت في سنة 2003 ترأس اللجنة آنذاك على بن زاغو، وكانت الوزيرة الحالية نورية بن غريت تشغل منصب نائب رئيس لجنة الإصلاح، ويشير إلى أن الوزيرة وبعد مضي 15 سنة تعترف بفشلها، لعدة أسباب أبرزها عدم وجود أي تقييم للإصلاح التربوي باستثناء ما تم في سنة 2015، وخلصت العملية التي شملت الطورين الابتدائي والمتوسط، إلى الإعلان عن 450 توصية.
ويرى النائب عن التحالف الإسلامي أن المدرسة الجزائرية بحاجة اليوم إلى قرار سياسي كتشكيل لجنة خبراء جزائريين ذو كفاءة وليس بالاعتماد على معيار الولاء والتوجه الإيديولوجي، ونجاح أي نظام اليوم مرتبط بتحقيق القسم النموذجي.
ولدى تطرقه للحديث عن نظام “مروات“، يؤكد مسعود لعمراوي أن هذا النظام طبقته العديد من الدول، لكن نجاحه في الجزائر مستبعد لأنه يصطدم بمشكلة التزوير القائم في النتائج المدرسية وتضخيمها.