فكرة

نظريات في تعريف الجمال

منذُ بَدْء الخليقة والإنسان يحمل مفاهيمَ لا يستطيع أن يُجسدَها في قوالِبَ ماديةٍ، كالعدل والصدق والحرية والكرامة… مثل هذه المفاهيم كانت وما زالت لا تُجسَّد، ومع ذلك يستطيع الإنسان أن يعيشها، ويشعر بوجودها أو غيابها، فمثلًا: لا يستطيع أحدٌ أن يجد شيئًا ماديًّا ويقول هذا هو العدل! وعلى الرغم من ذلك يستطيع أن يشعر بوجود العدل أو غيابه.

من هذه المفاهيم مفهوم الجمال.. وسوف نرى أولًا ماذا يعني الجمال في لسان العرب.

يُعرف الجمال عند علماء اللغة بالروعة والبهاء والحسن والرونق.. يُقال الفتاة جميلة، أي: حسنة المظهر وهكذا ..

ولكن الفلاسفة لهم فى ذلك شأن آخر؛ فقد تعددت وتنوعت آراء الفلاسفة في تعريف الجمال.. سنلقي النظر على بعضها ..

الجمال عند أفلاطون:

وصف أفلاطون الفنَّ الجميل بأنه “هَوَس”، وكثيرًا ما يتبادر إلى الذهن معنًى غير صحيح وهو شائع لهذه الكلمة، والمعنى عند أفلاطون هو الإلهام الذى مصدره الآلهة رَبَّات الفنون .

والهوس عند أفلاطون أربعة أنواع، منها ما يسميه “هوس الصوفية” وهذا النوع لا يأتي إلا لمن تطهرت نفسه، وتجمَّلَتْ، وأصبَحَتْ نقية، فتَكَشَّفَت لها الأسرار الدينية.

والنوع الآخر الذي نحن بصدده الآن هو “هَوَس الشعراء” وهو الإلهام الذى يُصيبه؛ فيجعله يُجيد فن الشعر؛ حتى لتتضاءل أمامه أى براعة مهما بلغت درجة اتقان الصنعة فيها.

فالإلهام أو الهوس كما يسميه أفلاطون مرتبطان بجمال نفس صاحبهما، أي: نقائها وطهارتها ومدى ارتباطها بعالم الْمُثُل والحقائق.

يقول أفلاطون فى محاورة “القوانين”: “إن من يسعى إلى أجمل الغناء والموسيقا -وكذلك الأمر بالنسبة للفنون الأخرى- عليه ألا يبحث عما يبدو لذيذًا، بل ينبغى أن يبحث عن الصحيح وعن صدق المحاكاة التي تتلخص في التعبير عن الأصل من جهتي الكم والكيف”.

الجمال عند بندتو كروتشي -فيلسوف إيطالي، وُلد عام ١٨٦٦-:

من أعظم مؤلفات كروتشي كتابه عن “الجمال” الذي نشره عام ١٩٠٢، ويرى كروتشي أنه في الوقت الذي تقدم لنا العلوم فيه الفائدة فالفنون تقدم لنا الجمال؛ لذلك ظهر في كتابه هذا تفضيله للفن على العلم والميتافيزيقيا.

إن المعرفة نوعان، معرفة يُنتجها الخيال وأخرى يُنتجها العقل، والمعرفة الفنية هي معرفة خيالية وثروة ذهنية.. وبما أن الخيال يسبق الفكر فإن فاعلية العقل الفنية وقدرته على تكوين الصور الذهنية تسبق فاعليته المنطقية.

فالفاعلية الفنية يكمن جوهرها في الجهد الساكن الذي يبذله الفنان وهو صامت ليتصور الصور الكامنة المتقنة التي تعبر عن الموضوع الذي في ذهنه، ليست المعجزة الفنية في إخراج الصورة وإظهارها، وإنما في تصورها كفكرة؛ لأن إخراج الصورة ليس إلا صياغة آلية وبراعة يدوية.

ومن هنا يتضح تعريف الجمال عند كروتشي، حيث يرى أنه الصورة الذهنية التي يبدو فيها جوهر الشيء المدرَك؛ فهو يَمُتُّ إلى الصورة الباطنية أكثرَ منه إلى الصورة الخارجية التي هي تجسيد للباطنية.

ومهما اختلفت الآراء فى تعريف الجمال سيظل إحدى القيم الثلاثة التي تُرَدُّ إليها الأحكام التقويمية، وهذه القيم هي الجمال والحق والخير .

يقول ابن سينا:

وجمال الشيء وبهاؤه أن يكون على ما يجب له.

أميرة الشموتي

طالبة علم، مُهتمة بالفيزياء والعلوم الإنسانية.
زر الذهاب إلى الأعلى