نظرية سوسيونيكس .. عن نشأتها وبنيتها!
بعد استفاضة في الحديث عن نظرية كارل يونغ المرتبطة بأنماط الشخصية، ومؤشر مايرز بريجز المبني عليها، نتحدث معكم هذه المرة عن نظرية جديدة تسمى نظرية سوسيونيكس وهي تهتم أيضًا بأنواع الشخصيات، لكن من وجهة نظر إضافية يُدرج فيها علم الاجتماع كتفًا إلى كتف مع علم النفس.
برغم أن النظرية لم يتم إكمالها أو تقديمها بصورة علمية كافية، نظرًا لاعتماد جزء منها على بعض الملاحظات النظرية، إلا أنها تستحق أن يتم الاطلاع إليها والاستفادة منها، خصوصًا أنه يتم استخدامها على نطاق واسع!
نظرية سوسيونيكس هي عبارة عن نموذج يقوم بشرح الشخصية، اعتمادًا على أعمال كارل يونغ للأنواع النفسية، وملاحظات فرويد عن الوعي واللاوعي، ونظرية الطبيب النفسي البولندي أنطوني كوبيسكي لاستقلاب المعلومات – التي يشار إليها أحيانًا بإسم الأيض المعلوماتي – وهي نظرية نفسية تهتم بالتفاعل بين الكائنات الحية وبيئتها.
عن نظرية سوسيونيكس ونشأتها:
تأسست نظرية السوسيونيكس في الأساس من قبل الباحثة والعالمة الليتوانية “أوشرا أوجستا” في سبعينيات القرن الماضي، وتطورت بسرعة حتى أصبحت تتداخل في العديد من المجالات النفسية، ويعود اسم “socionics” إلى كلمة “Socity” أي المجتمع، حيث اعتقدت أوشرا أن كل نوع من الشخصية له دور اجتماعي خاص، والذي يمكن تحديده وشرحه عن طريق علم الاجتماع، وبناء على تلك النظرية تأسس المعهد الدولي للسوسيونيكس (IIS) في عام 1991 في كييف، بأوكرانيا.
وتعتمد النظرية في العموم على أن الشخصية الفردية تعمل كمجموعة من الكتل تسمى الوظائف النفسية، وتؤدي الطرق المختلفة لدمج هذه الوظائف وترتيبها إلى طرق مختلفة لقبول المعلومات وإنتاجها، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى أنماط سلوك مختلفة، وبالتالي أنماط مختلفة من الشخصيات.
وتتميز نظرية السوسيونيكس على وجه الخصوص، بنموذجها المعلوماتي عن النفس، ويسمى النموذج (A)، وهو نموذج للعلاقات بين الأشخاص، كما أنه عبارة عن تعديل لنظرية كارل يونغ، فتستند نظرية السوسيونيكس إلى ثمانية وظائف، بينما تستند نظرية يونغ على أربعة فقط.
وسبب تطوير هذا النموذج، هو إدراج الجزء الإضافي الخاص بعلم الاجتماع إلى النظرية النفسية، وهو ما أنتج المزيد من الوظائف، وبذلك أصبح من الممكن تحديد العلاقات بين الأنواع، وتفسير كيفية موازنة الأشخاص بين احتياجات النفس من خلال علاقاتهم مع بعضهم البعض.
بنية نظرية السوسيونيكس ومكوناتها:
تكونت نظرية يونغ لأنماط الشخصية من نوعين أساسيين من الشخصيات، وأربعة وظائف نفسية، لكن مع تطوير نظرية السوسيونيكس تم إضافة العديد من العناصر والمكونات، والتي نوضحها في النقاط التالية:
أولًا: عناصر المعلومات
تتمثل الفكرة الأساسية لإدراج علم الاجتماع إلى النظرية، بناء على إمكانية فصل المعلومات إلى ثمانية فئات، وتُدعى عناصر المعلومات، وهي العمليات النفسية للشخص التي يتم بنائها باستخدام ثمانية وظائف نفسية، ولكل نمط اجتماعي تفاعلات ووصلات مختلفة بين الوظائف وعناصر المعلومات، مما يؤدي إلى طرق مختلفة لإدراك المعلومات ومعالجتها وإنتاجها، وهذا بدوره يؤدي إلى أنماط تفكير واستجابات متميزة. أي ببساطة، تعتمد هذه النقطة على طريقة تفاعل الوظائف النفسية للأشخاص مع المعلومات الخارجية!
وتتكون عناصر المعلومات من ثمانية نقاط هم:
1- الحدس المنفتح
يرمز لها بالحرفين Ne، وهي الوظيفة المسؤولة عن فهم جوهر الظواهر، وتقدير الفرص المحتملة، ورؤية المتغيرات من تعاقب الأحداث.
2- التفكير الانطوائي
يرمز لها بالحرفين Ti، وهي الوظيفة المسؤولة عن فهم الاتصالات المنطقية، وتصنيف الهياكل، وعمليات التحليل، وتفسير الأدلة.
3- الاستشعار المنفتح
يرمز لها بالحرفين Se، وهي الوظيفة المسؤولة عن تصور العالم المحيط، وتفسير القوى المتواجدة به من خلال الإدراك المباشر.
4- الأخلاقيات الانطوائية
يرمز لها بالحرفين Fi، وهي الوظيفة المسؤولة عن فهم العلاقات المتبادلة بين الأشخاص، وبناء المواقف، والتقدير الأخلاقي والمعنوي، والتطلع إلى نشر الإنسانية.
5- الاستشعار الانطوائي
يرمز لها بالحرفين Si، وهي الوظيفة المسؤولة عن إدراك المشاعر الجسدية مثل الراحة، والسرور، والغضب، وما إلى ذلك.
6- الأخلاقيات المنفتحة
يرمز لها بالحرفين Fe، وهي الوظيفة المسؤولة عن إدراك الحالة العاطفية للشخص، والتعبير عن المشاعر.
7- الحدس الانطوائي
يرمز لها بالحرفين Ni، وهي الوظيفة المسؤولة عن تقدير الوقت، وفهم مسار العمليات، والتنبؤ.
8- التفكير المنفتح
يرمز لها بالحرفين Te، وهي الوظيفة المسؤولة عن فهم العمليات التكنولوجية وتنظيم العمل.
ثانيًا: الأنواع الـ 16
تُقسم نظرية السوسيونيكس الأشخاص إلى 16 نوعًا مختلفًا، ويُشار إليها في معظم الأحيان من خلال اثنين من أقوى وظائفهم، والتي تسمى في علم الاجتماع الوظيفة الرائدة، والوظيفة الإبداعية، وهي مماثلة تمامًا لمؤشر مايرز بريجز، حيث يقوم أيضًا بتقسيم الشخصيات بناء على نوع الشخصية، والوظيفة النفسية.
ثالثًا: النموذج A
تنظم النظرية كل شخص عن طريق تقسيمه إلى ثمانية وظائف منفصلة؛ ويشار إلى هذا الهيكل التنظيمي عادة باسم النموذج A، ويعتبر أحد الأسس المركزية لعلم الاجتماع. والجدير بالذكر، أن كل وظيفة تخدم غرضًا مختلفًا، وتحتوي على عنصر معلومات واحد.
بعبارة أخرى، يمكن اعتبار النموذج A بمثابة توليفة للوظائف وعناصر المعلومات، حيث يحتوي كل نموذج اجتماعي على اقتران فريد بين وظائف النموذج الثمانية، وعناصر المعلومات الثمانية أيضًا، مما يمنح كل نمط اجتماعي صيغة فريدة من نوعها.
رابعًا: الكتل والقوالب
وفقًا لـ أوشرا مؤسسة النظرية، هناك أربع كتل من النفس، وهم:
– كتلة الأنا.
– كتلة الأنا العليا.
– كتلة الهو.
– كتلة الهو العليا.
وتتألف كتلة الأنا من الوظائف المهيمنة والإبداعية، وكتلة الأنا العليا من وظائف الدوال والمهام، وكتلة الهو العليا من الوظائف الموحية والمحفزة، في حين أن كتلة الهو تتألف من تقدير الوقت وتنظيم العمليات.
خامسًا: العلاقات بين الأنواع
يحاول عنصر العلاقات قدر الإمكان وصف التداخل في طبيعة العلاقات بين فردين بناء على النمط الخاص بهم، والمبني على نظرية السوسيونيكس، وتنقسم التفاعلات – على حسب النظرية – إلى علاقات إيجابية تحتوي على صفات تعاونية ونافعة بين الأفراد، وعلاقات سلبية أخرى تحتوي على صفات سيئة، ويتم تحديد تلك الأنواع بناء على العناصر والمكونات السابقة.
سادسًا: المزاجات
تُقسم النظرية الشخصيات إلى أربعة مزاجات، وهم:
1- المزاج الانطوائي المعقول
يتميز هذا النوع من الأشخاص بالسلوك البطيء والمنهجي.
2- المزاج الانفتاحي المعقول
يتميز هذا النوع من الأشخاص بالسلوك النشيط والاستباقي.
3- المزاج الانطوائي الغير معقول
يتميز هذا النوع من الأشخاص بنقص الحافز والجمود.
4- المزاج الانفتاحي الغير معقول
يتميز هذا النوع من الأشخاص بسلوك اندفاعي وغير متوقع.
سابعًا: الكوادرات
الكوادرات هي مجموعة من أربعة أنماط اجتماعية يفضل أعضاؤها استخدام أربعة عناصر معلومات على نظرائهم، مع وظيفة واحدة أخلاقية، وواحدة منطقية، وواحدة حسية، وواحدة بديهية. والميزة الفريدة لتلك الكوادرات، هي أنها توفر أقصى درجة من الراحة النفسية بين جميع المجموعات، بحيث يكون التفاعل الوظيفي فيها متماثلًا.
وللتبسيط أكثر، مهمة الكوادرات هي تقسيم الـ 16 نوع، إلى أربعة أقسام كل قسم يسمى “الكوادرا” ويكون له رمز من الرموز التالية (ألفا، بيتا، جاما، دلتا)، ويحتوي كل قسم من الأربعة بدوره على 4 أنواع أسفله، لذلك تم إطلاق لفظ “كوادرا” عليه، أي رباعي!
في النهاية، لقد ساعد النهج الهيكلي الذي اتبعه “أوشرا” عن تقسيم نفسية الإنسان، على الذهاب إلى ما هو أبعد من نظرية الأنماط النفسية ليونغ، حيث تعتبر الميزة الرئيسية لنظرية السوسيونيكس أنها تركز على العلاقات بين الأنواع، ومن خلال معرفة الآليات الأساسية لتفاعلات النوع، يمكن للمرء أن يتوقع التطور في العلاقات الإنسانية بدقة لا تصدق.
وهذا ما يجعلها أداة قوية جدًا عند التعامل مع المشاكل في العلاقات، وخصوصًا علاقات العمل على وجه الخصوص!
المصادر: