نماذج من العمارة الإسلامية في العصر الأندلسي والعباسي
العصر الأندلسي:
كل من يهتم بأنواع وطرز العمارة، لابد أن ينتبه لروائع عمارة المسلمين في الأندلس التي لبثوا فيها ما يقرب من ثمانية قرون يشيدون فيها المباني المعمارية، التي لا تزال من أكبر الشواهد على عظمة حضارتهم في قارة أوروبا.
فعندما وصل المسلمون إلى شبه جزيرة آيبريا، كان يوجد بها الكتير من آثار العمارة التي تعود لحضارات مختلفة كالأيبيرية والرومانية.
بعض هذه الآثار ذات وظيفة دينية كالمعابد، وبعضها ذات وظيفة دفاعية كالقلاع والحصون، ومنها ذات الوظيفة المدنية كالقصور والمسارح والقناطر ونحوها.
ولقد شكل المسلمون مدنهم المفتوحة بطابع مميز يتلائم مع الدين الاسلامى، ولذلك كان لابد من إقامة المساجد التي تعد نواة للإسلام، حيث أن المسجد يصبح بمرور الزمن مركز المدن والحواضر وقلبها.
فمن المسجد تتفرع الطرق الكبيرة المؤدية إلى أبواب المدينة، وبالتالي تتفرع منها الشوارع والأزقة الموصلة للأحياء.
وحول ساحة المسجد تقام الأسواق والحمامات والفنادق والقيساريات وبداخل المسجد تعقد الاجتماعات السياسية، وتدرس العلوم الدينية والعلوم العامة.
ولذلك نجد أن للجامع أثرًا إيجابيًا على حياة المجتمع بجميع أشكاله وجوانبه. ولقد كانت هذه الظاهرة تتبع في كثير من المدن التي يفتحها أو يختطها المسلمون في شتى بقاع الأرض.
ونجد أن الأندلس تحولت إلى بقعه مضيئة يتجه إليها الناس من جميع أنحاء العالم لمختلف المجالات منذ أن فتحها المسلمون، ولا سيما في عهد عبد الرحمن الداخل ذلك الأمير الذي كرس حياته لبناء الدولة الإسلامية في الأندلس.
يعد عصر الأمير عبد الرحمن الداخل هو بدايه فن العمارة، وما زالت في الأندلس إلى يومنا الحالي الكثير من الدلائل على ما أبدعه المسلمون في مجال العمارة في هذه البلاد .
وعلى الرغم من أن أغلب هذه المباني ليست مكتملة البناء في عصرنا الحاضر كجامع قرطبة، وقصر حمراء وغرناطة، ومنارة أشبيلية وبرج الذهب، إلا أن هناك الكثير من الآثار الأندلسية المتناثرة في إسبانيا ذات طابع أندلسي يسهل تمييزه من خلال بعض العناصر المعمارية والزخرفية ذات الأصل الإسلامي التي ولدت على يد معماريو هذا العصر في إسبانيا.
أبرز مميزات العمارة الأندلسية وذلك على النحو التالي:
1- زيادة هائلة في مساحات الجوامع والقصور عند تصميمها، مع ارتفاع وزياده سمك جدرانها.
2- الاهتمام برفع أسقف المساجد على عقود وأعمدة من الرخام بزخارف معمارية جميلة، مع الاهتمام بالأروقة، إلى جانب الاهتمام بزراعه صحن المسجد بأنواع الأشجار المثمرة والاستفادة منها كظلل للمصليين.
3- زياده ارتفاع منارة المسجد إلى حد كبير نسبيًا، وذلك حتى يصل صوت المؤذن إلى كل أنحاء المدينة.
4- تصميم الدور الأندلسية انطلاقًا من فناء مركزي تطل عليه وحدات المنزل السفلية والعلوية، بحيث يخدم الفناء كمتنفس للمنزل مع استخدامه لمزاولة العديد من النشاطات العائلية.
5- بناء المنازل على شوارع ضيقة جدًا مراعاة لأهداف أمنية، وكذلك لتحقيق التواصل الاجتماعى.
6- استخدام الزخارف النباتية والكتابات القرآنية والأشعار في زخرفه الحوائط والأسقف والأقبية.
7- الاهتمام باستخدام العنصر المائي في الزخرفة بأساليب وأنواع كثيرة.
هذه لمحة عاجلة عن العمارة الإسلامية في الأندلس التي كانت مركز الاتصال الدائم بين آسيا وأفريقيا من جهة وبين أوروبا من جهة أخرى، والتي كانت بمثابة الجسر الذي عبرت خلاله تأثيرات الحضارة الإسلامية إلى أوروبا.
مركز الحمراء بغرناطة (1232-1408 م)
الحمراء لمحه تاريخية
سميت الحمراء بهذا الاسم نسبة إلى لون أسوارها الحمراء (القلعة الحمراء)، وتقع الحمراء فوق أعلى تل السبيكة على الضفة اليسرى لنهر الدارو شرقي المدينة وأمام أحياء البيازين والقصبة.
ونتيجة لموقعها الاستراتيجي الذي يمكن من خلاله مراقبة المدينة والريف الغرناطي بشكل كامل، يمكننا القول بأنه قد سبق وجودها بنايات أخرى قبل وصول المسلمين لهذا المكان.
بدأ الاستقرار في هذه المنطقة لأول مرة في القرن التاسع عندما اضطر سوار بن حمدون عام 889 م إلى اللجوء إلى القصبة وإصلاحها من المقاومة المدنية التي كانت تناهض الخلافة في قرطبة والتي كانت غرناطة لا تزال تابعة لها، ثم بدأ التوسع في هذا السياج وبدأ تعمير المكان وإن كان على خلاف ما عرف لاحقًا، حيث إن ملوك الزيريين الأوائل أقاموا فيما عرف لاحقًا باسم “البيازين“.
في القرن الحادي عشر، ضمت الحمراء إلى السياج المسور للمدينة، مما حولها إلى قلعة عسكرية تُحكم المدينة من داخلها
وفي القرن الثالث عشر وصل إلى الحكم محمد بن الأحمر أول الملوك النصريين، واتخذ من الحمراء مقرًّا للأسرة الحاكمة، ليبدأ بذلك العصر الذهبي للحمراء.
في البداية تم تعزيز الجزء القديم من القصبة، وتشييد برج الحراسة وبرج التكريم، وتم رفع المياه من نهر الدارو، وأنشئت المخازن والمستودعات، وبدأ بناء القصر والسياج المسور والذي استكمل بناءهم محمد الثاني (1273-1302م) ومحمد الثالث (1302-1309م)، كما ألحقا بالحمراء حمام عام والمسجد الذي أنشئت فوقه كنيسة سانتا ماريا الحالية.
ﻓﺎﻟﺤﻤﺭﺍﺀ أكثر من حصن وقصر معًا، إنها مدينة كاملة ومركز وقاعدة الدولة العربية الإسلامية (دولة بني نصر)، كما كانت مدينة الزهراء في مراكش قرطبة، والمدينة الزاهرة في قصبة الموحدين.
وقد احتوت إضافة إلى القصور الملكية على المصالح والمؤسسات الحكومية والإدارية ودار السكة وثكنات الحرس ودواوين أخرى ومجالس كبار الموظفين وكل ما يحتاج إليه الأتباع والحجاب والمراسلين، وما يحتاج إليه العامة من المصانع والحوانيت والحمامات والمسجد الكبير.
تنسب الغالبية العظمى من الإنشاءات التي أقيمت في الحمراء وما تزال قائمة إلى يومنا هذا إلى يوسف الأول (1333-1353م) ومحمد الخامس (1353-1391م) بدءًا من إصلاح القصبة، والقصور، ومرورًا بالتوسع الذي تم في السور المحيط بالقصر، وباب العدل، والتوسع في زخرفة الأبراج وإنشاء الحمامات وبهو قمارش وقاعة البركة، وانتهاءً بـباحة الأسود وملحقاتها أما عمن تلاهم من الملوك النصريين فلم يبق فعليًا ما يمكن نسبته إلى أحد منهم.
منذ عهد الملوك الكاثوليك وحتى وقتنا هذا يمكننا ملاحظة هدم جزء من المبان المعمارية بواسطة كارلوس الخامس وذلك لبناء القصر الذي يحمل اسمه، وتشييد غرف الإمبراطور ومتزين الملكة.
كذلك نلاحظ ما عاناه قصر الحمراء من إهمال ابتداءً من القرن الثامن عشر، كما تم إزالة جزء من القلعة أثناء الحكم الفرنسي، وحتى القرن التاسع عشر لم يُبدأ في إصلاح هذا الجزء ولا ترميمه وما زال على حاله إلى وقتنا هذا.
الفن المعماري بالحمراء:
يمكننا القول بأن الفن المعماري في الحمراء لا يعكس أي تأثر بالفن المعماري القرطبي المتمثل في مسجد قرطبة والذي سبق عهد الحمراء بتاريخ طويل، فقد استطاع أن يقدم لمسات خاصة في الفن المعماري الأندلسي، فنجد الأقواس الحدوية ذات الطُّنف (وهو إطار واسع مثلث تلتف فيه الأقواس)، والركنيات (وهي عروة مثلثية من الأقواس) بالإضافة إلى العناصر الخاصة كتيجان الأعمدة بالحمراء.
وقد ركز المعماريين في إنشاء قصر الحمراء على تغطية جميع المساحات مهما كانت صغيرة بالزخارف، على سبيل المثال تجد أن أغلبية الأقواس الداخلية ما هي إلا أشكال للزينة، ولا تُسهم في دعم أي شيء من البناء، كما أن الحوائط مغطاة بالخزف والجص، والزخرفة بديعة المنظر.
كانت النقوش التي تغطي هذه الحوائط عبارة عن إطارات من الخشب المشغول بأشكال بديعة… إلخ.
تنوعت عوامل الزينة في الحمراء، حيث انتشر استخدام الخطوط العربية القديمة وتبدو في كتابات مائلة بخط النسخ، والخط الكوفي؛ وبالإضافة إلى كلمات زاوي بن زيري (مؤسس سلالة بني الأحمر). فيمكننا قراءة ما يلي عليها: “ولا غالب إلا الله”.
إن العنصر الزخرفي الأكثر استعمالًا من قبل معماريي غرناطة هو فن الزخارف النباتية، بينما تظهر الزخارف المتشابكة وشباك الْمُعيَّن بشكل أقل.
كما يستخدم في الحمراء نوع خاص من الأعمدة التي لا توجد في أي مبنى آخر، فهو عمود ذو ساق أسطوانية دقيقة جدًا، وقاعدة ضخمة تتصدرها حلية معمارية كبيرة مجوفة، ومزينة بحلقات في الجزء العلوي منها، وينقسم تاج هذا العمود إلى جزئين، أولهما على شكل أسطواني تغطيه زخارف بسيطة، وفوقه منشور بزوايا دائرية ومزين بالزخارف النباتية.
أحد العناصر الزخرفية المثيرة للإعجاب في قصر الحمراء هو القبة ذات المقرنص، التي تتكون من فتحات متراكبة، ويتميز بها كل من قاعة بني سراج و قاعة الأختين.
مكونات الحمراء:
تمثل الحمراء مجموعة أثرية فريدة في إسبانيا فتاريخها المليء بالأساطير والتأويلات جعل من مجموعة آثار الحمراء وجنة العريف بمدينة غرناطة مرجعًا مهما للفن والأدب والموسيقا وكذلك السياحة العالمية، كما جعلها قبلة تهفو إليها النفوس الحساسة.
اعتمد اقتصاد العالم الإسلامي في القرون الوسطى على الزراعة بشكل أساسي. وكان لهذا أثره في الأندلس، فظهر نوع جديد من المناظر الطبيعية، فنجد تصميمات بديعة للحدائق، لذلك فقد مثلت حدائق الحمراء ذروة تراث طويل من الحدائق والمزارع ذات المناظر الطبيعية.
تشكل الحدائق نسيجًا تمتد فيه المباني والمنشآت في تناغم مع طبيعة الأرض ومع المتطلبات السكنية والدفاعية تبدو عناصر الخضرة حاضرة في كل مكان، سواءً في الأماكن الداخلية أو الخارجية، لإمتاع النظر وتعزيز المنحدرات، وتشكيل المناظر الطبيعية ولعمل خلفيات رائعة، وهكذا تلعب دور رئيس في دعم البنية العامة.
تمثل مجموعة الحمراء كتلة من المباني ذات البناء التحصيني والحدائق، وهي متقنة الصنع ومنشأة بشكل رائع ذي تركيبة مثيرة، فنجدها مغطاة بغطاء أخضر من النباتات الكثيفة التي تغطي جميع أنحاء سفوح التل.
تشكل مجموعة أسوار البيت الملكي القديم حجر الأساس والنواة الأولى للحمراء: فناء البركة، وفناء قمارش أو الريحان الذي يتوسط القاعات والغرف حيث أمضت الأسرة الحاكمة حياتها، وباحة الأسود التي تحتل مركز مقر الإقامة الخاص بالملوك.
قصور الحمراء:
لقد شيدت مباني الحمراء الأولى في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي- وقد خربت تلك القصور لتقوم محلها قصور الحمراء التي بناها بنو نصر، وهي الخالدة حتى يومنا هذا والتي نتحدث عنها.
كانت هناك مجموعة من مباني الحمراء تقع في الناحية الغربية ودمرت منذ زمن، وقد كشفت التنقيبات الآثرية منذ سنوات عن أسسها ويبدو منها فناء مربع تطل عليه عدة قاعات صغيرة إلى جانبها مسجد صغير،وتتبع المسجد ساحة كبيرة عرفت بساحة المطرقة، تحده شمالًا سقيفة تؤدي إلى ردهة كبيرة تقع في أعلى أحد الأبراج المتصلة بالسور المحيط بالحمراء، تلك هي مجموعة المباني المندثرة.
القصور الحالية تتألف من مجموعتين، شيدت كل مجموعة حول مساحتين على محاور عمودية كبرى، المجموعة الأولى تتجسد في دور القمارش (السفراء)، يسبقها بهو المشوار وساحة صغيرة، وقد قام السلطان يوسف الأول بتشييد هذا البناء.
أما المجموعة الثانية فهي قصر السباع الذي تتوسطه ساحة السباع، وقد شيده السلطان محمد الخامس، وهناك بعض الحمامات القديمة ومسجد يصل بين المجموعتين المذكورتين آنفًا واللتين شيدتا في القرن الرابع عشر.
ﺍﻟﻤﺸﻭﺭ
تم إنشاؤه ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ١٣٦٥ﻡ، كما تشهد أبيات شاعر الحمراء الوزير ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ابن زمرك الغرناطي، ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ الذي خصص ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺭ للموظفين الذين يعاونون الملك ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ شؤون الدولة.
لقد تغيرت سمات ﺍﻟﻤﺸﻭﺭ الرئيسية ولم يبق منها سوى بعض الزخارف الجصية وفسيفساؤه الرخامية، وفي شعار بني الأحمر بعض ما تبقى من النقوش العربية، وأهم ما تبقى من المشور قاعة كبرى وفيها نقش باسم السلطان محمد الغني بالله يتضمن أبيات الشعر.
ويوجد خلف ﻗﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﺸﻭﺭ مصلى يحتفظ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻭﻡ بمحرابة الرائع تتصدره ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
“أقبل على صلاتك ولا تكن من الغافلين”
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﻭﺭ توجد ﺍﻟﻘﺎﻋﺔ المذهبة نسبة ﺇﻟﻰ الزخارف ﺍﻟﻤﺫﻫﺒﺔ، المزدانة بها ﻭﻫﻨﺎﻙ ساحة ﺇﻟﻰ جنوبها تقع سقيفة ﻟﻬﺎ بابان، الأيسر يؤدي ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻋﺔ صغيرة تقود ﺇﻟﻰ ساحة الرياحين (ساحة ﺍﻟﺴﻔﺭﺍﺀ)، ﻭﺍﻟﺒﺎﺏ الأيمن يؤدي إلى المدخل الأساسي ﺍﻷﻭل ﻟﻠﻘﺼﺭ ﻭﻓﻭﻕ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺫﻱ الدفتين ﻁﺭﺍﺯ من الخشب الشعرية نقشت عليه.
حمام الحمراء:
لا يمكننا التحدث عن الحمراء دون الإشارة إلى “حمام الحمراء”، فهو من أروع الحمامات العربية.
“ ﻗﺎﻋﺔ الاستراحة” في الحمام -ويسميها الإسبان ﻗﺎﻋﺔ السريرين- تتألف من سريرين ﺃﻗﻴﻤﺎ بالطوب ﻓﻲ جانبي ﺍﻟﻘﺎﻋﺔ وكسيا بالقراميد ﺫﺍﺕ ﺍﻷﻟﻭﺍﻥ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻓﻲ ﺃﻋﻠﻰ هذين السريرين عقدان صغيران متجاوران يقومان ﻋﻠﻰ ثلاثة أعمدة غاية ﻓﻲ الدقة والرشاقة، اثنام منهما على الجانبين لصق الجدارين، والثالث في الوسط وأمام السريرين نافورة مياه.
هذه الردهة في العادة تكون استراحة ومجلسًا للسلطان قبل أن يمضي إلى الغرفة الدافئة، ويحتمل أن تكون مخلعًا للثياب، بعض هذه القاعات بقيت بنقوشها وأصباغها حتى وقتنا هذا.
تطل على القاعة الساخنة شرفات تستخدم كمجلس لفريق موسيقي يعزف الألحان بينما الأمير والأميرات يسترخون في هدوء.
يلي الاستراحة مباشرة “الغرفة الدافئة”، ويوجد فيها حوض كبير تتصل به أنابيب، جميعها تتصل من الناحية الأخرى بحجرات الوقود بطريقة فنية وتقنية عالية ومحكمة، كما يوجد أنابيب على شكل قناة مستقلة تنثر العطر في الجو.
الجزء الأخير من حمام الحمراء هو “الحجرة الساخنة”، يوجد بها حوض كبير تعلوة كوة في الجدار، وفيها فتحتان كانتا منبعًا للماء البارد والساخن.
احتوى التجويف التحتي للقاعة قنوات للوقود، وتعلو القاعة قبة ذات زجاج ملون مع بعض الفتحات لخروج البخار، وفي الكوة العليا للغرفة الساخنة نقشت قصيدة من ستة أبيات من نظم الوزير الشاعر ابن زمرك.
قاعة الأختين:
يقال أنها سميت بهذا الاسم لاحتواء أرضها على قطعتين متساويتين وفريدتين من الرخام.
تقع “قاعة الأختين” شرق فناء البركة، فيمكننا الوصول إليها من باب الفناء الشرقي من رواق معتم، يحيط بقاعة الأختين ﻋﺩﺓ شرفات تطلق ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺭﻓﺔ الرئيسية تسمية “ منظرة داراشا أو ليندراشا“، وتؤدي ﻗﺎﻋﺔ الأختين من بابها الجنوبي ﺇﻟﻰ رائعة من روائع ﻗﺼﻭﺭ ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ ﻭﻫﻭ بهو ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﺃﻭ ساحة ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ.
فناء الريحان
أقيم جزء منه على مبان قديمة، وانتُهي من بنائه في عهد السلطان يوسف الأول (1333 -1354م)؛ وعلى الرغم من بساطة بنائه، إلا أنه يقدم نموذجًا كاملًا للبيئة العربية الخالصة المتمثلة في الهندسة المعمارية.
تبلغ مساحة هذا الفناء 36,60م طولًا في 23,50م عرضًا، ويحيط به من جهة جانبيه الكبيرين مبنيان ذوا ارتفاع متواضع، بينما تحده من الجانبين الآخرين أروقة معمدة أنيقة، وتغلب على الواقع إلى جهة الشمال منهما كتلة برج قمارش الصلبة وبلوح مستطيل الشكل من الماء، مبلط بالرخام ومحاط بحواجز من الريحان التي تتخللها أشجار البرتقال.
يتجه نظر الزائر إلى الجناح الملكي، حيث كان يستقر عرش الملك، فمثلًا كان المحيط الذي يستمتع به أبو عبد الله الصغير هو: منظر الفلك الذي ترمز له الزخرفة متعددة الألوان التي تزين باطن القبة التي كانت تعلو عرشه.
كذلك المنظر البديع المتمثل في صفاء البركة التي كانت تنبسط تحت قدميه كأنها مرآة صُنعت من الماء، والتي كانت تنعكس على صفحتها زرقة السماء والخضرة الباعثة على الراحة لنبات الآس والريحان وكذلك حوائط الفناء المزينة بنقوش هندسية مستلهمة من صور طبيعية.
ويمتاز فناء الريحان بانسجام بديع بين هندسته المعمارية والماء والخضرة، ذلك الانسجام الذي يمثل أحد أهم الأساسات لأي حديقة جيدة، فبه نستطيع تحويلها بالفعل إلى جنة صغيرة تغذي الحواس.
“النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين”
“وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ”
أينما نظرت في زوايا ساحة الرياحين تجد الآية الكريمة والعبارة السابقة، تعتبر ساحة الرياحين من عجائب الحمراء، حيث تتوسطها بركة مستطيلة الشكل، وأحواض تحفها أشجار الريحان.
كما نقش على الأفريز الرخامي الأوسط للساحة قصيدة شعرية من إثنى عشر بيتًا، هذا مطلعها:
تبارك من ولاك أمر عباده فأولى بك الإسلام فضلًا وأنعما
ونقش فوق الأبيات الشعرية وتحتها عبارة: “لا غالب إلا الله”.
يؤدي باب ساحة الرياحين الشمالي إلى بهو صغير يسمئ بهو البركة، به قبلة زينب بنقوش قشبية، ويفضي بهو البركة من الناحية الشمالية إلى أعظم أبهاء الحمراء، بهو السفراء.
ﺇﻥ ﺃﺭﻭﻉ ما ﻓﻲ بهو ﺍﻟﺴﻔﺭﺍﺀ زخارف ﻗﻤﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ما زالت تحتفظ بنقوشها الأصلية، أما نقوش الجدران فمع جمالها ليست إلا تجديدًا مقلدًا لنقوشها القديمة.
يفضي بهو البركة من ناحيته اليمنى إلى فناء سفلي يعرف بفناء السرو الذي زرعت فيه بعض أشجار الشرو، وإلى جانبه يقع جناح الحمامات السلطانية العربية.
باحه الأسود (السباع)
باحة الأسود أمر ببنائها محمد الخامس في القرن الرابع عشر، وترجع تسميتها إلى النافورة الشهيرة ذات الحوض الرخامي والمدعومة باثني عشر أسًدا، والتي تتوسط الفناء ويوجد على حوض هذه النافورة نقش عربي جميل في مدح الحديقة التي كانت توجد في هذا المكان الساحر. ذلك الماء الذي ما أن يفيض إلا ويبدو كاللآلئ أو الفضة المذابة.
يقوم نظام هذه الباحة على فناء أوسط ذي بنية مستطيلة، يحيط بجوانبه الأربعة أروقة وبه ممرات وقاعات استقبال كبيرة وغرف مفتوحة على الجوانب الصغيرة، تبرز المقرنصات في باحة الأسود حيث يسيطر على تيجان الأعمدة والأقواس والأفاريز والقباب.
كانت باحة الأسود هي الجزء الأكثر ذاتية والمتبقي من البيت الملكي بالحمراء، حيث كانت حياة الملوك الخاصة.
مما لا شك فيه أن باحة الأسود كانت إحدى الحدائق المليئة بالخضرة في الحمراء، حيث كانت تنهض النافورة في منتصفها تجري مياهها في القنوات الرخامية الضيقة لتتخلل الغرف وموارد الماء، ثم تروي جذور هذه النباتات.
في هذه الباحة يبرز الماء كعنصر هام أكثر منه في بقية الفناءات، فالماء هنا هو منبع الحياة ورمزها.
يعتبر العامل المميز لباحة الأسود هو كونها منقسمة إلى محورين هو أحد العناصر المستلهمة من الهندسة المعمارية الفارسية، فبالقنوات ذات التخطيط المستقيم، والنافورات –الأنهار حسب وصف القرآن– والأجنحة والحديقة العمودية تمثل باحة الأسود النظام المتكامل للعالم، بمعنى آخر، جنة عدن، أو الفردوس.
جنة العريف
كان ابن زَمرك أبرز شعراء غرناطة في عهد محمد الخامس يطلق عليها “عرشالحمراء“، تظهر أول الإشارات التاريخية إلى “جنةالعريف“ في كتاب “الإحاطةبتاريخغرناطة“ على لسان الدين ابن الخطيب، والذي اعتبرها واحدة من بين سبعة عشر بستان تنتمي للتراث الملكي، وأشار إلى تميزها بكثافة أشجارها التي تحجب أشعة الشمس، كما أشاد بسحر وعذوبة مياهها ونقاء هوائها.
“جنة العريف“ من إنشاء ثاني سلاطين النصريين (بني الأحمر) السلطان محمد الثانى (1273 –1302م)، وقام بإعادة تشكيلها إسماعيل الأول سنة 1319م، وتقع جنة العريف أسفل مرتفَعٍ يُعرف باسم “ربوة الشمس“، ويفصلها عن الحمراء وادٍ ضيق.
صممت “جنة العريف“ في البداية لتكون حديقة وبستان في مؤسسة إسلامية، فموقعها شمال قصر الحمراء وفي مجابهة مزارع غرناطة يعد شكلًا آخر لذوبانها في الطبيعة التي سيطرت على مباني غرناطة الأندلسية.
حيث تتكون من أربعه بساتين، والتي ما تزال واحدة منها على الأقل باقية حتى اليوم، كانت هذه البساتين تمتد في شكل تدريجي مختلف المستويات تحت القصر، مما كان يضفي على الشكل العام روعة وإبداعًا.
كان منظر فناء الساقية التي تطل عليها يعتبر بلا شك الجوهرة الأكثر بروزًا وتمتد البساتين إلى “منحدر الصينيين“، الذي يأخذ شكل حوض بين هذه البساتين وبين سلسلة الجبال المتفرعة من الحمراء، تحيط بهذه البساتين أسوار تحتويها وتفصل بينها، وما زالت آثار بعض هذه الأسوار قائمة ويمكن معاينتها.
قصرجنةالعريف
كان لقصر جنة العريف في العصور الوسطى للأندلس على الأقل بابان خارجيان، أحدهما جهة منحدر الصينيين ليربط القصر بحصن الحمراء، وكان يقع الثاني في المكان المعروف حديثًا باسم المنبر (شكل 6).
ويعتبر فناء الساقية الإنشاء المعماري الأكثر شهرة في القصر، وهو عبارة عن مكان مسور مستطيل الشكل يمر بالمحور الكبير للساقية من خلال القناة الملكية، مما يجعله يبدو كبهو عائم.
كما ظهر في سنة 1959م آثار دوران مستدير صغير في المحور الأوسط للساقية والحديقة الأصلية، والتي كانت تنقسم إلى أربعة رياض مثمنة الشكل في المستوى الأدنى من الممشى.
حيث توجد في الأسوار التي تجري فوقها الساقية اثنتا عشرة قناة، سبع منها يحملن عناصر نصرية كانت تستخدم لأغراض الري، وقد تم تجديد كل ذلك في القرن التاسع عشر، بما في ذلك موارد المياه، مما جعل من الحديقة مكانًا عامًا.
كان بهو الساقية في الأصل ملتصقًا بالمنظر الطبيعي، ثم فُتح له ممرٌ ضيقٌ طويلٌ في الفترة المسيحية، ليصبح المنظر أكثر جمالًا.
وبداخل فناء القصر توجد قاعة الزخارف والتي يسبقها رواق معمد واسع به خمسة أقواس، أكبرها هو القوس الأوسط، وهو من أهم العناصر المميزة لفن النصريين (بنى الأحمر)، يربط بين المسكنين قوس ثُلاثي ذو أعمدة رفيعة وتيجان مقرنصة، كما أنهما يحتويا على قوالب من الجص والأسقف البديعة، وبخاصة سقف الممر المليء بنقوش الفواكه.
في بدايات القرن الرابع عشر أُضيف إلى القاعة برج مراقبة، يقوم على حوض نهر الـ “دارو“ ويطل على أجمل مناظر المدينة والبيازين وجبل ”ساكرومونتي“، كان للمبنى طابق علوي تم توسيعه من قبل الملوك الكاثوليك كما بنوا فوقه بعد ذلك ممرًا كبيرًا مفتوحًا مما أدى إلى مسح معالمه.
يمكن الدخول إلى أجزاء أخرى من القصر من خلال باب وسلم تم فتحهم في القاعة الزخرفية في العصر المسيحي، كل ما يلي هذا الباب قد خضع لتعديلات هائلة.
يوجد في فناء “سروالسلطانة“ ساحة لأساطير خيالية في العشق ذات طابع مختلف تمامًا عما هو معروف في إسبانيا الإسلامية، وتتوسط الفناء نافورة تحيط بها بركة مياه من ثلاث جهات وتمدها بالماء موارد مياه ترجع إلى العصر الزخرفي (البارروكو Barroco)، كما يفتح على الفناء رواق على شكل تكعيبة وله طابق علوي، ويرجع تاريخ إنشائه إلى ما بين عامي (1584 و1586م).
من الناحية الأخرى عند ما يعرف بباب الأسود وبارتقاء سلم حاد يمكننا الوصول إلى الحدائق العليا للقصر، والتي تم تعديلها أيضًا وفقًا للذوق الغربي.
عند حافة الجزء العلوي لفناء “سروالسلطانة“، نصل إلى بداية سلم الماء آخر بقايا الآثار الإسلامية في “جنةالعريف“. ومن خلال هذا السلم يمكن الصعود على ثلاث مراحل –كما كان يفعل السلطان– تحت قبة من النبِّ على كلا الجانبين؛ وفوق السور تجرى قناتان منفصلتان من المياه دائمة البرودة، والتي تنحدر من الساقية الملكية، ويخلق صوت مياهها جوا مناسب للتأمل والاسترخاء.
ينتهي السلم في الطابق العلوي من المبنى، حيث ثم إنشاء منظرة رومانية في القرن التاسع عشر؛ ويستحوذ هذا المكان على أحد أفضل المناظر في غرناطة.
ومن هذا المكان يمكننا النزول على سلم خشبي مغطى بتعريشة، وعند وصولنا إلى الحديقة السفلى يمكننا دخول المنظرة القائمة على فناء الساقية والتي تفضي أيضا إلى رؤية مناظر طبيعية.
بهو وحديقه اللندراخا
يقع بهواللندراخا متاخمًا للبناء الذي يحتوي على الغرف التي شيدت لإقامة الإمبراطور كارلوس الخامس، والتي سكنها فيما بعد “واشنطن إيرفينج“ لمدة من الوقت وتحديدًا في الأقسام التي كان يسكنها فيليب الخامس، و”إيسابيل دي فارنيسيو”.
فوق هذا البهو، لا تزال هذه الحديقة تحتفظ بطابعها القاتم والمتقشف، تشكل مجموعة أشجار السرو وبقية الأشجار غير المتناسقة المنتشرة في طابق البهو وفوق الأروقة المحيطة والنافورة، غربالا للضوء، مكتسبة صفة الحميمية الرصينة، والتي يزيدها كثافة صوت هدير الماء المنبعث من مورد المياه.
يمثل الضوء أيضًا هنا عاملًا أساسيًا، حيث يلقي ببريقه على صفحة المياه ويتألق على البهو ليتشعب في أناقة عبر الأجنحة حتى يصل إلى القاعات المجاورة، يساهم الضوء المتوسطي الشفاف بدرجة كبيرة في بريق المجموعة (مجموعة الحمراء)، كما يبرز جمال المنظر الطبيعي ألوانه البديعة.
ويقتصر التشجير فيه على أربعة أشجار جميلة من السرو، تنبت من بين ممر مرصوف بفسيفساء ريفية من الحصى، ومزين بحوض صغير ثماني الشكل يتوسط الفناء.
كما أن هناك مسكن من الخشب يتكون من طابقين، ومن خلاله يمكننا رؤية المنظر الطبيعي، ويعتبر هذا المسكن عنصرا إضافيا تم إلحاقه بهذا الفناء.
حدائق البارتال
تحتوي الحمراء أيضًا على العديد من المعالم الأخرى التي على الرغم من أنها أنشئت في عصور تالية، إلا أنها تعكس نفس خصائص البيئة التي أنشأها النصريون، ومن أهم هذه المعالم حدائق البارتال، والتي تمتد شرق مركز الحمراء على أرض مائلة، مشكِّلة حدائق معلقة تتبناها طبيعة شكل الأرض، ويعتبر البارتال أقدم المباني التي احتفظت بها الحمراء، وكانت البارتال منطقة مُشجرة ذات قصور بديعة.
تعكس بركة البارتال على صفحة مياهها الهادئة صورة أسدين من الرخام، يمثل هذا الحوض مع الحديقة المحيطة به جناحًا بديعًا تنعكس واجهته في مياه البركة، إنها الهندسة المعمارية المفتوحة تمامًا، حيث تبرز الأسقف الخشبية وزليج الغرف الداخلية.
يقول “تيبوس بوركاردت“ (Tibus Burckhart):
“إن المياه هي سر الحياة الكامنة في الحمراء، فهي تمنح الحدائق خضرتها الخصبة، والشجيرات روعتها وجمالها، وتنساب في البرك التي تنعكس عليها صور القاعات الأنيقة ذات الأروقة”.
أسوار وأبواب الحمراء
ﻗﺎﻡ محمد ﺍﻷﻭل ومحمد الثاني بتشييد الأسوار الخارجية، ﻭﻓﻲ ﻓﺘﺭﺓ ﺤﻜﻡ ﻴﻭﺴﻑ ﺍﻷﻭل (١٣٥٤–١٣٣٣ﻡ) (٨٥٥–٨٣٣ﻫ) شيدت أبراج ﻗﻤﺎﺭﺵ ﻭﺍﻟﻤﻁﺭﻗﺔ والقنديل، ﻭالأبواب الثلاثة الكبرى: باب الشريعة – باب الطباق – باب ﺍﻟﺴﻼﺡ، أما برج المتين فقد أتمه السلطان محمد الخامس وتم رسم نقوش عليها.
والأسوار الخارجية ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻬﺎ ممشي ﻟﻠﺤﺭﺱ ﻟﻪ ﺩﻭﺭﺓ تعلوها ﺍﻟﺸﺭﻓﺎﺕ، ﻭﻻ يخفي ﺃﻥ توزيع الأبراج ﻓﻲ الأسوار ﻏﻴﺭ متساو ﻓﻬﻲ مقامة عند مسافات مختلفة وتتوسط ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ بين برج وآخر قرابة ٥٠م، وعند هذا النشز الرائع تنتهي جبال سيرانيفادا ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎﻅﺭ ﺍﻟﺨﻼﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻁﺎﻟﻤﺎ تغني بها شعراء غرناطة من أمثال ابن الخطيب وابن زمرك ﻭﻏﻴﺭﻫﻤﺎ.
ﻟﻘﺩ أخذت الأسوار ﺍﻟﻤﺤﻴﻁﺔ بأعلى ﻫﻀﺒﺔ ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ شكلها النهائي ﻓﻲ منتصف ﺍﻟﻘﺭﻥ الثامن ﺍﻟﻬﺠﺭﻱ –ﺍﻟﺭﺍﺒﻊ ﻋﺸﺭ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ-، ﻭﻗﺩ شيدت وسائل للدفاع ﻋﻥ ﻗﺼﻭﺭ ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ ﺤﻴﺙ ﺒﻨﻴﺕ ﻗﻭﺍﻋﺩ ﺍﻟﻤﺩﺍﻓﻊ ﺨﻼل ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺨﺎﻤﺱ ﻋﺸﺭ، ﻭﻗﺩ ﺸﻴﺩﺕ ﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﺼﺎﻁﺏ –ﺍﻟﻘﻭﺍﻋﺩ– ﻋﻨﺩ ﺃﺴﻔل ﺍﻟﺒﻭﺍﺒﺎﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﻜﺒﺭﻯ، ﺇﻥ ﺜﻼﺜﺔ ﺃﺒﻭﺍﺏ ﻤﻥ ﺃﺒﻭﺍﺏ ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ تؤدي ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﻫﻲ: ﺍﻟﺸﺭﻴﻌﺔ، ﺍﻟﻁﺒﺎﻕ، ﻭﺍﻟﻘﻤﻡ ﺍﻟﻤﺴﻨﻨﺔ، أما باب ﺍﻟﺴﻼﺡ ﻓﻬﻭ ﻭﺤﺩﻩ ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺼل ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ ﺒﻤﺩﻴﻨﺔ ﻏﺭﻨﺎﻁﺔ.
لأبواب ﺍﻟﺤﻤﺭﺍﺀ نسبَا معمارية ضخمة من كتل المباني الحجرية، وتتضمن الدهاليز ﺍﻟﻤﻘﺒﺎﺓ ﺫﻭﺍﺕ الانثناءات ﻭﺍﻟﺘﻌﺭﺠﺎﺕ ﻭﺍﻻﻟﺘﻭﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺭﺓ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻘﺎﻁﻊ ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻷﺤﻴﺎﻥ.
وتعتبر من ﺃﺭﻗﻰ نماذج الأبواب ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ العسكرية، ﻭﺇﻥ ﻟﺒﺎﺏ الشريعة ﻋﻘﺩ جميل ودعامة ﻋﺎﻟﻴﺔ، أما الأبواب الأخرى ﻓﻼ تختلف كثيرًا عن معظم الأبواب ﺍﻟﻜﺒﺭﻯ ﺍﻟﺘﻲ شيدها الموحدون والمرينيون ﻓﻲ مراكش وﺍﻟﺘﺮﺍث ﺍﻟﻌـﺮﺑـﻲ ﻭﻻ سيما ﻋﻨﺩﻤﺎ يكون ﻟﻬﺎ برجان.
العصر العباسي
امتد تاريخ العمارة العباسية من عام (132هـ،750م) حتى سقوط بغداد بيد المغول عام (656هـ،1258م).
اهتم العباسيون خلال عهود قوتهم بالناحية العمرانية عناية واضحة، فأنشؤوا عددًا من المدن الجديدة برمتها، ولعلَّ أشهرها عاصمة الدولة بغداد ومن المدن الأخرى التي شيدها العباسيون سامراء والمتوكلية والرحبة في الجزيرة السورية وغيرها.
كما قام العباسيون بإنشاء شبكة واسعة من الطرق والجسور خصوصًا في العراق حاضرة الخلافة، وشيدوا المدارس والجامعات والمستشفيات والحمامات العامة في المدن الكبرى.
وقد ذكر المؤرخ ابن جبير أن في مدينة دمشق وحدها أكثر من مائة حمام، إضافة إلى التكايا التي تستضيف الفقراء والفنادق المخصصة باستقبال الغرباء عن المدينة.
كما قام العباسيون بتزويد الطرق العامة سواءً في المدن أو خارجها بصنابير المياه بحيث يستطيع عابر السبيل أن يرتوي من الطريق مباشرة.
تأثر فن العمارة العباسية بالعمارة العراقية القديمة خصوصًا الأشورية وكذلك العمارة الفارسية، ولعل تصميم بغداد بشكل دائري له أربع أبواب هو أحد أبرز أوجه التأثر بالعمارة الآشورية.
إذ إن المدن التي بناها المسلمون سابقًا إما مربعة كالقاهرة أو مستطيلة كالفسطاط، ومن العراق انتقل هذا النمط المعماري عن طريق الولاة والسلاطين إلى مصر وبلاد الشام.
في حين يشكل استعمال الآجر والطين لبناء القصور بدلًا من الحجارة أبرز تأثرات العمارة العباسية بالعمارة الفارسية خصوصًا خلال العهد الساساني.
أبرز مميزات العمارة العباسية وذلك على النحو التالي:
1- الاهتمام بالعمران وتأسيس المدن الجديدة (الهاشمية، بغداد، سامراء، الرافقة).
2- الاهتمام بعمارة المساجد والقصور والمدارس وغيرها.
3- التأثر بالعمارة الساسانية.
4- ظهور أهمية الإيوان.
5- استخدام الطوب والآجر بأنواعه في المباني العباسية وزخرفتها.
6- ظاهرة الامتداد الأفقي للمدن العباسية ومبانيها.
7- تبني العقود المدببة والاهتمام بعمارة القباب الجميلة المختلفة.
8- ظهور المئذنة المنعزلة عن كتلة مبنى الجامع في سامراء والقطائع.
9- غنى مباني العمارة العباسية بالزخارف الجصية والرسوم الجدارية.
10- جمالية المباني العباسية من طابق واحد بوجه عام.
11- وصول تأثير العمارة العباسية إلى أقطار شمال إفريقيا بوساطة أحمد بن طولون والأغالبة.
بناء المدن العباسية:
1- مدينهبغداد
عندما استلم “ أبوجعفرالمنصور“ الحكم (136–158)هـ بدأ يفتش عن مكان يبني عليه عاصمة جديدة، فتنقل بين المدن يدرسها ويتفحصها، ويناقش أهلها، وأخيرًا وقع اختياره على موقع “ بغداد“. للأسبابالتالية:
1- يمتاز موقع“ بغداد“ بحصانة عسكرية طبيعية، إذ يحميها من الشرق “ نهر دجلة “، ومن الغرب “نهر الفرات“، فهي تقع في المنطقة التي يقترب فيها النهران.
2- يعتبر موقعها مركزًا وسطًا بين الأقطار الإسلامية الشرقية والغربية، كما تحتل مكانًا وسطًا بين “البصرة“ و“الموصل“، أي بين الشمال والجنوب، وهذا يجعلها تكتسب أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية، إذ تقع على الطرق التجارية.
3-موقعها جيد من الناحية الطبيعية والمناخ، ومن ثم من الناحية الصحية، إذ تقع بين النهريين (دجلة و الفرات)، وفي منطقة سهلة منبسطة ترتفع قليلًا كلما اقتربت من وادي الفرات غربًا.
سمى الخليفة “ أبو جعفر المنصور“ عاصمته بــ“ مدينة السلام“ ولكن هذا الاسم ظل في الوثائق الرسمية، وغلب عليها اسم “بغداد“ لوجود قرية صغيرة بهذا الاسم “بغداد“ في الموقع الذي اختاره ليقيم عاصمته عليه.
قبل أن يبدأ “ المنصور“ ببناء المدينة، أمر بإحضار المهندسين، وأرباب المهن والصناعات من الأقطار الإسلامية المختلفة، فاجتمع إليه مئة ألف منهم (100000)، رسم المهندسون المخطط، واختاروا الشكل الدائري للمدينة، ربما توفيرW في نفقات الأسوار الدفاعية.
ثم أمر “المنصور“ بتنفيذ المخطط، فرسم بالمقياس الطبيعي على الموقع، واستخدموا الرمل في ذلك، تمامًا كما نفعل نحن حاليًا، ثم ركب “المنصور“ فرسه ومشى في شوارع المدينة، كما نصبت المشاعل في شوارع المدينة بالليل، ليرى “ المنصور“ منظر المدينة ليلًا، وبعدما تأكد من حسن التنظيم، أعطى موافقته لبدء البناء عام (145هـ).
قسم “المنصور“ المدينة إلى 4 أرباع، وعين للإشراف على بناء كل ربع مهندسًا ومساعدين، واختار “الحجاج بن أرطأة“ و “أبا حنيفة النعمان“ مشرفين عامين على الجميع، وقد بني في العام الأول قصر الخليفة ودواوين الدولة وقصور الأمراء والمسجد، ودور السكن، ثم أنجزت الأسوار في الأعوام الأخرى، وتم البناء عام (149هـ).
الوصف الهندسي لمدينة بغداد (مخطط مدينة بغداد):
المدينة مدورة تمامًا، طول محيطها الخارجي 10كم، ومساحتها تقارب 8 كم2، يحيط بها خندق يملأ بالماء لأسباب دفاعية، ويفصل هذا الخندق عن الفصيل الخارجي سور من اللبن، ويبلغ عرض الفصيل الخارجي 50 م، وهو خالٍ من البناء لأسباب دفاعية.
يلي الفصيل الخارجي سور ثانٍ يسمى بالسور الأعظم، إذ يبلغ سمكه عند الأساس 45 م، ويتناقص بالاتجاه للأعلى ليصل في القمة إلى 12م، ويبلغ ارتفاع السور 30 م.
دعم السور الأعظم 113 برجًا، يتوزعون بين المداخل الأربعة، 28 برجًا في كل ربع، و29 برجًا بين بابي “البصرة“ و“الكوفة“.
يلي السور الأعظم الفصيل الثاني وعرضه 150 م، وقد قسم إلى قطاعات شبه مستطيلة خصصت لسكنى الناس، وتفصل بينها شوارع فرعية، تصل بين الشارعين الدائريين حول السور الأعظم والسور الداخلي.
أما السور الثالث (الداخلي) فيفصل خطط الناس (الفصيل الثاني) عن الرحبة العظمى أو مركز المدينة.
في الرحبة العظمى بني قصر الخليفة وسمي “ قصر القبة الخضراء“ أو “ قصربابالذهب“ وهذا القصر عبارة عن بناء مربع طول ضلعه 200 م، وكان ارتفاع القبة الخضراء 35 م. يعلوها تمثال فارس يحمل رمحًا ويدور مع الريح، وفي عام 329 هـ سقطت قمة القبة، ثم سقطت القبة كلها عام 635 هـ. بسبب الفيضان، بني القصر بالآجر المشوي الجص.
جعل المسجد ملتصقًا بالقصر من الجهة الشمالية الغربية، وجعلت أعمدته من الخشب، ثم هدمه “هارون الرشيد“، وأعاد بناءه بالآجر والجص.
وبعدما نقل الخليفة “المعتمد على الله“ مركز الحكم من “سامراء“ إلى “بغداد“ ( عام 279هـ) ازداد عدد المصلين ولم يعد جامع “بغداد“ يتسع لهم، فوسع الخليفة “المعتضد بالله“ الجامع (عام280هـ ) بإضافة جزء من قصر الخليفة مساوٍ تقريبا للمسجد القديم، وجدد المحراب والمنبر والمقصورة.
ثم خرب المسجد و اندثر تمامًا عقب استيلاء الفرس على “ بغداد“ (عام1033هـ ).
أنشأت غربي القصر والمسجد دار الحرس وسقيفة الشرطة، وأحاطت قصور أولاد المنصور بالقصر والمسجد وأحاطت دواوين الحكومة بالجميع.
جعل لمدينة بغداد أربعة أبواب: هي “ باب الشام“ في الشمال الغربي، و“باب الكوفة“ في الجنوب الغربي، و“ باب البصرة“ في الجنوب الشرقي، و“ باب خراسان“ في الشمال الشرقي.
وجعل “ الباب الخارجي“ يؤدي إلى ممر منكسر لأسباب دفاعية، وفوق كل باب قبة عالية، يوصل الممر المنكسر إلى شارع رئيس تتخلله ثلاث أبواب في كل سور باب.
ومما سبق نجد مدينة المنصور بغداد تتميز بما يلي:
1- شكلها المستدير وجعلها بهيئة حلقات متتابعة تصغر كلما اقتربت من المركز ، ويشكل قصر الخليفة النقطة المركزية والمحورية فيه.
2- تحصينها القوي والمؤلف من خندق وثلاث أسوار.
3- جعل المداخل الأربعة ذات انحناءات وانكسارات ، ولكل منها عدة أبوب قبل أن تؤدي إلى مركز المدينة.
4- جعل خطط الناس بين السور الأعظم والسور المحيط بالقسم المركزي الذي دعي بالرحبة العظمى.
5- جعل الخطط ذات طابع هندسي تخترقها شوارع مستقيمة تؤدي إلى شوارع رئيسة تفصل بين الخطط و الأسوار.
ب– جامع سمراء ببغداد
يُعد جامع سامراء الكبير –الذي شيَّده الخليفة المتوكل على الله (232- 238هـ،846-852م)- من أجمل المنشآت المعمارية العباسية.
شُيِّد فوق أرض مستطيلة الشكل تبلغ أبعاده 260م ×180م، يرتكز مبناه على دعائم مثمنة الأضلاع، ويُحيط به من الخارج سورٌ تدعمه أبراج مستديرة، وذلك كما في جوامع المعسكرات.
وتقوم المئذنة الملوية خارج السور بشكل برج حلزوني يصعدون عليه من الخارج كالأبراج البابلية المعروفة باسم زيقورات، ويكفي لبيان أهمية هذا الجامع التذكير برأي بعض الباحثين أنَّه:
“يُمثِّل العمارة الدينية في العصر العباسي مسجد سامراء الكبير ومسجد أبي دلف“.
يتبوأ “ جامع سامراء“ مكانة متميزة بين مساجد العلم الإسلامي ذلك للأسباب التالية:
1- هو أكبر المساجد مساحة، إذ تبلغ مساحته 166944م2.
2- تمتد المساحة الأرض التي أقيم عليها متطاولة من الشمال إلى الجنوب، على عكس ما رأيناه من امتداد أرض الجوامع متطاولة من الشرق إلى الغرب، وإن كانت قبليته قد حافظت على هذه الميزة.
3- مئذنته “الملوية“ المتميزة بشكلها الحلزوني وارتفاعها الشاهق، وهي أول مئذنة بهذا الشكل وتعد من أقدم مآذن العراق التي ما زالت قائمة حتى الآن.
4- جعلت مئذنته الملوية بعيدة عن سياجه الخارجي ومنفصلة عنه.
الوصف الهندسي:
يتألف الجامع من قبلية وصحن تحيط به 3 أروقة. سقفت القبلية بسقف خشبي يستند إلى جسور خشبية تستند إلى الدعامات مباشرة، بدون أقواس، وقد جعل مقطع الدعامات مثمنًا وبنيت بالآجر وترتفع على أطرافها 4 أعمدة رخامية، ترتكز الدعامات مع الأعمدة على قواعد مربعة ضلعها 2 م.
يتألف كل من الرواقين الشرقي والغربي من 4 مجازات في كل منها 23 فتحة، أما الرواق الشمالي فيتألف من 3 مجازات في كل منها 17 فتحة، دعمت الجدران الخارجية للجامع بدعامات دائرية وقد بنيت جدران الجامع من الآجر.
فتحت بجدار القبلية في “جامع سامراء“ 24 نافذة القوس الخارجي لكل منها مستقيمًا، أما من الداخل فجعل القوس ثلاثي الفصوص يرتكز على عمودين مدمجين بالجدار.
تقع المئذنة خارج المسجد وتبعد عن جداره الشمالي الخارجي 27.20م وهي متمحورة مع المحراب تتكون من قاعدة مربعة طول ضلعها 31.18م، فوقها قاعدة ثانية طول ضلعها 30.50 م، يبلغ ارتفاع القاعدتين عن الأرض 4.20 م، وتزدان أوجه القاعدة بحنايا، أقواسها مدببة، وعددها 9 حنايا في كل من الجهات الشمالية والشرقية والغربية و 7حنايا في الجهة الجنوبية.
بدن المئذنة الذي يبلغ ارتفاعه فوق القاعدة 50 م، فريد في ارتفاعه، وقد قسم البدن إلى 6 أسطوانات متدرجة متناسقة، مصمتة من الداخل.
يدور حول المئذنة من الخارج سلم بعكس اتجاه عقارب الساعة حتى يصل إلى القمة التي يبلغ قطرها 3 م. ويزين النصف العلوي منها 8 حنايا متجاورة، أقواسها مدببة، ترتكز على أعمدة مندمجة في الجدران وتشكل إحدى الحنايا مدخلا لدرج يدور ضمن القسم العلوي من المئذنة.
ج– جامع احمد بن طولون
شيَّد أحمد بن طولون جامعه في مدينة القطائع في مصر عام (264-266هـ،877-879م) على طراز جامع سامراء الكبير، وحرص أن يكون مبناه مرآةً لرخاء البلاد في عهده، فاختار موقعه على جبل يشكر وسط عاصمته القطائع، وعهد بمهمَّة عمارته إلى مهندسٍ من العراق.
يتألَّف هذا الجامع من صحنٍ مربع مكشوف طول ضلعه 92م، وتبلغ مساحته 8487م2، وتُحيط به أروقة من جهاته الأربع، وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وقد شُيِّد بالآجر الأحمر الداكن، وتقوم أقواس الأروقة فيه على دعائم ضخمة من الآجر المغطَّى بطبقةٍ سميكةٍ من الجص.
يتميَّز هذا الجامع بمئذنته في الرواق الخارجي الغربي المبنيَّة من الحجر، وتتكوَّن من قاعدةٍ مربَّعةٍ عليها طبقة أسطوانية فوقها طبقة مثمنة، ودرجها من الخارج على شكل مدرَّجٍ حلزوني، كما في المسجد الكبير في سامراء ومسجد أبي دلف في سامراء، وفيه منبر خشبي جميل.
ثلاثة عناصر أساسية ميزت جامع أحمد بن طولون أكبر مساجد مصر عندما أمر بإنشاء هذا الجامع الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر، هذه العناصر هي:
– بناؤه على جبل يشكر بن جديلة والذي ينتسب إلى تلك القبيلة العربية التي شيدت خطتها عليه عند الفتح العربي الإسلامي لمصر.
حيث منح بقعة عالية تشرف على المدينة من أعلى، كما قيل إن موسى عليه السلام ناجى ربه من على قمة هذه البقعة الشاهقة.
– فيما يتمثل العنصر الثاني في تميز جامع أحمد بن طولون في طلب ابن طولون المهندس الذي شيد الجامع أن يشيد له مسجدًا جامعًا لا تأتي عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان.
فإن احترقت مصر بقي وإن غرقت بقي، فيما ذكر المقريزي أن الجبل كان يشرف على النيل وليس بينه وبين النيل شيء ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس رغبة ابن طولون، وبنى الجامع من الآجر (الحجر) الأحمر، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، بل لم يدخل في بنائه أعمدة من الرخام، سوى عمودي القبلة لأن أساطين (أعمدة) الرخام لا صبر لها على النار.
– أما العنصر الثالث الذي يميز الجامع هو ذلك الجمال المعماري الطاغي الذي يجعل منه أحد أهم شواهد عصر من عصور مصر الرائعة حيث تجاوز في أوقات كثيرة دوره الديني إلى دور تنويري يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد.
تخطيط جامع بن طولون يتبع النظام التقليدي للمساجد الجامعة المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنه ينفرد بمئذنة فريدة تعد من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وتكاد تكون الوحيدة في العالم الآن على هذا الشكل بعد أن تداعت توأمتها في سامراء ببغداد مؤخرًا أثناء القصف الأميركي للمدينة، ويقول المقريزي أن ابن طولون بنى منارة هذا الجامع على صفة جامع منارة سامراء.
وعلى الرغم من أن جامع أحمد بن طولون يتربع على ربوة صخرية، إلا أن تخطيطه يتفق مع النظام التقليدي السائد للمساجد الجامعة المكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات، أكبرها ظلة القبلة، وإن كان ينفرد عن جميع الجوامع السابقة له بمصر بوجود سور خارجي بنفس ارتفاع حوائط المسجد يليه مساحة سماوية (زيادة) تتقدم المسجد من جهاته الثلاث الشمالية الشرقية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية.
تبلغ مساحة الجامع مع الزيادات نحو ستة أفدنة وهي على هيئة مربع طول ضلعه 162 مترًا ويشترك جامع بن طولون مع جامعي سامراء وسوسة في وجود زيادات، باعتبارها أسلوبًا هندسيًا، استخدمه المعماري للصعود المتدرج الغرض منه التحضير النفسي لدخول الجامع، وفصل المصلى عن العالم الخارجي بما فيه من ضوضاء وتوفير السكينة والطمأنينة لأداء المناسك، وهذه الزيادات ترتفع برواد المسجد من مستوى شوارع المدينة إلى جبل يشكر حيث شيد المسجد.
تعد مئذنة جامع أحمد بن طولون من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وقد شيدت بالزيادة الشمالية الغربية إلى الشرق قليلًا من محور المسجد، وتتكون من قاعدة مربعة التخطيط ويعلوها منطقة متوسطة اسطوانية التخطيط، يجري حولها من الخارج درج سلم صاعد، موصل إلى المنطقة العلوية التي تتكون من مثمنين العلوي أصغر من السفلي، وفي قمة المئذنة توجد طاقية مضلعة على شكل مبخرة.
ويتجلى الأسلوب المعماري المحلي في مصر في شكل الجوسق المثمن الذي ينتهي به المئذنة من أعلاها. وعلى الرغم من أن مئذنة الجامع تشترك مع مئذنة جامع سامراء في الشكل الأسطواني، إلا أن الجوسق والمبخرة التي تعلوها جاءت وفق الأسلوب السائد في مصر منذ أواخر العصر الأيوبي وطوال الفترة المبكرة من العصر المملوكي،
ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض (40,44م) فيما يربط المئذنة بحائط المسجد الشمالي الغربي قنطرة على عقدين من نوع حدوة الفرس. وقد ذكر المقريزي وابن دقماق أن المنارة كان عليها عشاري، وهي على شكل سفينة من البرونز تملأ بالحبوب كطعام للطيور وقد سقطت في (1105هـ / 1693م).
وعلى الرغم من الزلازل التي ضربت مصر على مدار تاريخها الطويل، وخاصة زلزال 702هـ الذي أطاح برؤوس المآذن، إلا أن مئذنة جامع أحمد بن طولون ما زالت صامدة، وإن كانت بعض الآراء والنظريات التي تناولت تاريخ هذه المئذنة، تذهب إلى أنه أعيد بناؤها ثلاث مرات، وحجتهم في ذلك أن المئذنة جمعت في تكوينها بين الفكرة العراقية للسلم الخارجي، وبين أساليب مغربية أندلسية منتشرة في وقت بنائها في أواخر القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي.
ويبلغ عدد مداخل جامع بن طولون 19 مدخلًا، إلا أن المدخل الرئيس حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون، حيث يوجد أعلاه لوحة تجديد ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، أما جاير أندرسون فهو الإنجليزي الذي عاش وعمل بالقاهرة في القرن التاسع عشر وعشق الآثار الإسلامية أوصى بأن يتحول منزله إلى متحف شاهدًا على عظمة العمارة العربية.
وإذا كان المؤرخون والباحثون قد اختلفوا في تحديد تاريخ بدء بناء المسجد والفراغ منه، فقد ذكر المقريزي أنه ابتدأ في بناء المسجد سنة 263هـ وفرغ منه في سنة 265ه، بينما ذكر عبد الله بن عبد الظاهر: أن الانتهاء من بناء المسجد بعد تاريخ المقريزي بعام.
المصادر:
1- فجر الأندلس – حسين مؤنس
2- الأندلس التاريخ والحضارة والمحنة – محمد عبده حتاملة 3- دولة الإسلام فى الأندلس – محمد عبد الله عنان.
3- احمد السماواى – رجله الى بلاد الاندلس، دار الفكر بدمشق، ص 141. 2- التاريخ الأندلسى من الفتح الإسلامى حتى سقوط غرناطة – الدكتور عبد الرحمن على الحجى
4- ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺪوﻻﺗﻲ–ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﻃﺒﺔ وﻗﺼﺮ اﻟﺤﻤﺮاء –اﻟﻘﺎهرة.
5- عبد الحكيم الذنون، افاق غرناطه، دار المعرفه بدمشق، ص88-107
6- تاريخ الإسلام في الأندلس، من الفتح العربي حتى سقوط الخلافة – علي الشطاط
7- ﻳﻮﺳــــﻒ ﻓﺮﺣــــﺎت –ﻏﺮﻧﺎﻃــــﺔ فى ﻇــــﻞ بنى ﺍﻷﺣﻤــــﺮ، دار الﺠﻴــــﻞ، ﺑــــﺮوت، 1993م.
1- علي أدهم: أبو جعفر المنصور، سلسلة أعلام العرب (82) (دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1969م).
2- دافيد تالبوت رايس: الفن الإسلامي، ترجمة منير صلاحي الأصبحي (مطبعة جامعة دمشق، 1397هـ=1977م).
3- Dr.Tahir Muthafar Al Ameed …abbasid architectur in samarra. ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺳﺎﻣﺮﺍء ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻃﺎﻫﺮ ﻣﻈﻔﺮ ﺍﻟﻌﻤﻴﺪ
4- Richard J.H. Grottheil The Origin History of the Minaret 1910.
5- Gertrde Margret Lowthian Bell Amurath to Amurath.