هل تُجْدِي لائحةُ العقوباتِ الجديدةُ مع الطلبةِ في مدارس مصر؟
ما بين مؤيدٍ ومعارضٍ لمنع الضَّرب في المدارس المصرية، وضعَتْ وزارةُ التربية والتعليم في مصر لائحةَ انضباطِ مدرِسيٍّ “إيجابية” على حَدِّ وصفها، ضمت هذه اللائحة جزءًا خاصًّا بالعقوبات البديلة للضرب، التي تقوم بها إدارة المدرسة عقابًا للطالب الذي يقوم بأي مخالفة.
ويرى معلمون أن الضربَ بوصفه وسيلةً عقابٍ لا يُقصد به الضربُ المبرِّح أو العنيف القاسي، لكن يقصدُ به الضربُ التأديبي الرادع الذي لا يضر الطالب بَدَنِيًّا أو نفسيًّا، إلا أن مَنْعَهَ تمامًا أدَّى لجرأة الطلبة على معلميهم، فيما يرون أن لائحة الانضباط المدرسي أو العقوبات الجديدة مجردُ “حِبْرٍ على وَرَقٍ”، وهذا ما ستعنى به شبكة زدني في تحقيقها.
لائحة العقوبات الجديدة
بدأَتْ وزارة التربية والتعليم تطبيقَ لائحةِ الانضباطِ المدرسيِّ رسميًّا بدايةَ العامِ الدراسي 2016، التي تحدد حقوق الطالب والمعلم وواجباتهما، وتضمن العقوبات فصل الطالب يومًا واحدًا، وتصل إلى عامٍ دراسيٍّ في حال التعدي على المعلم، بينما جاءت أقصى عقوبة، الفصل النهائي في حال تَكراره إهانةَ العَلَم ورموز الدولة.
واعتمدت الوزارة في لائحتها على وَضْعِ أكثرَ مِن عقوبةٍ للمخالفة التي يقوم بها الطالب في حال تَكرارها، فعلى سبيل المثال نَصَّتْ على أنه إذا أساء الطالب الأدب مع أعضاء هيئة التدريس أو العاملين بالمدرسة فيتم عقابه من خلال ثلاث مراحل.
وتمر مراحل العقوبات الثلاث بالتوجيه والإرشاد أوَّلًا، وأخْذِ تَعَهُّدٍ كتابيٍّ وإبلاغ وليِّ أمره مع تقديمه اعتذارًا، وأخْذِ تعهد كتابيٍّ على الطالب ووليِّ أمره مع توقيف الطالب عن الدراسة من يوم واحد إلى ثلاثة أيام مع تقديم اعتذار.
وفي حال تَكرار المخالفة نفسها تتم دراسةُ حالةِ الطالب من قبل الأخصائي الاجتماعي ومجلس إدارة المدرسة مع توقيف الطالب من 3 إلى 5 أيام، وأخذ تعهد على الطالب وولي أمره.
وإن كررها للمرة الثالثة، يعاقب الطالب حال تَكرار تعديه على المعلم بوقف الطالب عن الدراسة لمدة فصل دراسي كامل، وتستخدم هذه العقوبات أيضًا في حالة قام الطالب بسرقة زملائه أو معلميه، وكذلك في حال ارتكابه سلوكًا عدوانيًّا عنيفًا.
كما نصَّتْ اللائحة على أنه حال ارتكاب الطالب تصرفاتٍ سلوكيةً غيرَ مألوفةٍ مثل التمرد أو المشاجرة أو سلوك العصابات “يعاقَب في المرة الأولى بإنذار وتعهُّد مُوَقَّع من ولي الأمر، والثانية استدعاء وليِّ الأمر وفي حالة ارتكابه للمرة الثالثة يوقف الطالب عن الدراسة عددًا من الأيام حسَبَ قرار الإدارة، وعدم تجديد التسجيل للطالب في الأعوام الدراسية المقبلة”.
وفي حال قيام الطالب بالمساس برموز الدولة والسيادة الوطنية، كتحريض ضد رموز الدولة أو التعدي على العَلَم وعدم احترامه، يتم إيقاف الطالب عن الدراسة مدةَ فصلٍ دراسيٍّ وتقديم امتحانات نهاية الفصل، وفي المرة الثانية يتم وقفه عن الدراسة لمدة عام كامل، وحرمانُه من دخول الامتحانات، وفي حال تكرار المخالفة، يحرم الطالب من البعثات الخارجية من قبل الوزارة مع فَصْلِه من التعليم.
وتتم معاقبة الطالب الذي يقوم بالهروب من المدرسة، بوقَفْه عن الدراسة من يوم إلى 3 أيام مع أخذ تعهُّد على الطالب وولي أمره، وفي المرة الثانية إذا ارتكب الطالب الجريمة نفسها ينظر مجلس إدارة المدرسة في حالة الطالب لفصله لمدة 15 يومًا، وفي حال تَكرار الواقعة يتم فصل الطالب نهائيًّا وإبلاغ الإدارة التعليمية.
مراعاة الحالة العمرية
تؤكد مي أحمد وهي مختصة نفسية بإحدى المدارس الإعدادية، أنه يجب مراعاة الحالة العُمرية في أثناء تطبيق لائحة الانضباط المدرسي، فما يصلح لطالب الابتدائي لا يصلح لطالب الثانوي، مشدِّدَةً على ضرورة التعامل بسياسة مع الطالب والتدرج في العقوبة حال تَكراره مخالفة بعينها.
وتُضيفُ في حديثها لشبكة زدني: “من الضروري التزام المعلم بتقديم تقرير إلى مدير المدرسة بشأن السلوك غير المقبول من الطالب، مع تقديم تقرير في حالة اشتراك الطالب في أي سلوك سيءٍ عبر الإنترنت أو تأثره بذلك في أثناء الحصة، كما يجب على المعلم مصادرة أي سلاح يحضره الطالب للمدرسة، وتسليمه لمديرها وتطبيق العقوبة اللازمة عليه”.
وشددت مي أحمد على: “الدور الْمُهِمِّ للمختص النفسي والاجتماعي الذي تتناساه إدارة المدرسة والوزارة، حيث توجد مدارس بلا مختص يتابع حالات الطلبة” متابِعَةً: “إن دور المختص الاستماع للطلبة وحل مشاكلهم التي تؤثر بالتحسن على سلوكهم داخل المدرسة وخارجها في التعامل مع مَن حوله.
أنواع المخالفات
وقالت عائشة علي وكيلة مدرسة بإحدى محافظات مصر: ” تم تقسيم المخالفات بحسب اللائحة إلى ثلاث أنواع (بسيطة – متوسطة – جسمية) مشيرة إلى أن النوع الأول من المخالفات يتكون من خمس مخالفات، تتنوع بين تأخر الطالب بدون عذر، وتأخر الطالب عن دخول الحصة، مرورًا بالغياب عن بعض الحصص أو الغياب الكامل، أو تقصير الطالب في التحصيل الأكاديمي، حيث حددت الوزارة وفقًا للائحة ثلاثة مستويات من التعامل مع تلك المخالفات.”
وأضافت لشبكة زدني أن: “النوع الثاني من المخالفات يتمثل في الهروب من المدرسة في أثناء اليوم الدراسي والإضرار بالبيئة المدرسية، أو اضطرابات السلوك مثل القيام بسلوك غير سَوِي يُعرقل سير عملية التعليم والتعلم مثل إثارة الفوضى، والمشاغبة داخل قاعات المدرسة، أو خارج ساحات المدرسة.”
فيما أشارت عائشة علي إلى أن: “النوع الثالث من المخالفات يتمثل في سبع مخالفات، وهى السلوك العنيف والعدواني مع الطلبة، والسرقة واستيلاء الطالب على ممتلكات الغير، وإساءة الأدب مع أحد المعلمين، والغش في الامتحانات، والمساس بالسيادة الوطنية، بالإضافة إلى الانحرافات الأخلاقية أو التصرفات الأخلاقية غير المقبولة.
العقاب الإيجابي .. هل يُجْدِي؟
وبحسَب وزارة التربية والتعليم فإن العقاب الإيجابي هو البديل للضرب، وهو نوع من العقاب، يعتمد على عقاب الطالب لنفسه، مثل “إذا تلفظ طالب بألفاظ غير لائقة أو تحدث بصوت عال يتم عقابه مثلًا بكتابة جملة (لن أصرخ بصوت عال مرة أخرى) 200 مرة كواجب مدرسي، وإذا رمى ورقة على الأرض يقوم بكتابة جملة (سأحافظ على نظافة فصلي) 300 مرة، وهكذا…
ويقول سيد محمد وهو مدرس لغة إنجليزية: “إن نظام العقوبة الإيجابية جيد جدًّا، لكنه يناسب مرحلة الابتدائي والصف الأول الإعدادي مثلًا، ولن يناسب على الإطلاق طالبًا في المرحلة الثانوية، أو طالبًا يمر بمرحلة المراهقة.”
ويتابع قائلًا لشبكة زدني: “إنه يتعين على الوزارة تحديد عقوبات أشد غلظة على طلاب المرحلة الثانوية والإعدادية، خصوصًا حالَ تعدِّيهم على معلمتهم أو معلمهم بشكل فجٍّ، فلن تجدي معهم عقوبة كتابة جملة 300 مرة.”
ويشير سيد محمد إلى أن: “الوزارة منعَتْ عقاب الضرب التربوي عن الطلاب، لكنها في المقابل لم تحمِ المعلم من جرأة الطلاب عليه، واستغلالهم منع الضرب، وقد قام أحد الطلاب في المرحلة الثانوية بفتح حقيبة معلمته والسخرية مما فيها، وعندما قامت بنهره وتخويفه بالعصَا حتى يترك الحقيبة، أخذ العصا منها وضربها على ذراعها!”
ويؤكد سيد محمد على أن: “استهتار الوزارة بحقوق المعلمين، إضافة لوضع عقوبات لا تناسب المراحل العمرية جَرَّأ الطلاب علينا، فكل ما قامت به إدارة المدرسة تجاه الطالب المعتدي على معلمته أن كتبته تعهد عدم تعدٍّ! على الجانب الآخر لو قام معلم بتخويف طالب بالعصا أو ضربه بشكل تأديبي يتم تحويله فورًا للشؤون القانونية، وقد يحال الأمر للنيابة العامة لمحاكمته جنائيًا!”
حبر على ورق
“حبر على ورق” هكذا وصف معلمون يعملون بعدة مدارس لائحة الانضباط المدرسي، لعدم تنفيذها بشكل صحيح في المدارس، أو لعدم تنفيذها أصلًا لعدم وجود طلاب يحضرون للمدرسة أو معلمون يقومون بالعملية التعليمية.
وقال إسماعيل صادق وهو معلم: “إن الوزارة عندما قامت بوضع بنود العقوبات كان من الضروري أن تلجأ للمعلمين؛ لمناقشتهم البنود قبل وضعها، وسماع آرائهم، لكن هذا لم يحدث.”
وأضاف أيضًا في حديثه الخاص لشبكة زدني: “تجاهلت الوزارة الأسباب الرئيسة للعنف داخل المدارس، ولم تُعِرِ اهتمامًا لثقافة العنف من أولياء الأمور تجاه للمعلمين، ولم تعالج أزمة العنف داخل المدارس.”
وأكد إسماعيل صادق: “أنه في ظل تكدس الفصول بالطلاب، إضافة إلى أن المناخ العام للمدارس المصرية أصبح ضعيفًا، أعطى الطالب الحق في ممارسة العنف بجميع أنواعه، ولن يجدي العقاب الإيجابي مع طالب إعدادي أو ثانوي، ولا نعلم كيف تم وضع مث هذه العقوبة لطالب في الصف الثانوي!”.
وقال: “إن اللائحة تحمل كثيرًا من البنود الظالمة للمعلم، منها مساواة الطالب بالمعلم في العقاب عند تعدي أحدهما على الآخر في الفصل بعد الاعتداء للمرة الثانية، فمن الجنون السماح لطالب بالاعتداء على المعلم من المرة الأولى وفصله من المرة الثانية.”
لائحة عشوائية
وقالت هند معوض وهي مدرِّسَة رياضيات: “إنه للأسف يغيب عن لائحة وزارة التربية والتعليم وضوح الهدف، ويبدو فيها العشوائية والتخبط، وهي لا تؤدي لانضباط العملية التعليمية.”
وأضافت لشبكة زدني: “للأسف مع منع الضرب وغياب وسائل العقاب الأخرى جعلت اللائحةُ الطالبَ في بعض الأحيان يتجاوز في حديثه مع معلمه لغياب وسيلة عقاب رادعة.”
ولفتت إلى أن: “العقاب قد يكون بالخصام والتجاهل والحرمان من الفسحة ونقص بعض الدرجات للابتدائي والإعدادي، وباستدعاء ولي الأمر أو الفصل يومين من المدرسة لطالب الثانوي.”
فيما يرى أحمد إسماعيل وهو مدير مدرسة ابتدائية: “أن الضرب وسيلة تأديب، ولكن بحدود دون إفراط، مشيرًا إلى أن الطلاب وأولياء الأمور استغلوا هذا في مقاضاة المعلم ووصل الحال به (المعلم) إلى أنه سُجِنَ بسبب الضرب، كذلك أساء أولياء الأمور إلى المعلم في طريقة التعامل، ووصل الحال بالمعلم إلى أنه يتم سَبُّه ولَعْنُه وفي بعض الأحيان يُضرَب.”
وأضاف في حديثه لشبكة زدني: “إن اللائحة بها الكثير من القصور، وتم إخبار المدارس بها بالفعل لكنها لم تطبق، ولو تم تنفيذها بدقة سيكون الحال أفضل نوعًا ما.”
وقال: “إن من المخالفات الخارجة التي واجهته لأحد الطلاب في الصف الثالث الابتدائي، قيام الطالب بإمساك زميلة له في الفصل، وقام (بخلع بنطلونها) قائلًا لها (يلا نعمل زي ماما وبابا) وأُخِذَ الطالب، واستدعُيَ أولياء الأمور وتُحُدُّث معهم.”
وتابع أنه: “تم اكتشاف أن الطالب يعيش هو ووالده ووالدته وإخوته في غرفة واحدة، وبالطبع يرى ما يحدث بين والده ووالدته من علاقة خاصة! ولأنه طفل أراد تجربة ذلك مع زميلته، فكيف ستعاقبه المدرسة وهو يرى والديه كذلك، فتم الحديث معه، ومع والديه، وتم تدارك الأمر.