هل جاءت الجامعة بما يفي بمتطلبات المجتمع وحاجته؟ عظماء بلا مدارس
في مجتمع يقف فيه مدرِّس الفصل طالبًا من تلامذته أن يفتحوا الكتاب، ثم يقول فيهم جملته المشهورة التي تُسكرهم كما لم يُسكرْهم حبُّ أي فتاة: “اشطبوا معايا على اللي هيجي في الامتحان“، وثمة طلابٌ يظنون ظن السَّوْء أن شخصًا ما يحررهم من بعض المسؤوليات بلا أي مقابل، يمنحهم لقاء كل مللي يمحونه أميالًا من السعادة.
لذا كان لزامًا عليك أن تعلم يا صديقي –أعزك الله– أنما أنت في الحقيقة معلمٌ قبل أن تكون متعلم، فهناك في “مدرسة الحياة“ أنت وحدك فقط سند ذاتك العزيزة، هناك يا عزيزي لا مناهج ولا مقررات، لا صفوف ولا زيَّ رسميًّا، فوجبتك الغذائية وقتما تشاء وأينما تشاء. يا للوقاحة! ثروة تعليمية انقلبت تحت مسمى المدارس النظامية، ومنظومة تعاونية تكافلية باتت مستبدة.. أي بلاء!
التَّخَلُّف بالشدة المثقلة –على التاء واللام– ثقلًا استراتيجيًّا في أدمغة شعوبنا العربية.. إلى متى؟!
كفانا.. دعونا نقول في صوت واحد:
“Welcome to you in creative world”
قبل أن نبدأ أعيد دعوة صديقي “عبد الوهاب عثمان“ التي بدأها فأدعوا مجددًا السادة الذين يتمتعون اليوم بالألقاب العلمية أن يتصوروا معرفتهم يوم تسلمهم للشهادة وأن يقارنوها بمعرفتهم التي تكونت اليوم بعد سنين، أو أدعوا صديقي المهندس الذي تخرج وسمونه “فريش“ كعصير المانجو المسكر أن ينظر إلى حاله حال تخرجه وحاله اليوم. أو أدعوهم جميعًا لأسألهم عن الحياة وكيف غدت بعد أن أسكرتهم جملة ذلك الأستاذ.
يورد كاتبنا الجميل في كتابه “عظماء بلا مدارس“ ورده فيقنع ويمتع:
إن القول بأن الجامعات سدَّت من حاجة المجتمعات من الأيادي العاملة هو قول صحيح، ولكن ليس بالطريقة التي نعتقدها، وليس بالضرورة أن نقف عنده. وإلَّا فلماذا إذن نطالب بتغيير طرق التعليم ومفاهيمه ومنهجيته المتبوعة في المدارس التقليدية وفي الجامعة؟ ولإيضاح ما تصبو إليه أفكاري.. وددت أن أورد هذه النقاط:
أثبتت الدراسات أن نسبة 80% من خريجي الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية يعملون في مجالات لا علاقة لها بتخصصاتهم، وذلك بعد عشر سنوات من تخرجهم. ترى ماذا يعني هذا؟ تعني هذه المعلومة عدة أمور؛ فلعل منها:
1- أن تلك النسبة 80% من مخصصات التعليم العالي في الولايات المتحدة فقط تذهب هدرًا.
2- أن نسبة 80% من الشباب الأمريكي لا يعرفون حقيقة مواهبهم الفطرية.
3- أن هناك 10 سنوات يضيعها خريجو الجامعات الأمريكيون دون إظهار مواهبهم وملكاتهم الإبداعية.
إذن بالمرة فالجامعات لم تسد حاجة المجتمعات من الأيادي العاملة. أما إذا كان هذا يحدث في بلد شديد التقدم “كالولايات المتحدة“ التي تمارس ما تمارسه المؤسسات في بلداننا لكن بشكل آخر من خلال وسائل أخرى أكثر حداثة كتجهيزات المعامل، ووسائل البحث العلمي، والطور التقني فما هي الحال بالنسبة لدول شديدة التخلف كأغلب الدول العربية؟ وددت أن أترك الإجابة.
لا بد أن تعرف صديقي القارئ أن هناك خللًا، ولا يستطيع عاقل أن ينكر ذلك.
أما القول بأن الجامعة سدَّت من حاجة المجتمعات من العقول المفكرة التي أسهمت في تنمية المجتمعات وازدهارها على سابق أشواط، فيورد لنا في كتابه أيضًا، ويقول:
هو نفس الأمر ذاته عندما أقول أنها سدَّت من حاجة المجتمعات من الأيادي العاملة؛ فنرى كلا من: الشيخ أحمد ديدات وعمر المختار والعلامة أبو الأعلى المودودي وغيرهم كالرافعي والعقاد وإيليا أبو ماضي وأيضا من قادة العلوم والأدب والابتكارات مثل: بيل غيتس وأغاثا كريستي والروائي جابرييل غارسيا ماركيز ووليام شكسبير وتوماس أديسون ونيوتن وجماعات مفكرة وأسماء نابعة من منطلق انتهجته لنفسي في كيفية اختيارهم وهو أن اسم كل منهم قائم على معيار من اثنين:
أولًا: إما أن الشخص تخلف عن أقرانه في المدرسة لأي سبب كان، بمعنى أن يكون من المستهجن في ذلك الوقت تخلف الأشخاص عن المدرسة عند حد معين؛ فالبلد التي تعارف عندها أن النهاية المقبولة للدراسة هي المرحلة الجامعية يصبح عندها الشخص الذي لم يكمل تعليمه الجامعي متخلفا عن أقرانه، وهكذا.
ثانيًا: إما أن للشخص شهرة واسعة أو آثارًا باقية أو أموالًا طائلة أكسبَتْه تلك العظمة، ولكن بشرط أن يكون قد بنى هذا بنفسه دون تدخل عامليْ النسب والوراثة. مع ذكري لأسماء هؤلاء الأشخاص لوددت أن أشير إلى أمر بالضرورة؛ وهو أن تخلف تلك العقول المفكرة عن المدرسة لا يعني تخلفها عن التعليم، فعلى الرغم من عدم تلقيهم التعليم الكامل في المدرسة النظامية إلَّا أنهم استقوا تعليمهم من مدرسة الحياة العظيمة التي مثلت خبرة في التعليم تتجاوز عشرات الآلاف من السنين، ثم بعد ذلك خرَّجت أبطالًا ومفكرين وعلماء عُرفوا منذ الأزل وحتى يومنا هذا، بل ربما كانت الاستفادة من مدرستهم الحياتية أعظم بكثير من مدرستنا اليوم النظامية.