هل حياة العلماء طبيعية؟
ربما أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء المقربون هم وحدهم القادرون على وصف حياة شخص عالِم بينهم، وطبيعي جدًا أن تسمع أحد الأطفال يحدثك خلال جلسة عائلية بالقول: ” إن حياة العالم مثيرة ومليئة بالمغامرات، أنا أتمنى أن أكون أيضًا كذلك…”.
بينما طفل أخر لا يحب حياة الضغوطات والمفاجآت فيقول: “لا أبدًا، لا أريد أن أكون عبقريًا، ولا عالمًا يضطر أن يذهب في عطلة نهاية الأسبوع أو في الليل إلى معمله ليطمئن على خلايا أضاف لها بعض الدواء قبل ساعات، أو ليسحب دمًا من فأر التجارب أو لمراقبه حركة دودة C. elegance الرهيبة!“.
ما لا يعرفه البعض عن حياة العالم الشخصية أنه دائمًا يربط جدول حياته بعمله، وأفراد العائلة يتعودون تلقائيًا على نمط حياته ولا يستغربون أي تصرف أو إجراء مفاجئ، فمن الطبيعي أن يقفز العالِم فجأة خلال حفلة عيد ميلاد أحد أطفاله ويقول مستأذنًا: ”لا بد أن أذهب إلى المختبر عشر دقائق فقط حتى أخرج مادة من الحاضنة وأضعها على درجة حرارة الغرفة“…
قد يكون الموضوع فعلًا يحتاج عشر دقائق بالضبط ولكن قد يطول إلى عدة ساعات لعدة أسباب منها: كأن يذهب إلى المختبر لإضافة محلول ما على عينته ويكتشف أن أحدهم قد استهلك المحلول حتى آخر قطرة! بالتالي قبل القيام بخطوة الـ 10 دقائق لا بد له أن يحضر المحلول وتبدأ رحلة البحث عن المواد في الأرفف وجمع الزجاجيات المناسبة وضبط الميزان ومعامل الحموضة pH ويا حظه العاثر إن كان المحلول يحتاج أن يوضع في جهاز التعقيم Autoclave فالموضوع عندها يحتاج إلى ساعات من الانتظار!
يعود العالِم مسرعًا إلى عائلته ليكمل حفل عيد الميلاد فيجد أنه قد انتهى وأطفاله مشغولون بفتح الهدايا، بدبلوماسيته بالتعامل مع أي تجربة فاشلة يجد الطريق إلى قلوب أطفاله ويشاركهم فرحتهم بالهدايا وعينه تراقب عقارب الساعة وعقله يتساءل إن كان بإمكانه أن يختلي بحاسوبه ساعة قبل النوم ليكمل كتابة بحث كان قد اقترب موعد تسليمه، ومن الجدير بالذكر أن كل ثانية للعالم مقدسة فلا تستغرب إن سألته أن تحدثه في موضوع فيقول لك في عجالة: معك 30 ثانية فقط.
المناسبات العادية لدى العالِم ليست بأهمية نتيجة ينتظرها بفارغ الصبر أو موعد مع عالم آخر لعمل شراكة في مشروع علمي كبير أو انتظار قبول مجلة علمية مرموقة نشر بحثه، فمن الطبيعي جدًا أن ينسى موعد زيارة كان قد رتبها قبل شهر، ويتفاجأ بالموعد في نفس اليوم الذي سيذكره به أحد أفراد العائلة بأن اليوم سيزورهم فلان فيقول بدون تفكير: ” اليوم بدون موعد!” فيرد الطرف الآخر: “ألا تذكر أنك قد اخترت الموعد بنفسك قبل شهر …”
العالم بطبيعته دبلوماسي يتقبل النقد ويحاور ليس لإثبات صِحة ما يقول، بل يتعامل مع الحوار وكأنه تجربة من تجاربه العلمية! ويبدأ دماغه تلقائيًا بتحليل الحوار منطقيًا، ووضع فرضيات لإجابات واحتمالية الخطأ وربما يقيس الانحراف المعياري للموضوع، وقد لا يعرف الطرف المحاور أن من أمامه عالم فيستغرب أسلوب الأسئلة والإجابات ويظن أن جدال شخص كهذا عقيم، ولا يدري أنه إن صبر وتابع الحوار سيحصل على كم من المعرفة والنتائج الممتعة بسلبياتها وإيجابيتها.
العالم ربما هو الشخص الوحيد الذي يفرح إذا بقي الأخير في مكان عمله، فالمعمل الفارغ من الأزمات البشرية تسعد قلبه وتخلق في عقله أفكارًا خلاقة لخوض تجربة معقدة في جو هادئ ومكان واسع بأدواته وأجهزته هو ملكه لوحده الآن، وقد يوقظه من حلمه السعيد صوت هاتفه من أحد أفراد عائلته يذكره أن الوقت قد اقترب من منتصف الليل!
مع كل هذا، العالم شخص حماسي جدًا لأي فكرة، دقيق جدًا، يعشق عمله وأي نشاط في حياته له متعة خاصة، يحب الأسئلة كثيرًا، والقراءة بالنسبة له نهم معرفي يومي، لأن العلم بالنسبة له ليس مهنة أو هواية بل منهج حياة كامل.