هل لدينا صحافة تربوية؟
هل لدينا صحافة تربوية؟ سؤال مشروع بحجم مشروعية مئات الأسئلة الكبرى التي تطل برأسها كلما أردنا أن نشخص أدواءنا وعللنا الاجتماعية لنتعافى منها ونصبح بحال أفضل؟
من حيث المبدأ يحق لنا أن نطالب بصحافة تربوية تحشد لها الأقلام، وتستثمر لها الطاقات،وتصرف لها الموارد المالية المناسبة والتي تتجاوب مع كم التحديات والأخطار التي تحيط بالشخصية العربية اليوم.
ولأن الشباب هم عدة الأوطان ومصدر تحقيق أهدافها وتطلعاتها فإن العناية بالإنسان فكرًا و روحًا وضميرًا و خلقًا يعد مطلبًا واجبًا لا غنى عنه أو بديل.
ورغم تسليمنا كأفراد وجماعات بأهمية وجدارة هذا الرأي إلا أنه مع الأسف الشديد لا نجد جهودًا تبذل لتحقيق الحدود الدنيا من هذا المطلب الكبير.
الصحافة التي لدينا سواء الرسمية منها أو شبه الرسمية هي صحافة غائبة عن القيام بدور فعال في هذا الخصوص.
صحافتنا في المجمل تهتم بالسياسة والرياضة وتغطي الأحداث اليومية البارزة اقتصادية أوغيرها لكنها لا تقف على أرض صلبة فيما يختص بالمجال التربوي .
أين الكتابات التربوية في مجمل ما هو مكتوب في صحافتنا العربية ؟!!
ماذا لو قمنا بتحليل للموضوعات التي يشتغل بتناولها الكتاب في صفحات الرأي بمختلف صحفنا الكبرى؟!
كم هو النصيب المتوقع من الكتابات التربوية التي يخرج منها القارئ بنصيب وافر ينعكس إيجابيًا على فهمه تجاه أدواره التربوية؟!
أغلب من يقروؤن الصحف هم آباء وأمهات لملايين الأطفال العرب ورغم ذلك يطالع هؤلاء الآباء كل التحليلات الهامة إلا تلك الكتابات التي تحلل الواقع التربوي وترصد المتغيرات في النسيج الأسري والاجتماعي.
لا يجد الآباء الذين تكثر أسئلتهم اليومية التفاتة ذكية وجادة من صحافتنا الرسمية، أو شبه الرسمية رغم العلاقة العضوية التي تربط بين الطرفين.
إن القارئ العربي للصحيفة بالمجمل هو قارئ ذكي، متطلع للمشاركة وجاد إلى حد كبير.
ومؤشرات ذلك كثيرة منها هذه المتابعة اليومية والقراءة المتواصلة للصحف على مر السنوات والأعوام.
إن القارئ العربي حتى اللحظة مازال مخلصًا للصحيفة التي يقرؤها بل لأكثر من صحيفة وهو يرى في المجمل توجهً جادًا للتصدي لقضايا الحياة.
ومن هنا فمطالبة الصحافة بدور أكثر حضورًا في المشهد التربوي لا يأتي من فراغ وإنما ياتي من تلك العلاقة التفاعلية بين القراء وبين الصحافة المطبوعة.
من جهة تالية ومما يضاعف من حجم المسؤولية هنا هو هذا الانسحاب المخجل لوجود أي صحافة تربوية بديلة من قبل القطاع الخاص.
إن الكتابات التربوية والمعالجات المتصلة بها تبدو مطلبا تم إسقاطه عمدا أو سهوا، ترصدا أو غفلة، بقصد أو بدون قصد والنتيجة فراغ مفزع، وإحباط من تبني مبادرات تسد الفراغ الكبير.
نعم ،لقد أثرهذا الضعف في تناول قضايا التربية على أداء الآباء والأمهات الذين صاروا يقرؤون في كل شيئ بحكم المتوفر والمتاح إلا التربية التي صارت مادة غير معروضة ولا سهلة التناول!!
قد يقول قائل هكذا هي الصحافة، وهذا هو واقعها والإجابة الحاضرة: ومن هو الذي يحدد هذا الواقع، ومن هو الذي يلونه؟
أليس هم القائمون على الصحافة والمخططون لها؟
بلى لقد آمنوا بالرياضة فتواصلوا مع محللي الرياضة،وآمنوا بالاقتصاد فتواصلوا مع كتاب الاقتصاد، وآمنوا بالسياسة فتواصلوا مع كتاب السياسة، وآمنوا بالفن فتواصلوا مع كتاب الفن، فمتى يؤمنون بالتربية ليتواصلوا مع أهل التربية؟
هذا هو التشخيص في معناه الواضح البسيط أوجد الإيمان أولا، كون القناعة ثانيا، يسهل التطبيق بعد ذلك.
إن القناعات أيها القراء الكرام هي التي تحرك الإنسان باتجاه القيام بفعل ما، متى ما تكونت القناعة سهل التنفيذ.
لعل قارئًا يقول إذن لنبدأ في تكوين القناعات لدى القائمين على صحفنا وإعلامنا المكتوب والمرئي والمسموع.
نعم هناك أصوات مخلصة وصادقة تتمنى لو تتسع المساحات المخصصة لأهل التربية ليدلوا بدلوهم في بناء الأوطان وحماية المجتمعات.
هناك قراء متعطشون ليقرؤوا موادًا تتنوع ما بين الخفيفة والدسمة تناقش واقعهم اليومي، وتتحدث عن مراحل نمو أبنائهم ومتطلبات كل مرحلة.
من يشبع هذه الاحتياجات المعرفية المتجددة والكبيرة هو من يتصدى للقيام بدور نبيل تجاه أهداف تكوين الإنسان الصالح
نعم لا مواطنة صالحة دون إنسان صالح، ولا مواطن منتم انتماءً حقيقيًا لمجتمعه وأمته دون جهود تربوية واعية وواعدة ومتواصلة.
الزمن سيتحول لصالحنا فيما لو تحولنا نحن لصالح أهدافنا التربوية وتقدمنا خطوات بإتجاه سد الفجوات في المشهد الإعلامي المكتوب والمسموع والمرئي.
نعم ما نطالب به هو سد الخلل الكبير الناتج عن غياب حضور أهل التربية وكتاباتهم الجاده في المشهد الإعلامي .
ولا شك أن لديهم الكثير مما سيضيف للأداء الإعلامي القائم ومما سيجود من المحصيلة المعرفية التي يتلقاها القارئ للصحف.
إن القارئ شريك ولا شك في رحلة المطبوعة الإعلامية ومن حق الشريك على شريكه أن يلتفت له التفاتة كاملة، وأن يعنى بإشباع احتياجاته الأساسية لكي تزدهر العلاقة بين الطرفين وتزداد رسوخا.
إن الكاتب التربوي حين يشارك في الصحافة اليومية لا شك أنه سيكتب عن بناء الإنسان عن بناء فكره وتربية ذوقه وإحساسة وتنمية ملكاته الابداعية، وكيفية اكسابه خبرات حياتية لتكون ذلك الإنسان الذي هو قرة عين الأوطان والمجتمعات.
إننا نعاني اليوم من تصحر في العلاقات الإنسانية وخمول في ملكات التفكير أثرت دون شك على الإنتاجية الفردية والمجتمعية ويوم أن نعنى بالإنسان منذ الطفولة ، ونتصدى كل في موقعه ومساحته لبناء الإنسان وإشباع حاجاته الفكرية والروحية والقيمية والمادية فلسوف تتضاعف الحصيلة الإنتاجية ونصل لمستوى رفيع من الأداء الفعال الذي هو هدف أصيل وكبير لبقائنا في دائرة الفعل والتأثير.
كاتبة وباحثة في قضايا التربية والإعلام