هل يؤثر تعدد المهام على جودة ما نفعله حقًّا؟
قد تكون في فترة الدراسة وتتعرض لعدة امتحانات في ذات الوقت، وهو ما يجعلك عرضة للوقوع في فخ القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد.
ويمكنك أن تكون في العمل، وتجد نفسك وسط عدد كبير من المهام التي يلزم إنهائها في وقت واحد، وهنا يأتي سؤال مهم، أيعتبر القيام بعدة مهام سيء أم جيد؟
حسنًا.. قدرتنا على القيام بالأشياء بشكل مُتقن “تعاني“ عندما نحاول إكمال العديد من المهام في وقت واحد، ولكن رغم ذلك هناك سلسلة من التجارب التي تشير إلى أن مجرد “إدراك“ أننا نقوم بمهام متعددة، قد يزيد من أدائنا ويجعلنا أكثر انخراطًا في المهام ذاتها.
حيث تشرح الباحثة “شالينا سرنا“ من كلية ستيفن روس للأعمال في جامعة ميشيغان وتقول:
” تعدد المهام غالبًا ما يكون إدراكًا، وبغض النظر عما إذا كان الأشخاص يشاركون فعليًا في مهمة واحدة أو مهام متعددة، فإن جعلهم يدركون هذا النشاط على أنه تعدد المهام، يجعله مفيدًا للأداء أفضل“.
وهو ما يعني ببساطة، أنه عندما يدرك الشخص قيامه بمهام متعددة، فإن ذلك يجعله أكثر نشاطًا وإنتاجيه، في ذات الوقت لا ينفي الأمر أن تعدد المهام يؤثر بشكل سلبي في الأداء العام!
وتشير الدلائل إلى أن البشر غير قادرين فعليًّا على الاهتمام بمهام متعددة في الوقت نفسه، فقد نعتقد أننا نقوم بمهام متعددة، لكننا في الواقع نتجول جيئة وذهابا بين المهام.
على سبيل المثال نعتبر الجلوس في محاضرة ما مهمة واحدة، لكننا قد نشارك فعليًا في مهمتين، وهما الاستماع إلى الشخص الذي يتحدث، وتدوين الذي يقوم بشرحه.
وانطلاقًا من تلك النقطة، أراد بعض العلماء معرفة ما إذا كان تغيير تصوراتنا حول تعدد المهام يمكن أن يغير من طريقة تعاملنا معها أم لا.
في دراسة قام فيها 162 مشاركًا بمشاهدة ونسخ مقطعًا تعليميًا من سلسلة “Animal Planet” الشهيرة.
اعتقد نصف المشاركين أنهم سيكملون مهمتين، مهمة التعلم ومهمة النسخ، واعتقد النصف الآخر أنهم سيكملون مهمة واحدة – رغم أنه مطلوب منهم فعل نفس مهمة المجموعة الأولى أيضًا –.
بمعنى آخر: أكملت كلتا المجموعتين نفس الأنشطة بالضبط، وكان الاختلاف الوحيد هو “اعتقادهما“ حول عدد المهام التي تم إنجازها في وقت واحد.
النتائج كانت واضحة، حيث قام المشاركون الذين اعتقدوا أنهم يقومون بمهام متعددة بكتابة المزيد من الكلمات في الثانية، بل كتبوا عددًا أكبر من الكلمات بدقة، وسجلوا نتائج أفضل في اختبار الفهم، عن أولئك الذين اعتقدوا أنهم يقوموا بمهمة واحدة!
وفي دراسة أخرى على الإنترنت، اكتشف الباحثون ما إذا كان التلاعب الأكثر دقة سيؤثر في تصورات تعدد المهام، حيث أكمل جميع المشاركين اثنين من الألغاز المقدمة على الشاشة في نفس الوقت. رأى البعض الألغاز – التي يُفترض أنها جزء من الدراسة نفسها – عندما عرضت على نفس الخلفية؛ ورأى آخرون ألغاز عرضت على ألوان خلفية مختلفة مفصولة بخط عمودي.
كما هو متوقع، قام المشاركون الذين رأوا الألغاز المختلفة في الألوان بتقييم النشاط على أنه يشبه تعدد المهام أكثر من أولئك الذين اعتقدوا أنهم يكملون الألغاز في مهمة واحدة.
ومرة أخرى ببساطة، حققت المجموعة التي أدركت أنها تقوم بمهمتين مختلفتين في ذات الوقت نتائج أعلى من أولئك الذين اعتقدوا أنهم يقوموا بمهمة واحدة – في حين أن الاختبارين كانا يتضمنا نفس الألغاز – والفارق الوحيد هو فصل الألغاز بصريًا بالنسبة للمشاهد من خلال تلوينها بألوان مختلفة!
ولكن لماذا من شأن “إدراك“ النشاط باعتباره “مهمة متعددة“ أن يعزز الأداء؟
لاختبار ذلك أجرى الباحثون نسخة قائمة في المعمل من دراسة الألغاز باستخدام تقنية تتبع العين لقياس تركيز التلاميذ المشاركين أثناء عملهم، ولم يقتصر الأمر على أن المشاركين في حالة “إدراك“ تعدد المهام قدموا عددًا أكبر من الكلمات الصحيحة، بل أظهروا أيضًا تركيزًا أكبر أثناء النشاط.
مما يشير إلى أنهم كانوا يبذلون المزيد من الجهد العقلي للبقاء على اتصال، وعلى الرغم من أن تعدد المهام قد يحول في كثير من الأحيان بين فعل كل مهمة منهم على أكمل وجه، إلا أن هذا لا يبدو أنه يعوق أداءها بشكل كبير كما هو مُتصور (فقط في حالة إدراك ذلك).
لكي نكون واضحين؛ لا توحي هذه النتائج بأنه يجب علينا جميعًا بدء تعدد المهام لتحسين أدائنا، بدلاً من ذلك، يشير البحث إلى أنه بالنسبة لنشاط معين، فإن الاعتقاد بأننا نقوم بمهام متعددة يمكن أن يؤثر في مستوى أدائنا الجيد.
في مجتمع اليوم، نشعر دائمًا بأننا نلعب بين الأنشطة المختلفة لتلبية المطالب في وقتها، سواء في العمل أو في المنزل أو في الدراسة، لذلك يبدو أن تعدد المهام في كل مكان.
وهنا.. نجد أن تعدد المهام هو في كثير من الأحيان مجرد مسألة إدراك، وفي هذا الحالة، قد تُسهم معرفة ما نفعله بالضبط في تقديم المزيد من النفع بدلاً من الضرر، وبالتالي عندما ننخرط في نشاط معين، فإن تفسيره على أنه تعدد المهام يمكن أن يساعدنا.
الآن بعد أن عرفنا أكثر عن القيام بمهام متعددة، وأن إدراكنا لذلك قد يجعلنا أكثر قدرة على تنفيذها، لنتعرف أيضًا على بعض النصائح التي قد تجعل من الأمر أفضل، وخصوصًا بالنسبة للأشخاص الذين لا يوجد لديهم مفر من ذلك النوع من المهام.
1- ضع خطة متعددة المهام والأهداف
حسنًا، لقد قررت أنك تريد القيام بمهام متعددة من أجل أن تصبح أكثر إنتاجية، أول شيء عليك القيام به هو وضع خطة عمل “متعددة المهام“.
الغوص في عملك أو مذاكرتك دون أي خطة أو بنية هو فكرة سيئة للغاية، فبدون أي خطة، يمكن أن تفقد التركيز بسهولة ولا تكمل عملك، وهذا سوف يسبب لك المزيد من التوتر. يحتاج تعدد المهام الناجح إلى خطة جيدة، هل تريد الحصول على نصيحة جيدة أخرى؟
قم بتجميع المهام التي تتوافق بعضها مع بعض، حيث إن ذلك هو أفضل ما يمكنك فعله لمواكبة الأمر، ومن هناك يمكنك تحديد أهدافك لكل مهمة، مثل “ما الذي تريد تحقيقه؟“ و“متى يجب إكمال مهامك؟“.
2- لا تفقد التركيز
تعدد المهام لا يعمل بشكل صحيح إلا إذا حافظت على تركيزك، وقد يكون من الصعب تتبع تلك المهام إذا لم تتمكن من إدارة كل شيء بشكل صحيح؛ لذا إلى جانب تجميع المهام المتوافقة معًا، من الجيد أيضًا سرد كل مهمة حسب مستوى الحاجة إليها أو الأولوية، وسوف يساعدك تحديد أولويات المهام استنادًا إلى أهميتها على تخفيف بعض الضغط من على كتفيك، والأهم من ذلك الحفاظ على تركيزك.
3- خصص وقتك للمهام الشاقة والمهام الروتينية
بعض المهام الخاصة بك هي مهام متكررة ومهام يومية، وبعضها الآخر مهام معقدة وذات أولوية عالية. المهام اليومية هي الأسهل والأقل إرهاقًا من مسؤولياتك، وهذه هي المهام التي يمكنك بسهولة تعديدها.
على سبيل المثال، يمكنك تكريس الساعة الأولى والأخيرة كل يوم للرد على رسائل البريد الإلكتروني، ومراجعة مهامك الروتينية اليومية القادمة، وبذلك “تصيب عصفورين بحجر واحد“.
أما بالنسبة للمهام والمشاريع المهمة فهي قصة مختلفة، حيث تحتاج هذه المهام إلى تخصيص وقت محدد لها، ولكن بناءً على إلحاحها، من الحكمة أن يتم التركيز عليها بشكل فردي، حيث تحتاج المهام المعقدة إلى اهتمامك الكامل حتى لا تتأثر إنتاجيتك بها، وبذلك لا ينبغي المساس بالوقت والطاقة اللذين سوف تستخدمهم للقيام بها.