تحقيقات زدني

10 آلاف معلّم يطلبون الإحالة على التّقاعد سنويًّا في الجزائر.

لا يخفي “عبد الحليم هادف” القلق الّذي يعيشه بشأن مواصلة عمله أستاذًا في التّاريخ والجغرافيا لأربع سنوات أخرى ، بعدما صار جواب طلبه الخاصّ بالحصول على تقاعد مسبق معروفًا سلفًا، جرّاء الإجراءات الجديدة التي ستطبّقها الحكومة في نظام التّقاعد.

عبد الحليم صاحب الـ56 سنة الّذي أمضى 28 عامًا في سلك التّعليم بالطّور الثّانويّ في مدينة “العلمة” شرق العاصمة الجزائر، يتحدّث في لقائه مع فريق “شبكة زدني”عن الإحباط الّذي أصابه رفقة العديد من الأساتذة الآخرين بعد سماعهم تأكيدات الوزير الأوّل عبد المالك سلّال عن إلغاء التّقاعد قبل سنّ 60 سنة، بعد مصادقة مجلس الوزراء على القرار.

إحباط وسط الأساتذة وتخوّف من عدم أداء الرّسالة

وكان عبد الحليم ينوي تقديم  طلب الإحالة على التّقاعد الموسم الدّراسيّ القادم (2016-2017) في شهر أكتوبر المقبل ، موعد فتح فترة تقديم الملفات.

وقال عبد الحليم لـ”شبكة زدني”:إنّ القانون الجديد لا يخدمنا بتاتًا، فهو لا يراعي مشاكلنا، والتّعب الّذي نال منّا بعد السّنوات الطويلة الّتي أفنيناها في خدمة جيل المستقبل”.

وأضاف: “لقد أصابنا القرار فعلًا بالإحباط والقلق، أتساءل دائمًا كيف سأؤدي الرّسالة المُكلََّف بها كما ينبغي في السّنوات الأربع المتبقيّة، حتّى صحّيًّا أصبحت غير قادر على التّعليم”.

من جانبه، يستذكر “أحمد راضي” (اسم مستعار) أستاذ التّعليم الابتدائيّ ببلدية “عين يوسف” بولاية “تلمسان” الحدوديّة في حديثه مع “زدني”الصّدمة الّتي عاشها شهر يونيو الماضي عند سماعه قرار الحكومة بإحداث تعديلات على نظام التّقاعد.

وقال أحمد الّذي يريد الاستفادة من نظام التّقاعد المسبق قبل عام فقط من إتمامه السنّ القانونيّة للتّقاعد، كونه أكمل 31 سنة من العمل  إنّه أصيب بالذّهول من قرار الحكومة الّذي لم يشر إلى استثناء قطاع التّربية من هذا القرار، بالنّظر إلى أنّ مطالب نقابات التّربية والتّعليم العالي كانت تصرّ وفي وجود نظام التّقاعد المسبق بتنزيل السّنّ القانونيّة للتّقاعد إلى 25 سنة من العمل بدلًا من 32 سنة.

وأضاف: “القرار الجديد لم يكن في مستوى تطلّعاتنا، وسيشكّل مشاكل كثيرة لسلك الأساتذة الّذين تصبح حالتهم الصّحيّة والذّهنيّة غير قادرة على مواصلة هذه المهنة الّتي تتطلّب أن يكون من يمارسها في كلّ طاقاته”.

وبدورها تبدي الأستاذة” سعاد أميمية” انزعاجًا كبيرًا من هذا القرار الحكوميّ، وتظهر على ملامحها في حديثها مع “شبكة زدني”عدم الرّضى بخصوص هذه الخطوة.

وقالت لفريق “شبكة زدني”: “إنّ التّقاعد المسبق و النّسبي حقّ للأساتذة، بالنّظر إلى الأمراض المهنيّة  المعرّضين لها كالتهاب المفاصل والغدّة الدرقيّة وبحة الصّوت وغيرها، إضافة إلى العنف الّذي غزا مدارسنا من طرف التّلاميذ والطلبة، والأستاذ لا يمكنه تحمّل ذلك 32 سنة”.

وأضافت: “العمل في قطاع التّربية جدّ مرهق مع اكتظاظ الأقسام وتهاون بعض الإدارات في تطبيق النّظام الدّاخلي، فبعض أساتذة العلوم الإسلاميّة يدرّسون من 18 إلى 26 قسمًا في الفصل الواحد”.

وتابعت تقول: “أغلبية الأساتذة يخرجون من التّعليم مصابين بارتفاع الضّغط أو أمراض في الرّقبة والعمود الفقريّ والتهاب الرّكبتين”.

وتتذكّر سعاد أميمة بكثير من الحزن وفاة زميلة لها داخل القسم بسكتة قلبيّة في السّنوات الأخيرة بمنطقة”حمام السّخنة” بولاية “سطيف” شرقيّ الجزائر.

وترفض نقابات قطاع التّربية والتّعليم العالي من جانبها هذه الإجراءات باعتبارها تراجعًا عن مكتسبات نضال العاملين في هذا المجال وحقوقهم، ودعت إلى حملة واسعة وسط العمّال لإنقاذ أنظمة التّقاعد.

10 ألاف أستاذ يطلبون الإحالة على التّقاعد سنويًّا

ولا تتوفّر أرقام رسميّة حول عدد الأساتذة الّذين يطلبون التّقاعد المسبق في قطاع التّربية، إلّا أنّ الرّقم التّقديريّ الّذي استقاه معدّ التّحقيق من لدن نقابيّين وأساتذة يشير إلى أنّه أكثر من 10 آلاف أستاذ يطلبون الإحالة على التّقاعد سنويًّا عبر مختلف مديريات التّربية الخمسين.

وبحسب من تحدّث معهم معدّ التّحقيق، فإنّه بعد تطبيق هذا القرار لن يقوم في كلّ سنة 10 آلاف أستاذ على الأقلّ بمهمّتهم التّعليميّة كما يجب، وسينعكس ذلك على مستوى التّحصيل الدّراسيّ الّذي هو في الأصل دون المستوى المنتظر.

التّقاعد المستهدف

ويشرح “قويدر يحياوي” الأمين العام المكلّف بالتّنظيم في النّقابة الوطنيّة لعمال التّربية  لفريق “شبكة زدني”التّقاعد المستهدف من قبل الجهاز التّنفيذيّ.

وقال: “عيـن الثّلاثيّة(الحكومة-الإتّحاد العامّ للعمّال الجزائريّين-أرباب العمل) على الأمر 97 -13 المؤرّخ في 31 ماي 1997 ،الّذي يعدّل ويتمّم القانون رقم 83-12 المؤرّخ في 02 جويلية 1983 المتعلّق بالتّقاعد” .

والثّلاثية هي الاجتماع الّذي يجمع الحكومة بأرباب العمل والاتّحاد العام للعمّال الجزائريّين (النّقابة المقرّبة للحكومة)، لكن تغيب عنه باقي النّقابات المستقلّة بسبب رفض الحكومة مشاركتها.

وأضاف يحياوي: “في الاجتماع الأخير للثّلاثيــّــة الّذي جرى في 5 يونيو الماضي، طرحت الحكومة فكرة مراجعة الأمر 97-13، وطرحها هذا يهدف إلى تعديل أو إلغاء أحكام المرسوم السّالف الذّكر، لا سيما المادة 6 مكرّر منه، والّتي نصّت على إمكانية منح معاش التّقاعد والتّمتع الفوريّ به قبل السّنّ المنصوص عليها في المادة 6.”

وتنص المادة 6 مكرّر من الأمر 97-13 على أنّه “يمكـــــن منح معاش التّقاعد و التّمتع الفوري قبل السّنّ المنصوص عليها في المادة 6 أعلاه في الحالات ووفق الكيفيّات الآتية:

1 – دون أيّ شرط بالنّسبة للسّنّ إذا كان العامل الأجير قد أتمّ مدّة عمل فعليّ نتج عنها دفع اشتراكات تعادل اثنين وثلاثين(32) سنة على الأقلّ .

2-ابتداءً من سنّ الخمسين (50 ) يمكـــن للعامل الأجير الّذي أدّى مدّة عمل فعليّ، نتج عنها دفع اشتراكات تعادل عشريــن سنة على الأقلّ أن يطـلب الإستفادة من معـاش تقاعد نسبيّ.

ويشرح هذه النّصوص قائلًا: “على ضوء أحكام المادة 6 مكرّر في فقرتيها 1 و2 يمكن القول أنّ المشرّع وضع آليتين للتّقاعد، هما تقاعد دون أيّ شرط للسّنّ والّذي يستفيد منه العامل الّذي وفّى 32 سنة خدمة واشتراكات فعليّين، وتقاعد نسبيّ يسمح للعامل ذي 50 سنة مع اشتراط دفع 20 سنة اشتراكات الإحالة على المعاش”.

وجاء هذا القرار الحكوميّ صادمًا للأساتذة، بالنّظر إلى أنّ مطلب النّقابات المقدّم إلى الوزارة المعنيّة كان يتمثّل في تقليص مدّة الإحالة على التّقاعد إلى 25 سنة بدل 32 سنة المطبّقة حاليًا.

خطوات منتظرة

ويتابع يحياوي حديثه مع فريق “شبكة زدني”قائلًا: “مـا أعتقده وبعد الإطّلاع على النّصوص التّشريعيّة والقانونيّة ذات العلاقة بالتّقاعد لا سيما النّصوص الصّادرة بعد الأمر 97-13 ومنها قانون 99-03المؤرّخ في 22 مارس 1999الّذي يعدّل ويتمّم القانون رقم 12-83 ،والمتعلّق بالتّقاعد يمكن إيجازه في أنّ الحكومـة ستعمل في المرحلة الأولى على إعادة النّظر في التّقاعد النّسبيّ الوارد في المادة 6 مكرّر الفقرة 2 ، ومنها تقوم بجسّ نبض النّقابات وردّ فعلها تجاه هذا المقترح خاصّة وأنّ الحكومة لها من المصوغات الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة ما قد يشفع طرحها”.

ورغم هذه المخاوف ، إلّا أنّ  النّقابيّ ذاته يرى أنّ” الحكومـة لم ولن تغامــــــر بإعادة النّظر في الفقرة 1 من المادة 6 مكرّر من الأمر 97-13 على الأقلّ في المرحلة الحاليّة، خاصّة وأنّها ستجد صعوبة في إيجاد المصوّغ التّشريعيّ والقانونيّ لمشروع التّعديل والّذي يحتّم عليها إعادة النّظر في كمِّ هائل من النّصوص والقوانين ذات الصّلة والعلاقة بالتّقاعد” .

أسعار النّفط شمّاعة الحكومة في قرارها

لكنّ للحكومة حججها حول هذا القرار، وتُرجِع لجوءها إلى إدخال تعديلات على نظام التّقاعد بسبب الأزمة الّتي يعانيها اقتصاد الجزائر إثر تواصل تهاوي أسعار النّفط الّتي حتّمت على الحكومة انتهاج خطّة للتّقشّف تهدف إلى تقليل النّفقات الحكوميّة.

و اطّلع فريق “شبكة زدني”في وقت سابق على تعليمة للوزير الأوّل عبد المالك سلّال موجّهة للمديريّة العامّة للوظيفة العموميّة والإصلاح الإداريّ ووزارة العمل والتّشغيل والضّمان الاجتماعيّ مؤرّخة في 11  يونيو الماضي، تتعلّق بإحالة مستخدمي المؤسّسات والإدارات العموميّة على التّقاعد، تطالب مختلف الإدارات العموميّة ومنها قطاعي التّربية والتّعليم العالي بفرض إرجاء مؤقّت لدراسة الملفات المتعلّقة بطلبات التّقاعد النّسبي ودون شرط السّنّ.

وبحسب الوثيقة ذاتها، فالهدف من هذا القرار “تفادي أيّ اضطراب محتمل من شأنه أن يعرقل مسار تطبيق قرار الثّلاثيّة المنعقدة في 5 جوان 2016 المتعلّق بالنّظام الوطنيّ للتّقاعد، وقصد السماح باتّخاذ التّدابير المناسبة لطلبات التّقاعد  في إطار النّظام التّشريعيّ بعيدًا عن أيّ تسرّع من شأنه أن يؤثّر سلبًا على السّير الحسن للمصالح العموميّة والتّوازنات الماليّة للصّندوق الوطنيّ للتّقاعد”

وما يساعد الحكومة على المضي في قرارها هو مساندة الإتّحاد العامّ للعمّال الجزائريّين الّذي يضمّ فروعًا نقابيّة من مختلف قطاعات الوظيف العموميّ، وفي مقدّمتها التّربية والتّعليم العالي.

وقال “محمد لخضر بدر الدّين” مستشار في الشّؤون الاقتصاديّة و الاجتماعيّة لدى الأمين العام للاتّحاد العامّ للعمّال الجزائريّين في تصريح لوكالة الأنباء الجزائريّة: “نحن نُعَدّ من بين هؤلاء الّذين ما فتئوا يعتقدون بأنّ الأمر 97-13 المؤرّخ في 31 مايو 1997 المُؤسِّس للإحالة على التّقاعد دون شرط السّنّ كان مكسبًا للعمّال، و لكنّ اليوم أصبح يشكّل خطرًا على مستقبل المركز الوطنيّ للمتقاعدين لا سيما فيما يخصّ توازنه الماليّ”.

وأضاف: “لا يمكن اعتبار قانون 1997 مكسبًا دائمًا بل مكسبًا مؤقّتًا لوضع ظرفيّ”، مضيفًا: “اليوم يفوق عدد المتقاعدين عدد العمّال النّشطين مقارنة بالسّنوات الفارطة”.

وبحسب بدر الدّين، فإنّه “من غير اللّائق التّصرّف وفقًا لمنطق تسيير الحركة النّقابية، والجانب الاجتماعيّ للاقتصاد من طرف الحركات العمّالية” .

وتأسّف بدر الدّين من موقف النّقابات الأخرى الّتي تعارض إلغاء الإحالة على التّقاعد دون شرط السّنّ، مشيرًا إلى “تأخير سنّ الإحالة على التّقاعد بكلّ البلدان مثل انجلترا (67 سنة) و فرنسا (62 سنة)”.

و أكّد بدر الدّين أنّه بعد الدّراسات وعمليّات التّفكير الّتي تمّ القيام بها، تمّ الخروج بـإجماع حول العودة إلى الإحالة على التّقاعد في سنّ السّتّين ممّا سيسمح بالحفاظ على معاشات المتقاعدين.

و كان اللّقاء الأخير للثّلاثيّة الّذي عقد في 5 يونيو 2016  قد أشار إلى أنّه “حرصًا على الحفاظ و تعزيز النّظام الوطنيّ للتّقاعد، فإنّ الظّروف الحالية لا تسمح إطلاقًا بالإبقاء على ترتيب الإحالة على التّقاعد دون شرط السّنّ الّذي يؤسّسه الأمر 97-13 المؤرّخ في 31 مايو 1997.”

وذكر بدر الدّين أنّ الإحالة على التّقاعد دون شرط السّنّ كانت تهدف إلى تحرير مناصب شغل و هو أمر لم يتحقّق لأنّ الكفاءات الّتي أحيلت على التّقاعد توجّهت لممارسة نشاطات أخرى.

وأردف قائلًا: “كان هذا الوضع مضرًّا بالنّسبة للبطّالين الّذين وجدوا أنفسهم أمام منافسة غير نزيهة من طرف متقاعدين شباب يتمتّعون بخبرة أكبر و كفاءة لممارسة نشاطات أخرى”.

البرلمان يتحرّك لنصرة الأساتذة

من جانبهم، نواب البرلمان أبدوا رفضًا لهذا القرار ، واضطرّ النّائب “لخضر بن خلّاف” عن حزب جبهة العدالة والتّنمية إلى أن يوجّه رسالة إلى الوزير الأوّل عبد المالك سلّال يطالبه بتأجيل تطبيق الإجراءات الجديدة للتّقاعد.

وجاء في الرّسالة الّتي بحوزة فريق “شبكة زدني”أنّ توجّه الحكومة لإلغاء التّقاعد النّسبيّ والتّقاعد دون شرط السّنّ ومراجعة قانون العمل، جاء صادمًا للموظّفين والعمّال في مختلف القطاعات دون استشارة الشّركاء الاجتماعيّين الفعليّين والفاعلين، وتمّ إشراك نقابة واحدة في القرار، لذا نلتمس إرجاء تطبيق قرار الثّلاثية القاضي بإلغاء التّقاعد المسبق ومباشرة حوار جادّ مع النّقابات المستقلّة.

وقال بن خلّاف “إنّ القرار غير المنتظر المتعلّق بإلغاء التّقاعد المسبق تمّ بإشراك نقابة واحدة، وهي في الأصل لا تمثّل الوظيف العموميّ، الّذي معظم عمّاله منخرطون في نقابات مستقلّة على غرار قطاعات التّربية والصّحة والتّعليم والإدارة العموميّة”.

وأوضح البرلمانيّ نفسه أنّ كثيرًا من الوظائف والأعمال في قطاعات كثيرة تمثّل عملًا شاقًّا لا يمكن لصاحبه أن يبقى في الخدمة حتّى سنّ السّتّين سنة ، كعمّال المناجم والفلّاحين و عمال النّفط في الجنوب وكذا الأساتذة مربّي الأجيال الّذين كلّما زادت سنوات الخدمة عندهم كلّما قلّ مردودهم العقليّ والجسديّ.

وأضاف: “أكّدت الدّراسات بأنّ قطاع التّربية هو قطاع الأمراض المهنيّة الّتي هي في اتّساع كبير نتيجة الضّغوطات وصعوبة تأدية الوظيفة، وهذا ما يؤثّر على التّحصيل العلميّ لأبنائنا، فكيف يُتّخَذ مثل هكذا قرار دون استشارة نقابات هذا القطاع الحسّاس ؟”.

احتجاجات أمام الوزارة وإضرابات مرتقبة

ولا يستبعد بن خلّاف انطلاق شرارة الاحتجاجات في مختلف قطاعات الوظيف العموميّ وعلى رأسها التّعليم العالي والتّربية اللّذين يضمّان نحو  مليون موظّف بين أساتذة وإداريّين.

وخاطب بن خلّاف الوزير الأوّل قائلًا: “من أجل إطفاء فتيل التّشنّج والاحتجاجات الّتي بدأت بعض النّقابات تلوّح بها،والّتي نحن في غنى عنها خاصّة مع الدّخول الاجتماعيّ القادم، نلتمس التّدخّل لإرجاء تطبيق قرار الثّلاثيّة القاضي بإلغاء التّقاعد النّسبيّ والتّقاعد دون شرط السّنّ ومباشرة حوار جادّ مع النّقابات المستقلّة حول هذا الملف وكذا قانون العمل“.

وفي نفس السّياق أكّد الأمين العام للاتّحاد الوطنيّ للتّربية والتّكوين “الصّادق دزيري” لـ”فريق زدني” أنّ التّراجع عن مكتسبات وتضحيات العمّال والمساس بحقّ مكتسب وهو التّقاعد النّسبي والتّقاعد دون شرط السّنّ من خلال إلغاء الأمرية الرئاسيّة 13/93 المؤرّخة في 31 ماي 1997 المعدّلة والمتمّمة للقانون 12/83، أدخل المدرسة الجزائريّة في ظروف حسّاسة وجوّ مشحون تميّز بالاستياء والتّذمّر” .

ولمواجهة قرارات الحكومة، أعلنت عدّة نقابات في قطاعات مختلفة كالصّحة والتّربية والتّعليم العالي التّكتّل في تنسيقيّة لتنظيم احتجاجات مع بداية الدّخول الاجتماعيّ والمدرسيّ المقبل الّذي سيكون في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

ونظّمت التّنسيقيّة عدّة اجتماعات، حضرها كل من الاتّحاد الوطنيّ لعمّالّ التّربية والتّكوين، والمجلس الوطنيّ المستقلّ لمستخدمي التّدريس للقطاع ثلاثيّ الأطوار، والنّقابة الوطنيّة المستقلّة لأساتذة التّعليم الثّانويّ والتّقنيّ والنّقابة الوطنيّة لعمّال التّربيّة، ومجلس أساتذة الثّانويّات الجزائريّة، والنّقابة الوطنيّة لعمّال التّربية والتّكوين، و اتحاديّة عمّال التّربية والمجلس الوطنيّ لأساتذة التّعليم العالي والنّقابة الوطنيّة لممارسيّ الصّحة العموميّة و النّقابة الوطنيّة للممارسين الأخصائيّين في الصّحة العموميّة والنّقابة الوطنيّة الجزائريّة للنّفسانيّين والنّقابة الجزائريّة للشّبه الطّبّي والنّقابة الوطنيّة للبياطرة لقطاع الوظيفة العموميّة، إضافة إلى نقابات أخرى.

وقال “مسعود بوديبة ” المكلّف بالإعلام في المجلس الوطنيّ المستقلّ لمستخدمي التّدريس للقطاع ثلاثيّ الأطوار في تصريح مكتوب لـ”شبكة زدني”: “إنّ آخر اجتماع للنّقابات خرج بقرار توجيه رسالة إلى رئيس الجمهوريّة، وتقديم طلب لمقابلة رئيس الحكومة، لإعلامه برفضنا للإجراءات الجديدة للتّقاعد”.

وأضاف أنّ النّقابات تمسّكت بـ “إصرارها على مطالبة  الحكومة بإشراك النّقابات المستقلّة في التفاوض بشأن قضايا العمّال ولا سيما ماتعلّق بالأمر الرّئاسيّ المؤرّخ في 31 مايو سنة 1997، المعدّل و المتمّم للقانون رقم 83/12 المؤرّخ في 2 يوليو 1983 المتعلّق بالتّقاعد، ومطالبتها بإعادة النّظر فى سياسة الأجور بما يتماشي وتحسين القدرة الشرائيّة للعامل، واعتزامها تنظيم حركات احتجاجيّة مشتركة تزامنًا والدّخول الاجتماعيّ دفاعًا على مكتسبات العمّال وضمانًا للحرّيات الفرديّة والجماعيّة وللمشاركة الفعليّة في الحياة الاجتماعيّة كما ينصّ عليه الدّستور الجزائريّ ولا سيما في مادته 34، وتنظيم يوم دراسيّ مخصّص لمنظومة التّقاعد في الجزائر.

إصرار ولا تراجع

غير أنّ تهديدات النّقابات لم تثن الحكومة في التّراجع عن قرارها، وأكّد الوزير الأوّل عبد المالك سلّال يوم 22 يوليو أنّ القانون المُحدِّد لسنّ التّقاعد بـ60 سنة سيدخل حيّز التّطبيق السّنة المقبلة.

غير أنّ سلّال أشار إلى أن مشروع القانون هو في الوقت الرّاهن “مجرّد اقتراح بحيث سيشرع في تطبيقه بداية من السّنة المقبلة”.

وأضاف:” من يريد الخروج إلى التّقاعد من هنا و إلى غاية نهاية السّنة فليكن له ذلك”.

وأوضح أنّ إجراء التّقاعد المسبق ”سيكون مفتوحًا أمام النّساء و أصحاب المهن الشّاقة”، لكن لم يذكر المهن الّتي ستصنّف في هذه الخانة وإن كان الأساتذة معنيون بهذا الاستثناء.

ودعا سلّال إلى ما أسماه “ضرورة التّحلّي بالموضوعيّة في هذه المسألة, فالأمر يتعلّق بتكريس مبدأي العدالة و التّضامن ما بين الأجيال”.

وذكر أنّ مشروع هذا القانون الّذي “سيدرس عن قريب على مستوى مجلس الوزراء”يرمي إلى “إرجاع الأمور إلى نصابها مثلما كان معمولًا به في بداية التّسعينات”.

و استند سلّال في طرحه إلى كون الأمل في الحياة (متوسط العمر)  في الجزائر يمتدّ اليوم إلى  77 سنة و ليس 40 سنة مثلما كان عليه الحال خلال سنوات الستّينيّات, ممّا يجعل من العمّال قادرين على البذل و العطاء, يضاف إلى ذلك العجز الكبير الّذي يشهده الصّندوق الوطنيّ للتّقاعد.

وبعد أن صادق مجلس الوزراء على هذه الإجراءات الجديدة، لم يبق لعبد الحليم هادف أستاذ التّاريخ والجغرافيا إلّا الأمل في أن يبطل البرلمان هذا القانون وعدم التّصويت لاعتماده، أو أن تستطيع الاحتجاجات الّتي سينظمها رفقة زملائه في أن تجبر الحكومة على العدول عن هذه الإجراءات الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى