تحقيقات زدني

26 ألف مدرسة قرآنية تواجه محاولات طمس الهوية الجزائرية

لا حديث هذه الأيام لعائلة خريس أحلام بالجزائر، سوى موضوع المؤسسة التي ستحتضن ابنتهم “بيسان” ذات الأربع سنوات، بعد شائعات طفت مؤخرًا بشأن طمس معالم الهوية الوطنية من خلال “فرنسة ” المدرسة الجزائرية وحذف مادة التربية الإسلامية  من المقررات الدراسية على خلفية الإصلاحات الأخيرة  التي باشرتها وزارة التربية  والتي خلفت جدلًا واسعًا بين الوزيرة والنقابات وكذا جمعيات أولياء التلاميذ؛ فبين المدارس القرآنية وروضة الأطفال لا تزال العائلة تائهة،  والشعور متبادل بين آلاف العائلات.

أولياء الامور يلجأون للمدرسة القرآنية بعد فرنسة “الرياض”

لا تخفي “خريس أحلام” العاملة بإحدى المؤسسات حالة القلق التي تعيشها بشأن مستقبل ابنتها البالغة من العمر أربع سنوات، خاصة بعد الإشاعات التي راجت مؤخرًا في الساحة التربوية حول التوجه نحو فرنسة “الرياض” والسعي وراء إفراغ المدرسة العمومية من “البعد الروحي القرآني” الذي تستمد منه الشخصية الجزائرية قوتها ووجودها، وبعث هذا الأمر الحيرة في نفسها، بعد ان أصبحت روضة الأطفال ضرورة لا غنى عنها، وتشكل المكان الأنسب الذي تستطيع أن تترك ابنتها فيه أوقات عملها.

السيدة خريس ، صاحبة 28 سنة، عاملة بإحدى المؤسسات، في مدينة بومرداس شرقي العاصمة، تتحدث في لقائها مع فريق “شبكة زدني” عن الإحباط الذي أصابها بعد الإشاعات التي راجت حول التوجه نحو “فرنسة الرياض”، وهي تفكر الآن في اللجوء إلى المدرسة القرآنية لإيداع ابنتها، خاصة وأن المدرسة القرآنية استطاعت أن تثبت وجودها في الساحة التربوية في الجزائر.

وقالت السيدة لشبكة زدني” إنها أصبحت مضطرة لإيداع ابنتها في  المدرسة القرآنية “عمر بن الخطاب “، بالنظر إلى الخدمات التي أصبحت تقدمها كتحفيظ الأبناء ما تيسر لهم من السّور قبل بلوغ سن السادسة ودخول المدرسة الرسمية “.

ما هي المدارس القرآنية؟

عرفت المدارس القرآنية في الجزائر في فترة وجيزة، تطورًا وظيفيًا هائلًا، خاصة وأن مهامها أصبحت لا تقتصر فقط على حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، بل تعدى هذا، حيث أصبحت تهتم بتطوير وعلاج الأطفال من الناحية النفسية، ومحاولة تنشئة الأطفال في بيئة سليمة، من خلال الارتكاز على العديد من الآليات، أبرزها تحضير وضمان بداية سليمة للأطفال، ومحاولة غرس القيم الإسلامية فيهم.

وبحسب السيدة خريس، فإن المدارس القرآنية تعمل على تحسين سلوك الأطفال من خلال نوع البرامج التي يقدمها الأساتذة لهم كحفظ القرآن، وتلقينهم جزءً من البرنامج الدراسي المقرر في الطور الابتدائي، كما أن المدارس القرآنية أصبحت تصنف الأطفال على أقسام حسب أعمارهم، محاولة من خلال ذلك أن تجعل الطفل يحتك بأطفال من سنه، يتساوون معه في الخبرات والقدرة على الاستيعاب، كما لو أنهم يمتلكون نفس الميولات والاهتمامات.

وتخلق المدارس القرآنية بيئة سليمة وفضاءً متجانسًا للطفل، إذ تقول المتحدثة “إن المدرسة القرآنية هي بمثابة إشعاع ديني وثقافي حقق نتائج جد إيجابية في الساحة التربوية، بالنظر إلى الدور الذي لعبه في الحفاظ على مقومات ووحدة الأمة ومحاربة الاغتراب”.

وأضافت: “المدرسة القرآنية عبارة عن مجمعات، تشتمل على بيوت للصلاة وغرف لتحفيظ القرآن للأطفال، وتعتبر مركزًا للإشعاع العلمي ومنابع للهداية وحصونًا منيعة تحفظ هُوية الأمة، فمهام المدارس القرآنية لم تعد تقتصر فقط على حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، بل أصبحت تسطر البرامج الثقافية والترفيهية لفائدة طلبة المدارس القرآنية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ووزارة الشباب والرياضة، كتنظيم المخيمات الصيفية مثلا.”

النخبة الجزائرية تكونت في المدرسة القرآنية

كان التعليم في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1830، منتشرًا انتشارًا كبيرًا معتمدًا على الكتاتيب القرآنية والمساجد والزوايا، وكان في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين مراكز تعليمية باهرة يؤطرها أساتذة متمكنون من علوم الفلسفة، الفقه، الأدب، النحو، الطب والفلك، وكانت المدارس كثيرة العدد ومنتشرة في ربوع البلاد، وكانت هناك أكثر من 2000 مدرسة للتعليم الابتدائي والثانوي والعالي، منتشرة بكثرة في مدن الجزائر منها تلمسان، مازونة، بجاية قسنطينة يُزاول فيها التعليم في المرحلتين: الثانوية والعالية.

حيث لعبت هذه المؤسسة واستطاعت أن تحفظ الإسلام في الجزائر وعمل رجالها على تعليم الناشئين وبثّ العلم في صدور الرجال، الذين تمكنوا من  القضاء على  الأمية، حيث أثبتت دراسة أنجزها مكتب دراسات أمريكي في التسعينيات، أن قوة النخبة الجزائرية ارتكزت لسنوات عديدة منذ مطلع الاستقلال على الإطارات التي تكونت في الكتاتيب والزوايا.

نحو خوصصة المدارس القرآنية في الجزائر

أولت وزارة الشؤون الدينية خلال السنوات الأخيرة اهتمامًا خاصًا بالمدارس القرآنية، حرصًا منها على حفظ كتاب الله تعالى الذي كان وما يزال سنَّة حميدة للشعب الجزائري، ونظرًا لأهمية فترة عطلة الصيف في التعليم القرآني، وحث مديري الشؤون الدينية والأوقاف بالولايات أن يولوا لهذا الموضوع الأهمية التي يستحقها لتثمين هذه الرغبة ودفعها نحو الأمام، من خلال زيادة حث المواطنين على استغلال العطلة الصيفية لحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وتكليف معلمي القرآن الكريم والأئمة بمختلف رتبهم بتكثيف مجالس تحفيظ القرآن الكريم عبر كل المساجد والمدارس القرآنية، وأيضًا تسخير الإمكانات المادية والبشرية الممكنة لتسيير هذه العملية وإنجاحها.

وبالنظر إلى المكانة التي أصبحت تحتلها المدارس القرآنية، فكرت وزارة الشؤون الدينية في إعداد مرسوم يمكن الخواص من فتح مدارس قرآنية تمتد من أطوار التحضيري ومحو الأمية إلى غاية الأطوار النهائية وفق دفتر شروط محدد، وستعمل الوزارة من خلال المرسوم على إعادة هيكلة المدارس القرآنية في الجزائر بما فيها الزوايا والكتاتيب سواء المتصلة بالمساجد أو المنفصلة عنها والتي تعرف نوعا من الفوضى، وهذا بسبب غياب قانون يؤطرها إلى جانب عدم توحيد البرامج الدراسية، ما جعل التدريس لا يخضع لقواعد معروفة وانحصر في تحفيظ القرآن فقط.

مشروع إصلاحات تربوية نحو المدارس القرآنية

ومن جهة أخرى تفكر وزارة التربية الجزائرية في الظرف الراهن، في إبرام اتفاقية مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تقضي بإدراج الكتاب المدرسي الخاص بالتربية التحضيرية في المدارس القرآنية، الكتاتيب والزوايا، على أن يتم ضمان انتقالهم إلى السنة الأولى ابتدائي آليًا دون مرورهم على الأقسام التحضيرية، حيث تقرر خلق أطوار تعليمية داخل المدارس ابتداءً من مرحلة ما قبل التمدرس، والتي تضم الأطفال البالغين من أربع إلى خمس سنوات ويقتصر التعليم فيها على حفظ آيات من القرآن، إلى جانب دروس في السيرة النبوية إلى غاية مرحلة النهائي، والتي يتم من خلالها تدريس أحكام التجويد وعلم التوحيد واللغة العربية وحفظ القرآن، حيث يتخرج الطالب بشهادة معادلة للأطوار التعليمية الأخرى. كما سيتم فتح مدارس خاصة بمحو الأمية تقتصر على تعليم أبجديات اللغة العربية وكذا حفظ القرآن.

26 ألف مدرسة قرآنية تنشط على مستوى المساجد

وبخصوص عدد المدارس القرآنية التي تنشط في الميدان، فقد أشارت وزارة الشؤون الدينية في تقرير سابق لها أن عددها يبلغ  26 ألف مدرسة قرآنية، في حين قال رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني يوسف ناحت في حديث لفريق “شبكة زدني”، أن عددها يضاهي بالتقريب عدد المساجد الرسمية المعتمدة.

وبحسب ناحت، فإن هناك مدارس قرانية تنشط في أماكن غير لائقة حيث شرعت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في حملة لتطهير المدارس القرآنية التي كانت تنشط في أماكن ، على غرار تلك المتواجدة في شقق العمارات والمستودعات والأقبية، وتم غلق العديد منها خاصة تلك التابعة لجماعة الدعوة والتبليغ، كون الموقع الذي تتواجد فيه غير لائق لتعليم القرآن.

أكثر من 10 الاف و670 متمدرس في المدارس القرآنية

وبخصوص عدد المتمدرسين في المدراس القرآنية،  بلغ بأقسام التعليم القرآني التابعة لمساجد الجزائر العاصمة 10 الاف و670 متمدرس، بحسب مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر. وذكر مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر السابق لزهاري مسعدي أن عدد المنتسبين إلى مدارس تعليم القرآن المتواجدة على مستوى ولاية الجزائر في تزايد سنة بعد أخرى لحفظ قسط من كتاب الذكر الحكيم.

وأضاف أن عدد أقسام التعليم القرآني التابعة للمساجد بالعاصمة تبلغ 378 قسمًا، موزعة على عدة بلديات ويؤطر هذه المدارس القرآنية التي تضم 378 قسمًا 215 معلمًا منهم 10 معلمات ينتمون إلى سلك قطاع الشؤون الدينية والأوقاف كالأئمة وأعوان السلك الديني الحافظين لكتاب الله.

مطالب باعتماد شهادة حفظ القران كشهادة رسمية

وبالمقابل طالبت النقابة الوطنية للأئمة الجزائريين باعتماد شهادة حفظ القران كشهادة رسمية للدخول إلى  الجامعات، حسبما صرح الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدّينية والأوقاف، الشيخ جلول حجيمي، لفريق “شبكة زدني” فأكد على أن إعادة النظر في الشهادات المعتمدة بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، إلى جانب اعتماد الشهادات التي تقدمها الزوايا ومدارس حفظ القران للدخول إلى الجامعة سيشكل نقلة نوعية في مجال التعليم القرآني في الجزائر، وذلك نتيجة  للدور الذي تقدمه تلك المدارس في الحفاظ على الهوية الوطنية والمرجعية الدينية باعتبارها إطارًا وطنيًا للرد على حملات التطرف والعنف.

Back to top button