صوت المعلم

48 ساعة لإصلاح المنظومة التربوية!

عندما نسمع من يتحدّث عن الإصلاحات في المنظومة التربوية، يتبادر إلى أذهاننا لأوّل وهلةٍ، أن القائمين على شؤون التّعليم في بلادنا، يناقشون مواضيعا مصيريّةً ومهمة، تتعلق بحجم الإنفاق على البحث العلمي، وتوفير السّبل المناسبة، التي من شأنها أن تخرج لنا جيلًا، باستطاعته مواكبة التطوّرات الحاصلة، وإحداث التغييرات اللازمة، لكي تنهض الأمّة من سباتها، وبدلاً عن ذلك، يُشغلون الرأي العام بمواضيعَ سخيفة، ويحتلّون الصفحات الأولى من الصحف بتصريحات غريبة، تجعلنَا محطّ سخريةٍ من العالم أجمع، فيما يستغلّ البعض هذه الدراما المأساوية، ليبث بعض الشائعات هنا وهناك، فينقسم المجتمع بين مُطبّلٍ لإنجازاتٍ وهمية، ومعارضٍ لا تفارق كلماته صفحات الجرائد.
تمخض الجبل فولد فأرًا
إصلاحات عقيمة عمرها اثنا عشر عامًا، يتم تقييمها في يومين! وفي الأخير يتم الوصول إلى أنّ اللّغة العربية ليست لغة علم، وهي قاصرةٌ عن أداء النتائجٍ المرجوة، بعدها يتم وصف طلبة المدارس القرآنية، والمساجد بضعيفي المستوى، رغم تفوقهم في جميع المستويات، وبدلًا عن ذلك، يجب على الطفل أن ينشأ في الشارع، ويتعلم كل الألفاظ السوقية والمصطلحات الهابطة، لكي يتمكن من إتقان اللغة العربية، حال دخوله إلى المدرسة! لأنه يملك رصيدًا لغويًا ثريًا من الكلمات العامية، التي لا تكاد تخلو عبارة واحدة منها، من كلمات دخيلة فرنسية، وكأنّ هناك مشروعًا لاستكمال ما بدأه المستعمر الفرنسي، في حين يتمّ صرف النّظر عن اللغة الفرنسية، واعتبارها لغة علم، وجب تعميمها على المواد العلمية، لتظهر بعدها لغة جديدة، اسمها اللغة العربية المدرسية، والتي تضم مزيجًا من التراكيب العامية والعربية، والتي ستساهم في نظر هؤلاء الخبراء في اكتساب الطفل للغة العربية، وتحكمٍّه فيها مستقبلاً!
جلسات التقييم عرفت حضور خبراء فرنسيين! جاؤوا بفكرة الاستغناء عن مواد مهمة، كالتاريخ والجغرافيا والعلوم الإسلامية، وطرحوا عدم إدراجها في امتحانات البكالويا مستقبلاً! بالمقابل تم اقتراح حذف امتحان شهادة التعليم الابتدائي، والاكتفاء بتقييم مردود التلميذ، خلال السنة الخامسة فقط! ثم يقول قائل: دعوا الوزيرة تعمل، وتوقفوا عن النقد، وضحوا بأبنائكم ليكونوا فئران تجارب، ولا تصدروا أي صوت، فأنتم يا معشر الأساتذة مجرد “خضرة فوق طعام” وعليكم أن تنشغلوا بمواعيد صب الأجور، والبحث عن الترقيات، فالشارع سيربي التلاميذ أحسن تربية، وسيكسبهم اللغة السليمة، فيما تبقى جمعيات أولياء التلاميذ تلتزم الصمت، وتلقي بكل اللوم على الأستاذ، الذي فهم جوهر الرسالة، التي تريد الوزارة إيصالها إلى الأولياء، وهذا نصها:
رسالة إلى ولي أمر
• اترك ابنك بجوار جدّه وجدّته دائمًا، فمنهما سيتعلم أبجدياتِ اللّغة العامية، فهو ليس بحاجة إلى اللغة العربية، في سنوات تعليمه الأولى، وإن استطعت أن تجعله يحبّ اللغة الفرنسية فافعل، فهي رمز التحضّر في نظر البعض.
• لا تُدخل ابنك إلى المدرسة القرآنية، ولا تتحدّث أمامه عن شيء اسمه مسجد، ﻷنّ ذلك سيؤثر على تحصيله الدّراسي مستقبلاً.
• لا تدعه يطلع على جغرافية بلده، ولا تهتم يومًا إن سألك عن التّاريخ، فقط أخبره أنّ المستعمر جاء ليحرّرنا، وعلينا أن نُطيعه فيما أمر.
• لا تدعه يسأل كثيرًا، ولا تطلب منه أن يجهد نفسه، فهو في كلّ الأحوال سينتقل إلى الطّور المتوسّط، مهما بلغ تحصيله العلمي.
• علمه الغشّ مبكرًا، فهو السبيل الأسهل ليصل إلى ما يريد، ودعه يفتخر دومًا بكونه فأر تجارب، يمهّد للأجيال القادمة طريق التقدم.
• أخبره أن الأستاذ يُمكن استبداله، وعلّمه أن يرفع صوته على من يُعلّمه، وكافئه إن أخبرك يومًا أنه اعتدى على معلمه بالشتم والضرب.
• لا تخف على ابنك، فهو بين أيد أمينة، لا يهمّها سوى الزيادة في الأجور، مادامت المهمة فقط صناعة قوالب متشابهة، دون مراعاة للفروق الفردية.
• لا تتعجب إن وجدت ابنك يتكلم بلغة غريبة غير مفهومة، فالقائمون على المناهج اليوم قد اكتشفوا مزيجًا جديدًا من التراكيب اللفظية، أسموه اللغة العربية المدرسية.
• دع ابنك يلبسُ ما يشاء، ويضع قرطا في أذنه ربّما، بل واختر له وشمًا جميلًا، فقط حذّره من الزي الإسلامي، فهو ممنوعٌ في المدارس.
• استمع بشغف إلى مغامراته المدرسية، وخاصّة ما تعلق منها بإهانة معلمه، ونجاحه في الغش، وهروبه من المدرسة، ووفر له الدعم والسند.

عبد الرؤوف جناوي

أستاذ التعليم الثانوي لمادة التربية البدنية والرياضية، متحصل على شهادة الماستر الأكاديمي في التعلم الحركي، مهتم بالتعليم عموما، الحكمة المفضلة عندي دائما “اصمت ودع إنجازاتك تتحدث”
زر الذهاب إلى الأعلى