نظرة على وضع التعليم السوري داخل وخارج سوريا
يعاني التعليم السوري من مشاكل عدة بعد تردي الأوضاع التي أخذت طريقها نحوا الكارثة شيءً فشيء، لكن مبادرات المجتمع المدني بطاقاتها المتواضعة سدت جزء من فجوة التعليم المتمثلة في مشاكل أبرزها غياب البُنى التحتية للمدارس بسبب استهدافها جراء المعارك الدائرة في الداخل السوري، إلى جانب تسرب الطلاب وتخلفهم دراسياً، وتسرب المعلمين المحرومين من التعليم إما بسبب نزوحهم أو اعتقالهم أو منعهم من العمل لأسباب تتعلق بالتعبير عن الرأي.
أمام هذا وذاك يقف المجتمع السوري المدني بِحيرة لمعالجة هذه المشكلات الظاهرة ومنها الباطنة، حيث تتواجد مبادرات عديدة كانت بمثابة العلاج المؤقت ومنها المدارس السورية في تركيا، وتكون هذه المدارس على قسمين، أحدهما مدارس سورية تعطي عدد من المواد التعليمية منها “اللغة التركية”، ويأتي هذا بهدف دمج الأطفال السوريين في المجتمع التركي، وهذه الفئة مجانية نوعاً ما إلا فيما يتعلق بأمور لوجستية كالباصات التي توصل الطلاب لبيوتهم، واللباس وأمور أخرى، ومن أبرز مساوئها هي الضغط على الطلاب بسبب كونها مجانية مما يؤدي لازدياد عددهم في الصفوف وفي الباصات، لكن المشكلة حُلت بعد طلب الحكومة التركية من هذه المدارس معايير معينة أدت للتخفيف من هذه الأزمة أو الحد منها، وهذه المدارس غالباً ما تعود لمنظمات ومؤسسات مجتمع مدني، أو تتبع للائتلاف السوري الوطني.
أما النوعي الثاني من المدارس فهي المدارس الخاصة التي تعود ملكيتها لأشخاص، وهي مأجورة ومكلفة نوعاً ما، وتثقل كاهل الأسرة السورية في المغترب، التي تعاني من عدم استقرار، إلى جانب نقص في الدخل الشهري الذي يذهب لأمور أغلبها مرتبط بالسكن والمعيشة، إلا أنه ومع هذا يسود جو من الاعتقاد لدى بعض الأهالي بأن المدارس الخاصة أفضل لأولادهم من المدارس المجانية.
–
–
ويقول أحمد الذي يعمل كسكرتير تنفيذي في أحد مؤسسات دعم التعليم أن نظام التعليم في المدارس السورية بتركيا بقي كما كان في سوريا، بحيث يتوزع الطلاب على الشعب الصفية، أما المناهج فهي تعود لمصدرين رئيسيين هما هيئة علم والائتلاف السوري الوطني، وكلا الجهتين تأخذ المنهاج السوري القديم وتقوم بتنقيحه وحذف أجزاء منها كالتي تتعلق بالنظام السوري.
ويضيف أحمد أن من أبرز المشاكل التي تعترض المدارس السورية التي تتبع للمؤسسات هو ضعف التمويل، كما أن المنظمات الأجنبية الداعمة تميل لدعم “مؤسسات لديها مدارس تقع داخل سوريا” نظراً لصعوبة الوصول إليها بعكس المدارس التي تتواجد على الأراضي التركية.
ومن أبرز المشاكل التي تعترض مؤسسات التعليم السورية في تركيا هي عدم الاعتراف بشهادة الطالب الصادرة عن “وزارة التعليم الليبية”، كما يصل الأمر لعدم الاعتراف بالمناهج المعتمدة التي قامت هيئة علم والائتلاف بتنقيحها كونها لا تمتلك أساس أو سلطة فعلية قائمة، يتلو هذا مصاعب أخرى أبرزها تأخير الطلاب دراسياً أو “تخلفهم” إن صح التعبير، فهنالك عدد كبير منهم يكون وصل لسن معين وهو يدرس في صف أصغر من سنه بكثير.
بالنسبة للمعلمين أيضاً يواجه قطاعهم العديد من العراقيل منها ضعف الراتب الشهري والذي يبلغ 500 ليرة تركية ما يساوي 186 دولار أمريكي، وهذا عامل يعتبر مشجع أو محبط للمعلم الذي لديه أسرة تعتاش من جهده حسب ماعبر لنا “أمين” والذي يعمل كمنسق في أحد المؤسسات الدولية التي تدعم عدد من المدارس السورية المنتشرة في تركيا.
ويردف أمين قائلاً بأن “غياب السياسات والإجراءات يعد من أبرز المشاكل التي تواجه المدارس التي تدعمها المنظمة، حيث لايوجد في المدارس السورية نظام للإجازات أو نظام للعقوبات”، كما أن حلولاً بديلة أقامتها الحكومة التركية للتخفيف من معاناة هذا القطاع “كمنح المدارس السورية الحق باستخدام مباني المدارس التركية بعد فترات الدوام الرسمي، وهذا الأمر يواجهه مشاكل لا تقل صعوبة عن غيرها، منها أن الطلاب السوريين يذهبون للمدرسة مابين الساعة الـ 3 ظهراً وحتى الساعة 7 مساءً وهو وقت يخف فيه تركيز الطلاب وإنتاجيتهم”، ومن المصاعب التي تُضعف هذا الحل أن المدير الذي سيشرف على المدرسة هو تركي لا يعرف العربية، مما يؤدي لغياب التفاهم بينه وبين كادر المدرسة المكون من السوريين الذين نادراً ما يجيدون اللغة التركية.
–
–
معاذ وهو أب لطفلين في مرحلة الإبتدائي يرى أن “التعليم في المدارس الخاصة جيد، بعكس مدارس الائتلاف والمنظمات كونها تعطي المعلمين رواتب متدنية مما يؤدي لشيء من الإهمال لدى المعلم وبالتالي تعليم سيء”، كما يرى أن شريحة المدارس الخاصة (شبه المجانية) لها إيجابيات عديدة من بينها أن تكلفة التسجيل فيها صغيرة ومقتصرة على أجور التنقلات، كما أن الحصص الدراسية فيها لا تتجاوز الـ 4 ساعات، ويُركز بها على المواد الأساسية المعروفة كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، إلا أن سلبيتها الوحيدة بنظر معاذ هي فترة الدوام المسائي التي تتراوح بين الـ 4 عصراً حتى الـ 7 مساءً.
أما الشريحة الثانية من المدارس (الخاصة) فهي تتميز بأجورها المرتفعة جداً أي أنه ليس بإمكان أي أحد أن يضع أبناؤه فيها، ويرى معاذ بأنها تجارية بحتة، حيث تتقاضى على الطالب الواحد 100 ليرة تركية أي حوالي 37 دولار، وهذه التعرفة منفصلة عن مصاريف الطالب الأخرى التي إن جُمعت ستصل لـ 84$، وهي تختلف باختلاف الطالب حسب مرحلته الدراسية، وتزداد مع ارتفاع المرحلة من صف لآخر.
ما تتميز به هذه الشريحة أيضاً هو اهتمامها بمواد مثل اللغة الانكليزية والتركية، كما تنتظم فيها المذاكرات على مدار السنة، وهي تعتمد بشكل نسبي على التعليم التفاعلي الذي يُدخل المعلومة للطلاب بشكل أسلس من التعليم التقليدي، كم أن لدى هذه الشريحة مساحة أكبر للإبداع وتعتمد معظم مدارسها على سينما مصغرة للطلاب تشرح لهم الدروس من خلال أفلام الكرتون.
أمام هذا وذاك تستمر جهود حثيثة للعناية في قطاع التعليم السوري الذي يعاني الأمريّن، إذ أن ما يزيد عن 35 ألف طالب (رقم تقريبي) في مختلف المراحل الدراسية متخلفين عن التعليم في مدينة عينتاب التركية وحدها وهي المدينة التي تقابل مدينة حلب السورية وتشهد نسبة كثافة عالية من السوريين.
في حين ذكرت دراسة صادرة عن اليونيسف بعنوان “توقف التعليم”، بأن واحدة من بين 5 مدارس في سوريا أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب تعرضها للتدمير أو لكونها باتت ملجأً للنازحين داخل البلاد، كما أن 500 ألف إلى 600 ألف طفل سوري في البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين هم خارج الدراسة مما يشكل كارثة حقيقية عنونتها اليونيسيف بأنها الأسوء في تاريخ المنطقة