إلى متى تبقى مناهج تعليمنا رهينة النظريات الغربية؟
تعاني معظم الدول العربية والإسلامية من مشاكل عديدة في المناهج التعليمية، خاصة في ظل غياب رؤية تربوية واضحة تنسجم والخصوصية العربية الإسلامية، وقد عرف العالم الإسلامي بمطلع الألفية الثالثة تحديات متنامية، وتهديدات متعاظمة، ومستجدات معرفية مؤثرة، كشفت عن قصور الجهود المبذولة من أجل النهوض بالتعليم في بلداننا، وبالتالي الفشل في صناعة الإنسان المسلم.
ويرى الدكتور مصطفى الزباخ، رئيس الأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، وعضو أكاديمية المملكة المغربية، أن أسباب تخلف المناهج التعليمة في العالم الإسلامي، تعود بالأساس إلى اعتمادها في الغالب على نظريات تربوية واجتهادات غربية لا تتماشى في كُليتها مع الخصوصية العربية الإسلامية، مبرزًا أن ذلك أدى إلى ضعف الانتماء الهوياتي عند أجيالنا، وبالتالي، تلاشي جهاز المناعة في معارفنا التربوية والثقافية، والعلمية أمام عواصف المنتجات المعرفية والتهديدات الإيديولوجية الصادرة عن النظام الفكري العالمي، المنمّط للقيم والمهيمن بقوة عولمته وجيوشه واقتصاده. بحسب تعبير المتحدث.
الزباخ خلال مشاركته في الندوة الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء في موضوع “نظرية المعرفة والسياق الكوني المعاصر: التكييفات المرجعية والمستلزمات العملية”. يومي التاسع والعاشر يونيو/حزيران الجاري بالعاصمة المغربية الرباط، أكد أن لا سبيل للنهوض بحقل التربية في العالم الإسلامي إلا بتبني نظرية تربوية إسلامية، تنطلق من الأسئلة الوجودية لأمتنا، من قبيل من نحن؟ ما هي روافد هويتنا الحضارية وذاتيتنا الثقافية؟ لماذا نسبة الأمية مرتفعة في أمة دعاها الله في أول ما دعاها إليه القراءة؟ كيف نبقى أصلاء في غير انغلاق ومعاصرين في غير انصهار؟ أي عقل نبني الفرد على إعماله ؟ وأي حوار واعٍ نقيمه مع ثنائيات مثل، العلم والدين، الهوية والعولمة، الأصالة والمعاصرة، لحماية نهضتنا وشخصيتنا من الاستيلاب والانفصام؟.
إلى ذلك، اقترح رئيس الأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي، نموذجًا للنظرية التربوية الإسلامية، يعرفها بأنها ‹‹منظومة من المفاهيم والتصورات المترابطة التي تروم بناء الإنسان والحضارة، بناءً يكون فيه صالحًا مع خالقه وعالمه ونفسه من خلال رسالتها التعبدية ووظيفتها التنموية والإنسانية المستندة إلى ثوابت المصادر الإسلامية الصافية والمستجدات الحضارية الإيجابية››.
وتستند نظرية الزباخ في مرجعيتها على القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، والتراث الإسلامي العلمي، وتراث الإنسانية الإيجابي، موضحًا أن الرغبة في التأسيس لنظرية تربوية إسلامية ليس مردها إلى محاولة الانغلاق على الذات، بقدر ما هو عمل يروم الاستقلال عن النظريات الغربية التي جربناها ولم تنتج إلا أجيالاً فاقدة للبوصلة.
ووجّه الدكتور مصطفى الزباخ انتقادات للنظريات التربوية الغربية، لخصها في ثلاث مكامن قصور كبرى:
أولاً: كونها تعتبر الفعل التربوي مجرد منتوج اجتماعي، يعكس آليا آمال مجتمعيه الآنية في سلمه وحربه، حيث يصبح فيها المجتمع مرجعًا للأخلاق (أفلاطون، كونت، دوركايم..إلخ)..
ثانيًا: الرؤية الأحادية، التي تُعنى بالبعد الواحد في تنمية القدرات البشرية كالقدرات العقلية عند الديكارتية، والبيولوجية عند المجتمعات السبارطية، والروحية في الثقافة الكنسية، والأخلاقية في الأفلاطونية والكانتية، والمادية عند الماركسية، وهذه كلها لم تعتني بالبناء الشمولي والمتكامل للأبعاد المتهددة للإنسان.
ثالثًا: كون المعرفة التربوية تخلت، في ظل مصادر المعرفة المادية والتكنولوجية، عن رسالتها ببعديها التعبدي والقيمي..
من جهة أخرى شدد الأستاذ الزباخ على أن غياب الوعي بمنظومة النظرية التربوية الإسلامية في خططنا التعليمية، ومشاريعنا التنموية والحضارية، يشكل أساس البناء الحضاري لأمتنا غير المستقيم. وسوم التدوينة