دراسات علمية ينبغي على المعلمين والآباء معرفتها – الجزء الثاني –
على مر السنوات السابقة أدرك العلماء أهمية دراسة عملية التعلم، وقياس العوامل التعليمية المختلفة التي من شأنها أن تؤثر في مستويات الطلاب بجميع المراحل، وكل يوم تقريبًا، ينتج الباحثون لنا عددًا لا بأس به من الدراسات التي تتحدث عن تلك التأثيرات، والتي يمكن من خلالها تطوير عملية التعلم سواء بشكل فردي نابع من رغبة المعلم ذاته، أو بشكل جماعي نابع من الإدارة نفسها.
ورغبة منا أيضًا في عرض تلك الدراسات بشكل مبسط ومفهوم، نكمل معكم سلسلة “دراسات علمية ينبغي على المعلمين والآباء معرفتها“ بالتحدث عن ثلاثة أبحاث علمية أخرى توضح مدى تأثير بعض العوامل المختلفة في عملية تعلم الطلاب.
الدراسة الأولى: تطوير المناهج الجامعية بشكل مستمر يحسن مستويات الطلاب
إن كنت طالبًا جامعيًّا أو درست بها من قبل، لتجِبْ عن هذا السؤال بصراحة، ما هو عُمر المنهج الدراسي الذي تدرسه؟ ومتى تم تحديثه آخر مرة؟
حسنًا.. إن كان عمره عشرين عامًا على الأقل فأنت شخص محظوظ، لكنك محظوظ بالنسبة إلى أولئك البئيسين الذين يدرسون مناهج من القرن الماضي، وفي الحالتين يعد الأمر سيئًا للغاية!
في دراسة مدتها أربعة سنوات، وجدت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس أن تحديث المناهج للطلاب بشكل مستمر، يُسهم في زيادة نجاحهم الأكاديمي، ويقول الباحثون أن نتائج دراستهم الطويلة ينبغي أن تساعد في تشجيع أعضاء هيئة التدريس والإدارة، على إنشاء دورات مبتكرة لطلابهم وتكييفها ودعمها.
على مدى العقود القليلة الماضية تعلم علماء الأحياء أن أكثر الطرق فعالية لتدريس علم الأحياء هي الابتعاد عن الفصول الدراسية القائمة على المحاضرات، وأن تكون أكثر شمولًا للطلاب في مختلف التخصصات، وفي ذات الوقت إعطاء انتباه أكثر إلى المناهج التي تركز على دفع الطلاب للاكتشاف العملي كعنصر حاسم في عملية التعلم.
وقال “سوان يانج“ أستاذ مساعد في علم الأحياء بجامعة ولاية نيويورك:
“يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لكي تعتمد البرامج والمؤسسات التغييرات المنهجية، لكن بسبب الدليل القوي على طرق أفضل في تدريس علم الأحياء، قررنا دمجها في منهج دراسي مبتكر، حيث يتصارع الطلاب فيه مع قضايا أكبر وأكثر تعقيدًا، ويحاولون حل المشكلات باستخدام الأفكار والبحث في جميع أنحاء علم الأحياء بطريقة تكاملية“.
وقد قام يانج إلى جانب أربعة من زملائه، بإعداد دورة تمهيدية بعنوان “Integrating Biology with Inquiry”، بحيث تقوم بتدريس منهج الأحياء في تسع وحدات نموذجية لـ 724 طالبًا، يشرحها 13 عضوًا في هيئة التدريس على مدار أربع سنوات.
وقال “تارين شو“ وهو مؤلف مشارك في الدورة ومحاضر في علم الأحياء بجامعة أوكلاهوما:
“بينما يعمل الطلاب في كل وحدة، يقومون بدمج معرفتهم الناتجة من بحثهم الشخصي أثناء تقدمهم في الدورة، وأحد الأمثلة على ذلك هو أن الطلاب سيدرسون نظام المناعة، وإيكولوجيا النمو السكاني، والتأثير المشترك للمنهجين في تطور الأمراض، وهذا الشكل يأخذ الطلاب من مستوى دراسي فردي، إلى مستويات مدمجة تساعدهم على ربط وفهم أكبر للمناهج“.
وأضاف:
“هذا يختلف كثيرًا عن الفصول الدراسية التقليدية، حيث إن منهج (IBIS) لا يتعلق فقط بتعلم المفاهيم البيولوجية ولكن كيف تدرسها، وكيف يكون لديك فضول حولها، وكيف تطرح الأسئلة، وكيف تستخدم معرفتك لاكتشاف المزيد“.
علاوة على ذلك أشار “جيفري غريم“ وهو الأستاذ المساعد في جامعة “تامبا“، إلى أن هناك حاجة إلى تقييمات متعددة لقياس تعلم الطلاب، فبجانب الاختبارات السابقة، قمنا أيضًا بإجراء دراسات استقصائية واسعة النطاق في محاولة لفهم ما إذا كان الطلاب يربطون أي تعلم اكتسبوه مع المنهج الذي اختبروه بأنفسهم.
ونتيجة لذلك حققنا نجاحًا في كل مكان، حيث وجدنا أنهم حصلوا على مكاسب تعلم جيدة، ووجدنا أيضًا أنه بمرور الوقت، تطورت قدرات الطلاب على إدراك مدى فهمهم لما يتعلموه بما يبحثون عنه بأنفسهم.
وأضاف غريم أيضًا:
“الجزء الثاني من القصة هو أن التغيير يتطلب بعض الوقت وهو أمر صعب، ولقد أثبت الخبراء ذلك الأمر في نظرية التغيير المؤسسي، لكن تجربته بشكل مباشر كانت مفيدة لنا، لأننا أعضاء هيئة تدريس فرديين يحاولون إجراء تغييرات في الطريقة التي نقوم بتدريسها“.
في العموم أفاد الباحثون أن جميع التحليلات تظهر أن هناك بعض المقاومة في البداية عندما واجه الطلاب تغيير المناهج الدراسية، ولكن بعد أربع سنوات، عندما أصبحت القاعدة في جميع أنحاء الجسد الطلابي، تم تبني نجاحها بشكل كامل من قبل الطلاب أنفسهم.
وهنا عقَّب يانغ مرة أخرى وقال:
“لقد عملنا بجد كل عام من أجل تحسين الدورة، سنقوم بتقييم المقرر ومعالجة أي قضايا حددها الطلاب، فعندما نكون في خضم ذلك، نميل إلى التركيز على ما نحتاج إلى تحسينه بدلًا من اتباع منهج محدد لا يمكن التعديل فيه“
ونتيجة لهذا البحث يشير الباحثون إلى أن أعضاء هيئة التدريس الذين يرغبون في إجراء تغييرات يجب ألا يترددوا، ولكن يجب عليهم أن يدركوا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت.
الدراسة الثانية: استخدام الملاحظات الصوتية المسجلة في التعليم العالي يمكنه أن يكون مفيدًا
هل تقوم بتسجيل المحاضرات بشكلٍ صوتي وسماعها بعد ذلك في المنزل؟ أبشر، هناك دراسات حديثة تشير إلى أنه من خلال استخدام الملاحظات الصوتية المسجلة في التعليم العالي، يمكنه أن يجعل عملية التعلم أكثر استرخاء للمتعلمين والمعلمين، كما يقلل من عبء العمل الخاص بهم عقلية وجسدية.
تعد التعليقات السمعية المسجَّلة إحدى طرق التعلم التي تزداد شعبية، لا سيما في عصر التعليم الإلكتروني، ويمكن تعريفها على أنها دروس تجميعية يتم تسجيلها وتوزيعها من قبل الأكاديميين في صورة ملفات صوتية رقمية للمتعلمين الفرديين أو مجموعات المتعلمين.
وهذا ما توصلت إليه دراسة تم إجراء فيها تجارب استخدام الملاحظات الصوتية المسجلة في جامعة “يوفاسكولا“ في كلية تكنولوجيا المعلومات وفي جامعة “تامبيري للتكنولوجيا“.
استنادًا إلى خبرات المعلمين الأكادميين، توصلوا إلى أنه قد يكون بإمكانهم تزويد المتعلمين بمزيد من الارتياح والفهم، على سبيل المثال يمكن للأكاديميين استخدام نبرة صوتهم لإضافة دلالات يمكنها أن تكون داعمة، مفيدة، حاسمة، تحفيزية أو تحاورية. بهذه الطريقة يشعر المشاركون بالاسترخاء عند التحدث مع متعلميهم بعد ذلك، كما يمكنهم أن يجدوا المتعة في عملية التعلم.
في الوقت ذاته يعتبر الأمر مفيد للأكادميين أيضًا، حيث يقللوا من عبء العمل الخاص بهم عقلية وجسدية على حد سواء، فبدلًا من استخدام اللغة الأدبية ووقوف ساعات من الشرح والإلقاء، يمكنهم ببساطة شرح أجزاء معينة من المنهج في تسجيلات صوتية، وإرسالها للطلاب عبر البريد الإلكتروني.
وتفيد تلك الطريقة إلى أنها ليست مفيدة على جوانب الفهم والمتعة وتوفير الجهد الجسدي فقط، بل أنها أيضًا مفيدة من ناحية الجوانب التنظيمية للوقت، حيث أبلغ المشاركون عن توفير 30٪ إلى 50٪ من وقتهم عند اتباع تلك الطريقة في التعلم.
وفقًا للدراسات السابقة فإن معظم المتعلمين لديهم موقف إيجابي شامل تجاه تلك الطريقة، ومع ذلك، يجب العلم بأنها تصلح للتطبيق بشكل جزئي، وليس بشكل كامل على عملية التعلم كلها.
الدراسة الثالثة: أماكن جلوس الطلاب قد تحدد مستوياتهم
تعتبر المحاضرات أساسية في عملية التعليم العالي، وفهم كيفية تفاعل الطلاب وتعلمهم داخل بيئة مسرح المحاضرات أمر أساس للتعلم الناجح، وفي دراسة جديدة نشرت في دورية “FEBS Open Bio”، فحص الباحثون أسباب الطلاب لاختيار مقاعد معينة في قاعة المحاضرات، وكيفية ارتباط أماكن الجلوس تلك بأداء الطلاب.
فضَّل العديد من الطلاب أن يكونوا قادرين على الجلوس مع أصدقائهم، بينما كان آخرون أكثر اهتمامًا بجذب انتباه المحاضر أو تجنبه.
بعض الطلاب اختاروا المقاعد التي تسمح لهم برؤية المحاضرين والاستماع إليهم بوضوح، بينما اختار آخرون المقاعد التي يمكن الاختفاء عن الأنظار فيها بسهولة، بحيث تجعلهم يشعرون بقدر أقل من القلق.
وما النتائج؟
حسنًا تميل مجموعات الصداقة التي جلست بعضها مع بعض إلى تحقيق درجات مماثلة، بينما كان الطلاب الذين كانوا يجلسون وحدهم عند الحواف يحصلون على دراسات ربما أسوأ من المتوسط، وبالحديث عن أولئك الذين جلسوا في أماكن بها رؤية وسماع جيد للمحاضر، استطاعوا أن يحققوا نتائج ممتازة وجيدة.
لكل طالب تفضيلاته الخاصة، ورغم ذلك تعد دراسة الأمر أحد الأمور الهامة، حيث يمكنها أن يتمكن المحاضرون من استخدام هذه النتائج لتقديم المساعدة للطلاب القلقين على سبيل المثال، أو دعم تعلم الطلاب الذين يفضلون الجلوس مع أصدقائهم من خلال تشجيع التفاعلات بين تلك المجموعات المختلفة، وتلك الطرق بالضرورة يمكن أن يكون لها دور كبير وفعال في تطوير مستويات جميع الطلاب.