رياض الأطفال: نحو ولادة أفكار نادرة وفريدة ومبدعة
شهد العراق ولا يزال ظروفًا غير طبيعية أثرت وانعكست على واقع رياض الأطفال فيه، ففي الوقت الذي حظى موضوع تنمية الابداع والابتكار باهتمام العالم، ترى الباحثة العراقية “كلثوم عبد عون ردام” في بحث لها عن “أثر برنامج تدريبي في تنمية التفكير الإبداعي عند أطفال الرياض” والذي تقدمت به لكلية التربية للبنات، بجامعة بغداد، بأن هنالك محاصرة لنمو التفكير الابداعي لدى أطفال العراق في مرحلة الرياض، متمثلة في المجال البيئي وما يتضمنه من متغيرات تعوق الابداع والتفكير الابداعي.
ومن خلال جولاتها الميدانية والمشاهدات الفعلية للباحثة، تلمست بعض الأمور مثل “الإهمال الشديد لبنايات الرياض، والتعليم القائم على التلقين والحفظ، وغياب البرامج والأنشطة التي تشجع النمو الابداعي، إذ أن بعض رياض الأطفال لا تعدو كونها أماكن أُعدت لإيواء الأطفال في أثناء غياب أمهاتهم في العمل، ومن ثم فلا يوجد اهتمام بالبرامج التي تحقق أهداف الرياض حيث تقتصر الخبرات الحالية في رياضنا على التحفيظ والتلقين فقط، فضلاً عن استهانة المعلمات في الرياض بأفكار واسئلة الأطفال وتجاهل أحاديثهم وقلة إتاحة الفرص لهم للتعبير عن أفكارهم بحرية، وربما التعامل بقسوة في بعض الأحيان، واستخدام الأسلوب التسلطي معهم”؛ كل ذلك برأي الباحثة يشكل عقبة حقيقية تحول دون نمو تفكير الطفل الإبداعي.
مرحلة الإبداع
تشير الدارسة إلى أن “مدة ما قبل المدرسة تستمد من كونها المدة الحاسمة التي يتطور فيها النمو اللغوي سريعًا، ويتم حوالي (50%) من النمو العقلي خلالها، ويتمتع الطفل فيها بقدر كبير من خصوبة الخيال، وتكشف هذه الفترة عن القدرات الابداعية وإمكانية تنميتها، كما أن الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة له القابلية على اكتساب المعلومات، لذا فتوافر البيئة المزودة بالخبرات السليمة للمرحلة العمرية يضمن خلق طفولة سليمة، وكان أعظم وصف لدور البيئة في تربية الطفل قول الله عز وجل (والبلد الطيب يخرج نبـاته بـأذن ربـه، والذي خبث لا يخرج الا نكدا)”.
وتفيد الدراسة بأن مرحلة ما قبل المدرسة تسمى بمرحلة الإبداع، “فهي مرحلة تجميع وتبديل لقدرات الابداع، ومرحلة السؤال والاستكشاف، فمن خلالها يتوق الطفل إلى بيئته، ويقوم بتجريب ما حوله من أدوات ليستكشف هذه البيئة ويلقي العديد من الأسئلة والاستفسارات ليثري معرفته بها”.
وتورد الدراسة بأن معظم علماء النفس أكدوا على أنه لكي يسير النمو العقلي في مرحلة رياض الأطفال في طـريقه الصحيح، فـإنه يجب توفير بيئة مشجعة يتفـاعل فيهـا الطفل مؤثرًا ومتأثرًا وبغير ذلك لن نتوقع نموًا عقليًـا سليمـًا يرضي المجتمع، فإذا كـانت البيئة التي يعيش فيهـا الطفل مرنة تحترم حرية الطفل في التفكير والتعبير فإن حرية التفكير والتعبير هذه ستشكل انطـلاقة نحو نمو التفكير الإبداعي لدى الأطفال. فالأطفال في الأعمار من (3 – 5) سنوات يمتلكون قدرة طبيعية في التوصل إلى إجابات مبدعة واستثمار المواد لإنتاج أكثر ابداعية.
وعليه فإن الإبداع وبحسب ما تراه الباحثة “يحتاج إلى اثراء في المعلومات والخبرات يستمدها الفرد ليوظفها في إنتاج أشياء جديدة، فكلما استطعنا أن نزود الأطفال بالخبرات والمعلومات كلما زاد عدد المبدعين وتوسع حجم الابداع”.
وتورد الدراسة بأن العلماء أكدوا على أن صغار الأطفال يتمكنون من التعلم في ظروف وشروط معينة بدرجة أعلى من الكبـار الذين قد يصعب عليهم تعلم خبرة تعليمية بأسلوب لم يتدربوا عليه من قبل، أمـا صغـار الأطفـال فيمكنهم تعلم أي خبرة تعليمية بسهولة ويسر كمـا يكون تعلمهم أكثر جـودة وإتقـانـًا من تعلم الكبـار لها، بحيث يمر الأطفال في هذه المرحلة العمرية بتحولات معرفية واسعة”.
وتذكر الباحثة بأن “بول تورانس” الذي كرس معظم حيـاته لدراسة الإبـداع يرى بأن “التفكير الإبداعي لدى الطفل ينمو بشكل سريع في السنوات المبكرة من عمر الطفل وإذا لم يلق الإبداع الرعـاية الكـافية فـي أثنـاء هـذه السنوات قد لا يتطور أبدًا في المستقبل ويشير إلى أن التفكير الابداعي إذا لم يشجع في مرحلة ما قبل المدرسة فان تشجيعه بعد ذلك لن يكون مجديًا”.
وتورد الدراسة بأن العلمـاء في مجـال الإبداع سعوا إلى توجيه بحوثهم نحو المراحل العمرية الأولى للإنسان أن نمو القدرة على التفكير تبدأ في مرحلة ما قبل المدرسة ويمكن توجيه هذه القدرات توجيهـًا منطقيًا، وتنميتها بإتجاه الإبداع في الأفكار الذي يؤدي إلى التنوع في أيجاد حل للمشكلات وبالتالي تنمو لديه قدرات التفكير الإبداعي.
التفكير الإبداعي
وبحسب الباحثة فأن أهمية دراستها تأتي “من أهمية موضوع التفكير الإبداعي الذي صـار لغة العصر الحديث (العصر المعلوماتي) حيث انتقل اهتمام علماء النفس من دراسة الشخص الذكي إلى دراسة الشخص المبدع والعوامل التي تسهم في إبداعيته، ولما للتفكير الإبداعي من دور كبير في تطوير المجتمع الحديث ومجتمعنا أحوج مـا يكون إلى أن يفكروا أبناءه تفكيرًا إبداعيًـا يواكب التقدم الحـاصل في العصر الحديث، إذ أن تشجيع وتنمية أي نوع من أنواع الأداء اللفظي الإبداعي هي مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع وأن رعاية المبدعين منذ الطفولة تعد من العوامل المهمة في تنمية الموارد البشرية”.
وتعتقد الباحثة بأن “تشجيع النشـاط الإبداعي عند الطفل يعطيه الفرصة لاكتشاف إمكانياته وقدراته لأن التعليم التقليدي لا يسمح بنمو استقلالية الأفكـار وحدتهـا فهو يسمح كثيرًا بالتكرار، فتشجيع النشـاط الإبداعي يخلق في الطفل الاعتمـاد على النفس والمثـابرة ويعوده الحمـاس، فـالشخص المبدع يجب أن يمتلك خلفية غنية بالمعرفة والخبرات العلمية فـي المجـال الذي يبدي فيه اهتمامًا متميزًا”.
وتشير إلى أن “تنمية الإبداع وأتباع الأساليب العلمية تتجه في معظمها إلى التدريب على توليد الأفكار ومن هنا جاءت أهمية التدريب لأن الإبداع إذا لم تتوفر فيه شروط الإنمـاء والاستمرار منذ مرحلة الطفولة قد يندثر ويسير بالإتجـاهـات التي لا تتناسب مع حاجات المجتمع وتطلعاته”.
وتورد الدراسة بأن الغالبية العظمى من البحوث والدراسـات فـي مجـال تنمية التفكير الإبداعي تستند على أساس “أن القدرات الإبداعية هي نوع من المهـارات يمكن تنميتهـا وتحسينها عن طريق التدريب أي إنه بتوفير البيئة والظروف الملائمة والنشاطات التدريبية الفنية والحسية المختلفة نستطيع أن نرعى الإبداع فالأطفال لا يستطيعون أن يفكروا تفكيرًا إبداعيًـا إذا افتقدوا إلـى الخبرات الضـرورية فـي طفـولتهم المبكرة”.
تنمية التفكير الإبداعي
وعن دور معلمة رياض الاطفال ومبادراتها في تنمية التفكير الإبداعي في رياض الأطفال، تفيد الباحثة بأن “برامج رياض الاطفال ونشاطاته اليومية وأهدافه التربوية والتعليمية لا يمكن انجازها إلا عن طريق معلمة مختصة وواعية لاحتياجات الطفولة المبكرة ومتطلباتها الأساسية والفاهمة لدور التربية في مرحلة رياض الاطفال، ولم يقتصر دور المعلمة على إيصال المعلومات إلى المتعلمين فقط إذ أن طبيعة العملية التعليمية تحتاج إلى قيام المعلمة بتهيئة الجو التعليمي والمسير بالمتعلمين نحو تحقيق الأهداف المرجوة من التعليم وتشجيع الأطفال على المشاركة وتحفيزهم علـى التفكير والإبداع”.
وترى الباحثة بأن “المعلمة الناجحة هي التي تعتمد أسلوب الحوار والمناقشة في شرح الدروس فديننا الإسلامي الحنيف كان سباقًا في استخدام هذا الأسلوب في تربية العقل وتنميته، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ).” وتفسر الباحثة بأن هذه التساؤلات التي ترد في القران الكريم هي في الغالب لأثارة العقل نحو التفكير والتأمل وما هي إلا دعوة لاستعمال العقل والتفكير والتصور بما يسهم في تنميته فلا تنمية في ظل الأساليب العفوية التقليدية.
وتعتقد الباحثة بأن “المعلمة المبدعة هــي التي تحرص علـى تهيئة جو وجداني نحو الفكرة أو الموضوع أو القصة التي تقدمها للأطفال لأن اندماج الطفل في الفكرة سيجعله يفكر ويشعر ويعبر وبالتالي يعمل ذلك على استثارة حواس الطفل”.
وتفيد الدراسة بأنه ومن أجل تحقيق هدف تنمية التفكير الإبداعي فإنه “يجب عـدم الانتقاص من أي جهد إبداعي للطفل، وأن لا يسمح للأطفال بالضحك أو الازدراء من جهود وأعمال غيرهم لأن ثمة ما يحيط عملية التفكير الإبداعي هو شعور الطفل بالإحباط من قبل المعلمة أو من زملائه لذا فعليها أن تشجعهم كلما دعت الحاجة إلى ذلك فحين يشجع الأطفال وتقدم لهم الأدوات والوسائل التي تلزمهم وتمنحهم الفرصة للقيام بحل المشكلات فأن ذلك يفسح المجال نحو ولادة أفكار نادرة وفريدة ومبدعة”.
وترى الباحثة بأنه ومـن أجـل إطلاق القدرات العقلية الكامنة لـدى الاطفال فـإنه “يجب مساعدتهم على الاحتكاك مع المؤثرات البيئية الملائمة لمرحلتهم العمرية والتركيز على الاأشطة والفعاليات المتنوعة التي تنمي لديهم القدرات الإبداعية”.
وتورد الدراسة بأن نتائج الدراسات تفيد بأن تنمية الإبـداع يتم في البيئة المدرسية إذا توافرت في المعلم الخصائص الآتية:
1- الاهتمام بالأطفال بوصفهم أفرادًا لكل منهم قدراته واهتماماته وميوله.
2- أن يكون موجهًا ومعلمًا لأطفاله يتيح لهم حرية التعبير والعمل وأوجه النشاط التي تفيد في تنمية تفكيرهم.
3- أن يساعد الأطفال على التفكير في المستقبل وفي الأشياء الغريبة وغير المألوفة.