في ظل الكورونا التعليم عن بعد في غزة .. بلا كهرباء أو إنترنت!
أجبرت جائحة كورونا آلاف الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة على إنجاز عامهم الدراسي وفقًا لواقع جديد يتلاءم مع معايير الوقاية والسلامة ومنع التجمعات للوقاية من فيروس كورونا الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف وإصابة الملايين.
ولجأت المؤسسات التعليمية في قطاع غزة لاستخدام تجربة التعليم الإلكتروني والوسائل الإلكترونية عن بعد، في محاولة منها للتواصل مع طلبتها وإتمام الفصل الدراسي خصوصًا الجامعات والكليات وبعض المدارس الخاصة.
أما المؤسسات التعليمية التابعة للحكومة بغزة أو تلك التي تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
“أونروا“، فاستخدمت هي الأخرى تجربة الأنشطة التفاعلية المنزلية بين الطلبة والمدرسين باستخدام مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي.
ورغم ذلك فإن وزارة التربية والتعليم قررت أن يتم احتساب نتائج العام الدراسي وفقًا لنتائج الفصل الدراسي الأول بالإضافة لنتائج أول شهرين من الفصل الدراسي الثاني فقط وعدم احتساب الأنشطة التفاعلية ضمن المعدل العام.
القلق والخوف يسيطران على التجربة الجديدة:
الطالبة وعد أبو زاهر كانت من بين آلاف الطلبة في غزة الذين اضطروا للتعامل مع هذا الواقع الذي لم يكن مألوفًا كثيرًا في سابق السنوات بالرغم من أنها تدرس في إحدى جامعات التعليم المفتوح التي تتخذ من التكنولوجيا وسيلة أساسية في التدريس.
وأحدثت هذه التجربة شيئًا من القلق والخوف في بدايتها لوعد قبل أن تتمكن من التأقلم عليها بمرور الوقت كونها الوسيلة الوحيدة المتوفرة لإتمام دراستها وإنهاء الفصل الدراسي وإكمال كافة متطلبات التخرج من جامعتها.
الخوف والقلق الذي راود الشابة الفلسطينية تبدد شيئًا فشيئًا حيث تقول لـ “فريق زدني“: “إن تجربة الاعتماد على التعليم الإلكتروني بديلًا للتعليم التقليدي المتبع والمعروف طوال سنوات الدارسة كانت جديدة وكان في البداية الخوف مُسيطرًا على مختلف الطلبة”.
وتعتقد أن هذه التجربة سلاح ذو حدين فجوانبها الإيجابية بالنسبة لها هو توفير الوقت والجهد حيث كانت مرتاحة أكثر لإنجاز الدراسة، أما النواحي السلبية فكانت بفقد عنصر المشاركة وعدم الخبرة الكافية بالمواقع الإلكترونية التعليمية.
وإلى جانب ذلك فإنها ترى أن مستقبل التعليم الإلكتروني سيتعزز في السنوات المقبلة إلى جانب التعليم الوجاهي إلا أنه من الصعب الاستغناء عن التعليم التقليدي على الأقل داخل قطاع غزة في المرحلة الراهنة لاعتبارات عدة.
تعليم بلا كهرباء ولا موارد مالية:
فيما يخالف الطالب غازي المجدلاوي سابقته؛ إذ بدى غاضبًا من هذه التجربة التي فرضها الواقع عليه وعلى زملائه نتيجة لعدم الجهوزية الكافية للجامعات والمدارس في قطاع غزة وما سببته من أزمات وضغط نفسي وزمني.
السلبية كانت الوصف الذي أطلقه الشاب المجدلاوي على تجربته في التعليم الإلكتروني الجامعي خلال الفصل الدراسي الأخير كونه اقتصر على أدوات ووسائل بديلة تتنافى مع ما اعتاد عليه هو ونظرائه من الطلبة خلال السنوات الماضية.
ومن أبرز العوامل السلبية التي ذكرها الشاب لـ “فريق زدني“ ضعف شبكة الإنترنت في فلسطين وعدم قدرة خوادم الشبكات الخاصة بالجامعات على تحمل كم هائل من الطلبة في وقتٍ واحد، وهو ما تسبب في مشاكل أثناء تقديم الاختبارات القصيرة أو حضور المحاضرات.
وأتم قائلًا: “الكثير من الطلبة لا يمتلكون أجهزة حاسوب أو حتى شبكات إنترنت داخل منازلهم والكثيرون منهم كانوا يلجؤون للذهاب لزملائهم وأقاربهم لتقديم الاختبارات القصيرة أو المشاركة في الأنشطة التفاعلية مع المحاضرين“.
وإلى جانب ذلك كان تأخر توقيت طرح الاختبارات وتزامنها في بعض المرات مع انقطاع التيار الكهربائي كان يتسبب في رسوب الطلبة وعدم إتمامهم للاختبارات بالشكل المطلوب، وهو ما أحدث إشكاليات أكبر من إشكاليات التعليم التقليدي.
تحول إجباري دون استعداد!
أما عن المعلمين والأكاديميين فلم يخلُ الأمر بالنسبة لهم من تسجيل الملاحظات تارة والتذمر تارةً أخرى من الواقع الصعب لهذه التجربة كون الأمر كان فجائيًّا وغير مخطط له بشكل مسبق إذ لم يخضع المعلم أو الطالب للتدريب الكافي للتعامل مع مثل هذه التجربة.
ومن بين المعلمين الذين عايشوا هذه التجربة معلمة اللغة الإنجليزية إسراء محمد في إحدى مدارس غزة الخاصة التي رأت التجربة من زاويتين، زاوية إيجابية لكونها واكبت الحداثة والتكنولوجيا وزاوية سلبية بسبب عدم إحسان التعامل مع التطبيقات والمنصات العلمية.
وتحدثت المعلمة إسراء لـ “فريق زدني“ عن تجربتها الشخصية في التعامل مع طالبتها قائلة:
“التجربة من الناحية الإيجابية كان بها نوع من مواكبة التكنولوجيا الحديثة عبر تطبيقات مختلفة، بالإضافة لخلق نوع من التواصل ولو لفترة بسيطة ومحدودة بين المعلم والطالب، وتواصل الطالب مع المادة العلمية في ظل عدم التمكن من الدوام المدرسي بسبب جائحة كورونا والإجراءات المتخذة“.
أما من الناحية السلبية فإن بعض الطلاب لم يحسنوا التعامل مع التطبيقات والمنصات العلمية، وكان هناك اهتمام من قبل عدد قليل من الطلاب والطالبات بالمتابعة والتفاعل مع المدرسين والأنشطة التي قررت المدارس تفعيلها.
وأسهم إعلان وزارة التربية والتعليم أن ما يتم بثه إلكترونيًا لا يمتحن فيه الطالب إلى استهتار الطالب بشكلٍ عام وعدم اهتمامهم بالتعليم الإلكتروني بمجمله، وأسهم في جعل التفاعل من قبل الطلبة مع التعليم الإلكتروني بشكلٍ ضعيف.
وتتفق المعلمة إسراء محمد مع سابقيها في أن عدم توفر الإنترنت عند جميع الطلاب، وعدم وجود أجهزة لجميع الطلاب لمتابعة ما يتم بثه، وعدم توفر الكهرباء وانتظام جدول التوزيع تعتبر من العقبات التي واجهتها هذه التجربة.
رغم الصدمة .. تجربة تستحق التأمل:
وليس ببعيد عن المدارس سجلت تجربة الأكاديمي الفلسطيني سامي عكيلة هي الأخرى من خلال عمله في إحدى الجامعات المحلية بغزة العديد من الملاحظات بين الإيجابية والسلبية وبين تصور يمكن البناء عليه في المستقبل.
ويعتقد المحاضر الجامعي عكيلة في حديثه لـ “فريق زدني“ أن هذه التجربة كانت في حيز الإجبار وليس الاختيار فالجميع كان أمام واقع جديد وبالتالي سُحبت الجامعات والمدارس نحو التعليم الإلكتروني رغمًا عنها بسبب جائحة كورونا التي عصف بالعالم.
ويضيف: “التعليم الإلكتروني ليس جديدًا وهو مطروح على صعيد الجامعات الفلسطينية والعربية منذ فترة ليست بالبسيطة، ولكن سابقًا كان طرفًا، ويتعامل معه المدرسون والطلبة والإدارات الجامعية معاملة زهدية، وفي السابق لم ينجح التعليم الإلكتروني ولم يتغلغل بالشكل المطلوب والذي يستحقه وفقًا للمعطيات الحديثة والتطور التكنولوجي، فالجميع لا يتعامل مع هذا الواقع بما يليق به، وبالتالي كان التعليم الإلكتروني ديكورًا تقدمه الجامعات من أجل الحصول على اهتمام ما، فكل التجارب كانت سابقًا فاشلة وغير مقنعة أبدًا“.
ورأى عكيلة أن جائحة كورونا دفعت بالجميع للتحول نحو التعليم الإلكتروني عبر تحول جاد واضطراري؛ إذ تعامل معه الجميع معاملة الأمر الواقع وكان مطلوبًا من الجميع أن يسبح في هذا المحيط للخروج ببر الأمان وإنهاء العام الدراسي.
وسجل عكيلة بعض الملاحظات على المؤسسات الجامعية من ناحية استطاعة البعض امتصاص الصدمة والتعامل مع هذا الواقع والنجاح إلى حدٍ ما في العبور بهذا الفصل لبر الأمان وفشل البعض الآخر في التعامل مع الصدمة.
غير أن ما جرى حاليًّا على صعيد المؤسسات الجامعية، وحتى المدارس كان لصالح التعليم الذي قفز قفزة واضح أنها ستكون للأمام وتعليم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، بالرغم من التحديات وعنصر المفاجأة الذي تعرضت له منظومة التعليم ككل، بحسب عكيلة.
التحركات الحكومية:
أما حكوميًّا فبدى الأمر مختلفًا بعض الشيء إذ شهدت السنوات الأخيرة تفعيلًا لبعض الوسائل التكميلية للتعليم التقليدي المتبع مثل استخدام الإذاعات أو المنصات الإلكترونية ومواقع الإنترنت لتوفير المزيد من الوسائل المساعدة للطلبة.
ويتحدث مدير عام العلاقات العامة والإعلام في وزارة التربية والتعليم بغزة معتصم الميناوي لـ “فريق زدني“ أن وزارته سارت في اتجاهين الأول يتمثل في تكثيف التعليم المحوسب وعن بعد من خلال التجربة التي بدأت قبل سنوات.
وبحسب المسؤول في وزارة التربية والتعليم فإن الاستعدادات كانت قائمة بشكل مسبق لمواجهة أي طارئ ليس فقط من أجل جائحة كورونا، بل بسبب الأوضاع والخصوصية الخاصة بغزة مثل الاجتياحات والحروب المتلاحقة وإمكانية انقطاع الدوام المدرسي.
وقامت الوزارة بإنشاء إذاعة التربية والتعليم وبوابة روافد التعليمية وجرى وضع خطط خاصة بهاتين الوسيلتين من خلال شرح وافٍ للمنهاج بشكل مصور للمراحل الأساسية من الصف الأول الدراسي وحتى الصف 11 أو الثانوية العامة التي جرى إنشاء غرف صفية من خلال “google class room” من أجل مساعدة الطلبة.
وعن الصعوبات التي رصدتها الوزارة، ذكر أن عدم تمكن الطلبة من امتلاك التكنولوجيا وشبكة الإنترنت شكلت عائقًا وتحديًا، مشددًا على استحالة الاستعاضة بالتعليم الالكتروني على حساب التعليم الوجاهي التقليدي الذي اعتاد الطلبة عليه.
واستكمل قائلًا: “هذه التجربة فرضتها جائحة كورونا وتجربة التعليم الإلكتروني تبقى مكملًا للتعليم الوجاهي التقليدي الذي من الممكن أن يجري تطويره مستقبلًا بصورة أفضل مما هو عليه الآن عبر تدعيم التكنولوجيا بطريقة أكبر“.
وينتظر آلاف الطلبة أن يعودوا لمقاعد الدراسة للعام المقبل بعد أن جرى إنهاء العام الدراسي الحالي وفقًا للآلية التي اتبعتها وزارة التربية والتعليم والجامعات والكليات المختلفة على أمل أن ينحصر وباء كورونا وألا تكون هناك المزيد من الإصابات.
مقالات ذات صلة: