لا تقصوا أجنحتهم…
حين يولد الطفل صفحة بيضاء لديه من الغرائز ما يدفعه لاكتشاف الحياة وتَعلمِ ما يحتاج إليه من مهارات وخبرات، تمكنه من العيش والبقاء والنمو، نجدُ أنّ الكثير من الأهالي تقيد هذه الطاقة وتحجمها وتمنعها من العمل والتطور..
مكتشفون لا مخربون
فنجد بعض الأمهات تترك الطفل في العام الأول مسجونًا لساعات في كرسيّ، أو تضع حوله سياج لا يسمح له بالخروج واللعب خارجه، ولكنّ الطفل غالبًا إما يكسر هذا القيد وينطلق نحو الحرية بأضعاف الطاقة التي كان سيفرغها لو أنّه ترك ليلعب، أو يستسلم ويضعف ويفقد الاهتمام والشغف في اكتشاف الأشياء والتواصل معها والتفاعل مع المحيط فيصبح لا مباليًا بالمتع التي حوله لكثرة منعه وتحجيم اكتشافه..
لذلك حين نتعامل مع الطفل بمبدأ أنه مكتشف يدفعنا ذلك لأن نوفر له الأماكن والأدوات التي يريدها ليمارس هذا الاكتشاف فيستمتع بأصوات الملاعق حين تتحرك في القدر، ويفهم العلاقة بين الأشياء فالملابس مكانها في الخزانة والألعاب في أدراجها وهكذا…، وأن هذا حاد وهذا جارح وهذا ساخن وهذا بارد، فيتعرف على المحسوسات والملموسات ويشب سريعًا بعد أن يكتفي من إشباع شغفه واكتشافه نحو اكتشافات أخرى أكثر عمقًا وتحليلًا.
إنها فترات قصيرة ستنتهي حتمًا بوصول الطفل للنضج ولن تعد تغريه الأدوات وصنبور المياه والألوان وغيرها فإن نحن أحسنّا تعليمه وإشباع تلك الغريزة فيه نشأ سويًا قويًا ذكيًا متفتح الأفق واسع الذهن، وهذا هو الاستثمار الأمثل لعقلية الطفل..
قبل بضعة أعوام شكت إحدى الصديقات من ابنها الذي يكثر من تكسير الألعاب وقد خافت أن يكون ذلك سببًا لمشكلة نفسية وسارعت لتسأل أهل التربية عن ذلك، وهذا من الخوف الذي يمارسه الأهالي بحق أطفالهم حين يتعاملون معهم كمخربين وقد طمأنها التربويون بأن هذا الأمر طبيعي جدًا ولا داعي للقلق والحذر والخوف، منذ أيام تحكي ذات الأم عن ابنها الذي أصبح يفكك كل لعبة ثم يعيد تركيبها من جديد وقد وجدت لديه ميولاً شديدة للتعرف على الكهرباء وكيفية توصيلها وقد وجدت باب موهبته الحقيقية..
لعل هذه القصة وأمثالها تكون حافزًا للأمهات الجدد في تخفيف الملاحقة والضغط ومنع الطفل من التجول في المنزل وأنه من الأفضل أن نهيء المنزل للطفل لا العكس، ليكون المنزل صالحًا للبحث والتطور وحقل التجارب الأول وينطلق منه لفهم معاني الكون الكبيرة من بيئته الصغيرة ..
لا تقصوا أجنحتهم
نسمع يوميًا الكثير من عبارات التربية، افعل ولا تفعل..، يتشربها الأهل ويتغنون بفكرة التربية بالحب فيقعون في فخ وصول الأبناء لمرحلة المياعة والدلال وعدم شكر النعمة وربما وصل الحال إلى العدوانية والتسلط وينشأ لدينا طفلٌا ضعيف الشخصية هشٌّا لا يقاوم الحياة، اعتماديّ على غيره وينتظر منهم الاهتمام به وتدليله وإلا سيغضب منهم ويحطمهم..
وقد بحثت عن حلول لهذا الأمر فكانت بين من يقوي قلبه ويترك لابنه أن يتعلم ولو صاحب ذلك بعض الألم والانكسار والتعب والإجهاد على الطفل، وبين من يحميه من كل أذى ويمنع عنه كل ألم فينمو ضعيفًا منكسرًا من تلك الحماية الزائدة ..
لفت انتباهي خلال البحث كلمة نقلت عن والد ملالا أصغر فتاة حاصلة على شهادة نوبل الذي قال:
” لا تسألوني عما فعلت لها، اسألوني ما الذي لم أفعل. أنا لم أقص أجنحتها هذا كل ما في الأمر”
وبقيت أفكر طويلاً:
كيف يمكننا أن نربي أبناءنا دون أن نقص أجنحتهم؟
وكيف تنمو شخصياتهم قوية تقاوم الكسر والضعف والعواصف القوية؟
ووجدت أن إجابة هذا السؤال تطول وتطبيقها يحتاج لعزم وقوة من المربين ..إليكم بعض القواعد الأساسية لينمو طفلك قادرًا على الإبداع والتحليق:
- يحتاج أن لا نضعف فنترك الحبل على الغارب ليتشرب الطفل كل ما حوله دون توجيه أو تعليم أو حكمة.
- يحتاج أن نهتم بزرع القيم والمبادئ والأفكار الصحيحة مع حزم في تنفيذها متوازيًا مع تركهم يمارسون الحياة التي يختارونها ولو عارضت أو خالفت بعض قناعاتنا الشخصية.
- توفير بيئة تنمي الإبداع ولا تقتله وتشجع الفرد ولا تحبطه.
- أن نضع لهم بعض العوائق ونترك لهم المحاولة لتخطيها ولا نقدم المعرفة التلقينية وحسب بل يجب أن يصحبها التطبيق العملي.
- أن نهتم بأسئلة الطفل والإجابة عليها ونوسع له مداركه وقدراته ونساعده في تعلم البحث والتجربة عبر الوسائل العصرية المتاحة.
- أن لا نقارن أبنائنا بغيرهم، سواء نطقنا ذلك أو عقدنا المقارنات الخفية في دواخلنا.
- أن نتقبلهم كما هم وليس كما نريد ولا نضع لهم سقفًا مصنوع من أحلامنا ليتخطوه ونجبرهم عليه فإن لم يصلوا له فليسوا بمبدعين ولا منتجين.
- أن نعلم الطفل كيف يلعب وكيف يختار قصصه ويطبق تجاربه، ونصطحبه نحو العالم الخارجي للمعارض والمحافل العلمية ونحفزه بقصص المتميزين والمبدعين.
- وأخيرًا علينا أن نسعد بحركة الطفل فهي تساعده على تعدد معارفه ومصادره وصداقاته وتُكيّفَه مع الأصدقاء ويلهمه التواصل مع الكبار والتفاعل معهم ويوسع أفقه ومداركه..