تحقيقات زدني

الحرب في اليمن تضاعف معاناة التعليم .. والحديدة مأساة مستمرة

كان حلم ابتسام ذات الأربعة عشر ربيعًا أن تكون أول فتاة من قريتها تكمل دراستها الجامعية، لكن أوضاع الحرب في الحديدة هَدَّمَتْ كلَّ الأحلام، وافتقدت ابتسام للبسمة في وضعها الجديد مع عائلتها، لقد أصبحت نازحة الآن تعيش مع شقيقاتها الأربع وثلاثةٍ من الأشقاء في دكان! ولم يعد تفكير ابتسام يطمح إلى أن تكمل مرحلتها الإعدادية، بل كل تفكيرها كيف تساعد والدتها على توفير متطلبات الأسرة المتواضعة، إنها واحدة من مآسٍ عدة، صادرت الأوضاع حقهن في التعليم.


فمنذ أربعة أعوام واليمن تشهد حربًا مستمرة في الكثير من المحافظات، وعلى الرغم من جهود السلام التي دعت إليها الأمم المتحدة إلا أن مؤتمرات السلام كانت تنتهي دون أن تُوقف الحرب وينتهي نزيف الدماء.

آثار الحرب توسعت، ولم تقتصر على الجانب الاقتصادي أو الجانب الصحي، وإن كانت هناك مآسٍ مؤلمة في هذه الجوانب إلا أن الجانب التعليمي كان الأشد تأثرًا على طول سنوات الحرب التي شهدتها البلاد.

كانت الإحصائيات التي حصلت عليها صادمة جدًّا، إضافة إلى مأساة أشخاص عانَوا كثيرًا، وحرموا من حقهم في مواصلة التعليم.

إن مشاكل التعليم مأساة مستمرة في اليمن منذ عهد الرئيس السابق “علي عبد الله صالح“، فإلى جانب تدني مستوى التعليم كانت الأمية حاضرة، وجودة التعليم في أدنى مستوى بحسب تقارير للمنتدى الاقتصادي العالمي، وما فعلته الحرب أنها فاقمت تلك المشكلة ووسعت جوانبها.

الأبعاد النفسية للحرب أثرت بشكل كبير في الطلاب في المدارس، وتجاذبات أطراف النزاع والصراع الفكري كان له تأثير أيضًا، والكثير من الطلاب توقفوا عن التعليم بسبب الأوضاع الاقتصادية التي فرضتها الحرب، إضافة إلى تعطل بعض المدارس وتحولها إلى أماكن للنازحين من مناطق الصراع، أو إلى ثكنات عسكرية.

التعليم مشكلة مزمنة حتى قبل الحرب في اليمن

منذ عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح (تنحى عن الحكم عام 2011 إثر احتجاجات شهدتها عدد من المدن اليمنية ضمن ما سمي “الربيع العربي“)، والتعليم هو المشكلة الأبرز التي تعاني منها اليمن، فالأمية نسبتها تتجاوز 62% بحسب دراسات بحثية، إضافة إلى تردي المستوى التعليمي، وعدم تغطية المخرجات التعليمية لسوق العمل، ورغم انتهاء حكم صالح فإن المشكلة التعليمية لم تغب بغياب الرئيس السابق، بل انتقلت كمرض مزمن في عهد الرئيس عبدربه منصور هادي والذي تسلم السلطة من يد الرئيس السابق وفقًا لمبادرة أشرفت عليها دول الخليج.

يتحدث الأستاذ محمد القاولي وهو مدير مكتب تربية سابقًا ويعمل حاليًا مستشارًا في وزارة التربية والتعليم، بقوله أن التعليم هو المشكلة الحاضرة في كل أنظمة الحكم المتعاقبة على اليمن، ففي عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم تكن نتائج التعليم بالآمال المعقودة، فظلت العملية التعليمة تشتكي من تأهيل المعلمين، وكذلك من الأمية المرتفعة، إضافة إلى قلة عدد الفصول المدرسية ورداءة مخرجات التعليم في العديد من محافظات الجمهورية.


ويتابع أنه كانت كل التعيينات تتم عن طريق الحزب الحاكم، ويتم تهميش الكفاءات مما أدى إلى تدهور في العملية التربوية وظهور خلل كبير في مخرجاتها ولم يقتصر هذا العبث على التعليم الأساسي والثانوي فقد طال التعليم الجامعي والأكاديمي؛ مما أدى إلى اختلال كبير في مخرجاته، وعدم تلبية سوق العمل وزاد من البطالة في صفوف الشباب الخريجين، وغُيب دور التوجيه والتقييم التربوي ومبدأ الثواب والعقاب.

ويضيف القاولي بأن مجال التعليم قبل الحرب كان يأخذ من إجمالي الإنفاق العام المتوسط لميزانية الدولة نسبة تقدر بحوالي 14.3 %، ورغم ذلك إلا أن هذا المبلغ لم يكن كافيًا لتحسين جودة التعليم وتجاوز المشكلات التي رافقت التعليم خلال تلك الفترة، وخلال أكتور 2013 كشف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر أن اليمن تحتل المرتبة 145 بين 148 دولة في مستوى جودة التعليم!

وقبل أن تشهد اليمن الحرب بلغ عدد الملتحقين بالمدارس أكثر من 5 ملايين ومائة ألف طالب وطالبة في العام الدراسي 2012/2013 مسجلين فيما يقارب 17 ألف مدرسة تضم أكثر من 136 ألف فصل دراسي.

في حديث مع الأستاذ “عبد الرحمن حسان“ (عمل في المسيرة التعليمة منذ ثلاثين عامًا وشغل مناصب عده ويعمل حاليًا موجهًا تربويًّا في وزراه التربية)، أكد أن التعليم كان يعاني من عدد من المشاكل قبل الحرب تتعدى وجود اثنين مليون طفل خارج المدارس، لتطال حتى المتواجدين داخل المدارس والذين كشف المجلس الأعلى لتخطيط التعليم أنهم يفقدون 2.409.903 حصة في العام الدراسي الواحد.

وأضاف أن الدولة في السابق اعتمدت على خريجي المعاهد العلمية (مرحلة ما قبل الجامعة)؛ لسبب قلة المعلمين في تسعينيات القرن الماضي، ولأن خريجي المعاهد العلمية لم تكن لديهم تلك المهارات التعليمية التي قد يملكها من تخرجوا في الجامعات؛ فقد كانت نتائج التعليم بأدنى مستوى، وهذا الظرف أسهم في تدني جودة التعليم في السابق، رغم محاولة الدولة تأهيل خريجي المعاهد العلمية، إلا أن الكثير بقي دون تأهيل خصوصًا مدرسي الأرياف“.

في الواقع فإن كل التقارير والبحوث تتحدث عن مشكلة التعليم في اليمن منذ عقود، وقد برز ترهل أداء المدارس وضعف جودة التعليم في اليمن من خلال دراسة أجرتها الحكومة الأمريكية وأعلنها مدير الوكالة الأمريكية للتنمية هيربرت سميث خلال تدشين حملة «أنا أقرأ» التي نفذتها وزارة التربية والتعليم نهاية سبتمبر 2013، حيث أكدت الدراسة أن تلاميذ الصف الثالث غير قادرين على قراءة كثير من الكلمات، وهو وضع لا يمكن السكوت عليه في بلد يعاني «62 %» من سكانه أمية قرائية.

وتتعزز مشكلة التعليم في اليمن من ضعف الأداء إلى نقص الإمكانيات، حيث يوجد في اليمن 61 ألف مدرسة، عشرة آلاف منها غير مكتملة بحسب إحصائية أطلقتها وزارة التربية نهاية نوفمبر من العام 2013، وقال وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالرزاق الأشول حينها: إن 660 مدرسة في البلاد عبارة عن «عشش وصفيح».



الحرب ومضاعفة مشكلة التعليم في اليمن

إذا كانت الإحصائية السابقة وأعراض المشكلة تمثل تهديدًا كبيرًا لعملية التعليم قبل الحرب، فكيف سيكون الوضع أثناء الحرب؟

بالطبع هذا ما حاولنا الوصول إلى إجابة وافية له، إضافة لعرض مشكلات التعليم وتأثر العملية بشكل عام بعوامل الحرب التي تشهدها البلاد منذ سيطرة مسلحي الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.

في مارس 2015 تم الإعلان عن تحالف عربي تقوده السعودية، يهدف إلى إعادة سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، تبعات الحرب أحدثت أثرًا مباشرًا في التعليم في اليمن، فوفقًا لتقرير نشرته اليونيسف، فإن هناك نحو ٤،٥ مليون طالب في اليمن حُرِموا من مواصلة التعليم في عام ٢٠١٧.

وذلك نتيجة لإضراب المعلمين الذين يطالبون بمرتباتهم التي لم تدفع منذ أكثر من عامين.

أما عدد الطلاب الذين لم يحضروا المدارس في عام ٢٠١٥ بلغ ٢,٩ مليون طالب، في حين أن ١,٨ مليون طالب تسربوا من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة.

وأضاف التقرير أن آلاف الطلاب مهددون بالتسرب من الدراسة في حال لم يحصلوا على المساعدة، مما يعني أن ٧٨٪ من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية وفقا لدراسة أجرتها اليونسكو في عام ٢٠١٥.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة بلغ عدد المدارس المغلقة بسبب تضررها كليًّا وجزئيًّا بشكل مباشر واستضافتها للنازحين أكثر من 1100 مدرسة.

أما أحدث تقرير لليونيسيف وهو الذي صدر في مارس 2018 فقد أكد التقرير أنه ما يزال قرابة ثلاثة أرباع معلمي المدارس الحكومية غالبيتهم في شمال البلاد دون مرتبات منذ ثمانية عشر شهرًا مضت وهذا يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لقطاع التعليم. حيث أدى ذلك إلى تعطيل الدراسة.

إن أوضاع الحرب وانقطاع رواتب المعلمين أسهم في معاناة التعليم في اليمن، فالكثير تحول للبحث عن عمل آخر، يستطيع من خلاله توفير متطلبات المنزل، فالدولة لا تصرف للمعلمين رواتبهم طيلة فترة الحرب الماضية، ورغم ذلك فإن المعلم في اليمن كان له دور بطولي باستمراره في عملية التدريس رغم عدم حصوله على راتبه منذ سنوات، ولكن الحصص الدراسية قلت، فالمعلم يحضر بعض الحصص الدراسية، ثم يغادر المدرسة ليمارس عمل آخر يكسب من خلاله ما يعول به أسرته.

بحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف فإن 66% من المدارس في اليمن تضررت بسبب الحرب، فيما 27% من المدارس أغلقت، و7% من المدارس تستخدم لإيواء الأسر النازحة من مناطق الصراع، أو تحتلها جماعات مسلحة.

كل هذا أدى إلى تعطيل العملية التعليمية وأسهم في ارتفاع عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس من 1.6 مليون قبل الحرب إلى مليوني طفل اليوم بزيادة تصل إلى 20%.

ومن المناطق التي تأثرت العملية التلعيمة فيها هي محافظة تعز؛ فخلال العامين الماضيين كانت من أكثر المدن التي تضرر فيها التعليم، فقد كشف تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام التربوي في محافظة تعز عن إغلاق 1400 مدرسة جراء الحرب وانقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية منذ سبتمبر عام 2014.

التقرير أشار إلى أن 78% من المدارس المغلقة متضررة بشكل جزئي أو كلي و22% محتلة عسكريًّا أو تستخدم لإيواء نازحين، وأن هذه المشكلة أدت إلى تراجع نسبة الالتحاق بالتعليم بنسبة كبيرة مقارنة بالعام 2016 ما أسهم في زيادة عدد الأطفال خارج المدرسة.

وخلال العام الحالي 2018 بعد سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا على مناطق واسعة في تعز، وانخراط بعض الجماعات المسلحة في الجيش، عادت الحياة تدريجيًّا إلى المدارس في تعز، وعاد عدد من المعلمين لممارسة مهامهم التعليمية، خصوصًا مع التزام الدولة بصرف رواتب المعلمين نهاية كل شهر في تعز، منذ مطلع العام الحالي وبداية العام الدراسي الجديد.

الحديدة مأساة مستمرة

لقد كانت الحديدة تعاني من أوضاع التعليم، وإهمال الدولة منذ ما قبل الحرب، وضاعفت الحرب مشاكل التعليم، وزاد تأثيرها خلال الحرب الأخيرة في المدينة، فقد دمرت عددًا من المدارس، وأغلقت أخرى، ونزح عدد من المواطنين؛ هربًا من جحيم الحرب.

تقع محافظة الحديدة غربي اليمن، وتمثل موقعًا استراتيجيًا ذا أهمية كبرى، كما أن ميناء الحديدة يعد شريان الحياة لبقية المناطق اليمنية.

وتتكون محافظة الحديدة من 26 مديرية شهدت كل من مديرية (حيس–التحيتا–الدريهمي–الخوخة) عمليات عسكرية خلال العامين الماضيين سيطرت الحكومة المعترف بها دوليًا على أغلب هذه المديريات، وما زالت تتعرض هذه المدن لاشتباكات متقعطة بين الطرفين.


منذ سيطرة الحوثيين على الحديدة في العام 2014 فإن المعلم والطالب تأثر بالاضطرابات التي حدثت بالمدينة بوجود سلطات جديدة في المدينة، تحمل توجهات مختلفة، ولها أهداف جديدة.


في فبراير من العام 2017 شهدت الحديدة احتجاجات لعدد من المعلمين الذين طالبوا بصرف رواتبهم، ولكن سلطات الأمر الواقع في الحديدة والمتمثلة بالحوثيين هددت بإجراءات عقابية لمن يستمر بالاحتجاجات.

يحدثنا مسؤولون في العملية التعليمية عن تأثر عملية التعليم بالوضع الجديد في المدينة، فقد استهدف المعلم والمدرسة والطالب، فهناك عدد من المعلمين تم اعتقالهم بسبب خلفيتهم الحزبية، وتم استغلال المدارس لعملية التجنيد ورفد الجبهات، وأخذ الطلاب إلى جبهات القتال.


الأستاذ علي أبو الحيا وهو مدير مدرسة القعقاع بن عمرو وهي أكبر مدرسة في مركز مدينة حيس جنوب الحديدة، يبلغ من العمر 50 عامًا، تعرض للاعتقال من قبل مسلحي الحوثي، أمام طلابه وعانى من التعذيب في المعتقل الذي بقي فيه لمدة أربعة أشهر.

بحسب الأستاذ علي أبو الحيا فإن ست مدارس كبرى تقع في مركز مدينة حيس وهي:

1.مدرسة القعقاع بن عمرو (أساسي – ثانوي) للذكور فقط.

2.مدرسة الوحدة (ثانوية) للذكور.

3.مدرسة النهضة (أساسي) للذكور.

4.مدرسة حفصة (أساسي) للبنات.

5.مدرسة 7 يوليو(ثانوية) للبنات.

6.مدرسة خولة (أساسي– ثانوي) للبنات. 

جميع هذه المدارس لا يوجد فيها تدريس، وثلاث منها تحولت ثكنات عسكرية وهي (القعقاع بن عمرو، وخولة، والنهضة) وما تبقى من المدارس تقع في خط النار، وأكثر المدارس تضررًا هي مدرسة القعقاع بن عمرو التي تقع في منطقة الاشتباكات.

وعن قصة معاناته وتعرضه للاعتقال يحدثنا الأستاذ علي أبو الحيا عن قصته بنبرة تأسف وحزن قائلًا: “بالمختصر المفيد أقول وبالله التوفيق لقد وئد التعليم ودفن تحت التراب يوم أهين المعلم، واستبيح عرضه وصودرت حقوقه.

واعتقل القائد التربوي المحنك والمعلم الناجح وزج بهما في سجن مظلم، مرعب. وتعرض لكل أنواع التعذيب ومنهم من قضى نحبه تحت التعذيب ومنهم من ينتظر ومنهم من فقد عقله وشلت حركته وأصبح مقعد على السرير والسبب التعذيب“.

وعن تأثير عملية التعليم بما يحدث للمعلم يؤكد أبو الحيا بسبب ما سبق خلت المرافق التعليمية من التعليم وأصبحت المدارس ميدانًا يخلو من العلم.

ولم تكن المدارس خالية من تأثير الوضع الجديد إذ يحدثنا أبو الحيا أن التعليم حصر في الشعارات وتحول نشاط المدارس من شعر وفن ومسرح ورياضة بدنية وإبداع ومواهب تصلح الفرد وتخدم المجتمع إلى نشاط حزبي عدائي صناعة موت وخراب ودمار، كيف يصنع قنبلة وصاروخ وطائرة من الورق؟ وغرس مبدأ التفرقة والعداوة في نفوس الطلاب.

وعن علاقة استهداف المعلم أمام طلابه بنفسيه الطلاب يقول الأستاذ علي “حينما يرى الطالب مديره ومعلمه ومربيه يهان أمام عينه في فصله ومدرسه يُضرب ويُسحب ويسب ويشتم ويأخذه من لا يعرف قيمته ورميه في سيارة مجهولة إلى مكان مجهول انقسم الطلاب إلى أقسام، القسم الأول هرب وترك المدرسة، والثاني تأثرت نفسيته، والثالث ترك حقيبته وقلمه وكراسته وكتابه وأخذ الجعبة والبندقية على ظهره وذهب إلى المعارك بلا رجعة“.

لقد عاش المعلم معاناه كبيرة في الحديدة، يؤكد “طارق سرور“ نقيب المعلمين في الحديدة أن قيادة النقابة وكوادرها من أوائل من اعتقلتهم جماعة الحوثي في الحديدة، حتى بلغ عدد المعلمين المعتقلين ٢٠٠ معلم من مختلف مديريات المحافظة ما زال ٦٥ معلمًا منهم قيد الاعتقال والإخفاء القسري إلى الآن؛ حيث تم إخفاؤهم في معتقلات سرية ومنع الزيارة عنهم، بالإضافة إلى ممارسة شتى أنواع التعذيب عليهم ومنهم من فارق الحياة تحت التعذيب مثل سليمان علي حمود عضو اللجنة النقابية بمديرية برع الذي قضى تحت التعذيب في أحد سجون الحوثيين بمديرية المراوعة، ومنهم من خرج من المعتقل مصابًا بإعاقات دائمة.

مديرية حيس التاريخية والحضارية التابعة لمحافظة الحديدة تقع بجنوب المحافظة وتبعد عن مدينة الحديدة مركز المحافظة 136 كم ويبلغ تعداد سكانها 65000 نسمة من 14000 أسرة وتشمل مدينة حيس وثلاث عزل ريفية، وهي عزلة ربع الحضرمي وعزلة ربع السوق وعزلة ربع المحل مكونة من 45 قرية وتتوزع بالمديرية 44 مدرسة.


يحدثنا الإعلامي محمد الشلي وهو ناشط إعلامي من محافظة الحديدة عن معاناة طلاب وطالبات مدينة حيس، حيث يقول: “توقف التعليم للعام الثاني الدراسي على التوالي منذ تحرير المدينة في الخامس من فبراير 2018 وسيطرت قوات الشرعية على المدينة مما أدى إلى تمترس مسلحي الحوثي حول المدينة من أغلب جهاتها وقصفهم  المتواصل على منازل المدنيين الأهلة بالسكان والمرافق الصحية والتعليمية، مما أدى إلى توقف عمل كل المرافق الخدمية“.

وقوع بعض المدارس بالمدينة قرب خط التماس الملتهب على بعد حوالي 200 متر من أماكن تمركز وتمترس مسلحي الحوثي مثل مدرسة القعقاع بحارة بني هبيت ومدرسة القادسية بحارة السبعة وتتوزع 6 مدارس في حارات المدينة وجميعها متوقفة عن التعليم وتتعرض لقصف يومي من مسلحي الحوثي، وأغلبها مدمرة جزئيا ويبلغ عدد حارات المدينة أكثر من 25 حارة، والحال ينطبق على العزل التابعة للمديرية توقف التعليم للعام الدراسي الثاني على التوالي ونزوح أعداد كبيرة من الأهالي حوالي أكثر 60 %.

يبلغ عدد الطلاب والطالبات بمديرية حيس المحرومين من الدراسة لعامين دراسيين 13082 طالبًا وطالبة حسب إحصائية بداية عام 2017 موزعة كالتالي منها 11519 طالبًا وطالبة في التعليم الأساسي منها 6434 ذكور و 5085 إناث، وفي التعليم الثانوي 1536 طالبًا وطالبة منها 979 ذكور و 585 إناث، وحوالي 2000 طفل وطفلة لم يلتحقوا بالدراسة خلال فترة توقف التعليم.

وعن الحلول المطروحة لإنقاذ التعليم في المدينة، يؤكد مدير عام مديرية حيس ورئيس المجلس المحلي الأستاذ مطهر القاضي بأن الفترة القادمة سيتم تفعيل الجانب التعليمي والتربوي بالمديرية، بإيجاد البدائل المتفق عليها من قبل وزارة التربية والتعليم ومديري مكاتب التربية بالمحافظة والمديرية، وممثل منظمة اليونيسيف حيث سيتم إنشاء مخيمات تعليمية للدراسة للمرحلتين الأساسية والثانوية في مناطق أمنة تابعة لمديرية الخوخة، وتحت إشراف إدارة التربية والتعليم بالمديرية، وسيستقبل المخيم التعليمي الطلاب والطالبات المتواجدين بمدينة حيس والنازحين إلى مناطق مديرية الخوخة وستتكفل منظمة اليونيسيف بتوفير المواصلات والتنقل من حيس إلى الخوخة، وأردف القاضي بأنه سيتم ترميم وتأهيل المدارس المتضررة بشكل جزئي على مراحل، تتوافق مع عملية التحرير، وناشد الناشط بالمجال الإنساني بكيل النهاري أحد أبناء حيس الجهات المعنية وممنظمة اليونيسيف بسرعة استئناف التعليم في أقرب وقت ممكن وعدم المماطلة في إنشاء المخيم التعليمي بالخوخة، أو إيجاد بدائل مناسبة.

وتابع بقوله: “نتمنى أن يوفر المخيم التعليمي كل ما يلزم الطلاب والطالبات من زي مدرسي وأدوات قرطاسية متكاملة؛ نظرًا للظروف المادية الصعبة التي يمر بها الأهالي المتواجدون بمدينة حيس، والنازحون المتواجدون في الخوخة“ وعبَّر النهاري عن حزنه الشديد من توقف التعليم لعامين دراسيين متتالية ومن الخوف والهلع الذي يشعر به أطفال مدينة حيس من القصف العشوائي الذي تمارسة جماعة الحوثي على مدينة حيس.

تسببت الحرب الدائرة في الحديدة بحرمان العديد من الطلاب من حقهم في التعليم، فبحسب تقرير لليونيسف فإن أكثر من 60 ألف طفل في مدينة الحديدة الساحلية في اليمن يحرم من المدارس، بسبب القتال في المدينة وما حولها، بعد أن أجبر العنف أكثر من ثلث المدارس على إغلاق أبوابها.

وقالت المنظمة إن 15 مدرسة تقع على الخطوط الأمامية، فيما دمرت مدارس أخرى أو أصبحت تستخدم لإيواء الأسر النازحة.

واضطرت المدارس التي تعمل بنظام الفترتين الدراسيتين، إلى تخفيض عدد الساعات الدراسية في الصباح.

وأضافت المنظمة: “في المناطق الأكثر تضررا في الحديدة، يتمكن طالب واحد فقط من بين كل ثلاثة من مواصلة التعليم، ولا يوجد بالمدارس سوى 25% من العدد الإجمالي للمعلمين.

ولم يتلق معظم العاملين في مجال التعليم في اليمن رواتبهم منذ أكثر من عامين، كما اضطر الكثيرون إلى الفرار بسبب العنف أو البحث عن فرص كسب الرزق في مناطق أخرى.“

المنهج الدراسي جزء من الحرب في اليمن

لم يكن المنهج الدراسي في عزلة عن الصراع في اليمن، فقد كان جزء من الحرب التي تخوضها الأطراف اليمنية، فالمناطق التي تخضع لسلطة الحوثيين، سارعت فيها الجماعة إلى إحداث تغيير في المناهج التعليمية، وأدخلت فيها أفكارها وشعاراتها، المناوئة للحكومة اليمنية وللتحالف العربي، وفي المناطق الجنوبية لا سيما تلك الخاضعة لسيطرة جماعات ممولة من دولة الإمارات، فقد حضرت شعارات الانفصال في المنهج التعليمي.

إن هذا الصراع أثر تأثيرًا كبيرًا في العملية التعليمة في اليمن، وأدخل الطلاب والمدرسين في بيئة الصراع الفكري، وخوف أولياء الأمور أن يتأثر أبناؤهم بالأفكار الجديدة، وحصلت أزمة بسبب إعادة طباعة الكتاب المدرسي، وأصبح الطالب ينهي سنته الدراسية بكتب مستعارة.

واستغلت جماعة الحوثي دعم المنظمات العالمية في مجال التعليم وتحديدًا برنامج الشراكة العالمية التي تشرف عليه منظمة (اليونيسيف)، لإعادة طباعة الكتاب المدرسي، حيث مولت المنظمة مطبعة الكتاب في صنعاء بألف طن من الورق ومستلزماتها، مع أن اتفاق الحكومة مع المنظمة، قد نص على طباعة الكتب دون إجراء أي تعديلات، وقد استدعت الحكومة «اليونيسيف» واحتجت على تمويلها للحوثيين الذين أدخلوا أفكارهم في الكتب الدراسية الجديدة، وأبلغتها أن هذا العمل غير مقبول وطالبتها باتخاذ موقف حازم.

وفي سبتمبر 2017م أعلنت الحكومة اليمنية أنها أتلفت المناهج التي تم تعديلها من قبل الحوثيين قبل وصولها إلى مدارس بعض المحافظات اليمنية، وقال وزير التربية والتعليم عبد الله لملس، قوله: “الوزارة حرصت على بقاء المناهج الدراسية القديمة، وإتلاف كل المناهج التي استحدثها الحوثيون في المناطق المحررة … واعتمدنا لهذا العام الكتب المطبوعة عام 2014 للتدريس في جميع المدارس، وسنستمر في طباعتها بمطابع الكتاب المدرسي“.

وفيما يخص التعديلات التي أدخلها الحوثيون قال لملس: “التغييرات استهدفت مواد مرتبطة بالجوانب العقدية، كاللغة العربية، والقرآن الكريم، ومواد التربية الإسلامية، والتربية الاجتماعية، فيما لم تشهد المواد العلمية أي تغيير ولا تطوير“.

فيما بقيت المناهج في مناطق سيطرة جماعة الحوثي كما عدلتها، دون إتلاف.

لا جدال أن التعلیم الجید ينهض بالأفراد والمجتمعات والدول والعالم، وانعدامه یولد الفقر والمجاعات والإرهاب والدمار، باعتباره ركيزة الدولة ومنطلق البناء والتنمية، وحجر الزاویة وركنها.

ومن الملاحظ أن مشكلة التعليم في اليمن مشكلة مزمنة، تضاعفت آثارها بسبب أطراف الحرب في البلاد، وقد تكون اليمن بحاجة إلى مراجعة أولوياتها بشكل كامل، لكن من الخطأ أن توضع قضية التعليم في إطار خانة الاهتمامات الضمنية، بل يجب أن تحتل مسألة التعليم أهمية استثنائية في بلد ينشد السلام وإعادة بناء الدولة، فلا يمكن إحداث نقلة حقيقية إلا بتعليم جيد يضمن وجود كادر بشري مؤهل قادر على التفاعل والعطاء بشكل إيجابي من أجل التطور والمضي نحو المستقبل. 

إضافة إلى ما سبق فإن على أطراف النزاع في اليمن أن تعمل على تحييد المرافق التعليمية والتعليم عن الصراع، وأن تسهم المنظمات بتوفير مستحقات المعلم ليتفرغ لتقديم تعليم جيد؛ لينقذ الجيل الحالي من خطر الجهل والتسرب من المدرسة، إضافة إلى تكثيف العمل من أجل إزالة التأثيرات النفسية التي سببتها الحرب لكثير من الطلاب على مدى أربع سنوات خلت، وأن تهتم الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية بتوفير المناهج الدراسية وإبعاده عن الصراع الفكري بين جميع الأطراف، إضافة إلى توفير المعامل المدرسية التي تفقدها أغلب المدارس في اليمن.

Back to top button