مدارس النازحين في العراق.. معاناة الطلبة والمعلمين
بكلمة الكابوس يصف الطالب النازح إلى مدينة أربيل “شمال العراق” نائل حسن الذيابي يومَهُ الدراسي الذي يبدأ بالاستيقاظ في ساعة مبكرة جدًّا من أجل اللحاق بأرخص وسيلة نقل عامة توصله إلى مدرسته النائية في أطراف المدينة، المتكونة من مجموعة “كابينات” متحركة تنعدم فيها الكثير من الشروط الأساسية للمؤسسات التعليمية، ومن أهم تلك الشروط المنعدمة المختبرات وساحة الرياضة فضلًا عن الحمامات والمطعم.
وانتقلَتْ عائلة الذيابي إلى مدينة إربيل في أيار/مايو 2015 بعد أن فرض تنظيم داعش سيطرته على مدينة الرمادي في محافظة الأنبار “غرب العراق” والتحق الطالب الثانوي في إحدى مدارس النازحين التي تم افتتاحها بشكل مستعجل من قبل وزارة التربية العراقية لتكون مقرات بديلة تمكن الطلبة من مواصلة دراستهم التي يطلق عليها الذيابي تسمية “المهمة المستحيلة”.
ازدحام ونواقص بالجملة
يقول الذيابي: إن مدارس النازحين تعاني من نواقص كثيرة على مستوى المناهج الدراسية والكوادر التعليمية فضلًا عن عدم ملاءمة الأبنية المدرسية التي يعاني معظمها من حالة ازدحام كبيرة، وقلة أو انعدام المختبرات والساحات الرياضية والحمامات والمطاعم؛ الأمر الذي يجعل من الدراسة فيها صعبة وغير منتظمة.
ويضيف الذيابي “16 سنة”: أن أبرز المشاكل في هذه المدارس هي قضية الدوام المزدوج التي تم اللجوء إليها لحل مشكلة الأعداد الكبيرة من الطلبة مقابل ضيق مساحات هذه المدارس، مشيرًا إلى أن جعل الدوام على وجبتين في اليوم الواحد لم تسهم بحل المشكلة وتم الانتقال بعدها إلى طريقة الدوام ثلاثة أيام فقط، وتعطيله لباقي الأسبوع، وهو النظام الذي يتم تطبيقه في مدرسته.
زميل الذيابي في المدرسة أيمن صخي العيساوي يدخل على الخط ليؤكد أن الدوام الأسبوعي وعلى الرغم من سلبياته الكثيرة إنه شخصيًّا مستفيد منه؛ حيث يقوم بالعمل مع أخية في محل لبيع الفواكه والخضراوات من أجل تأمين مصاريفه الدراسية المتزايدة وفي مقدمتها أجور المواصلات وشراء الكتب المدرسية.
نفقات ترهق كاهل العوائل
النظام الجديد اضطر بلال محمد الجبوري “58 سنة” للقيام بواجب المدرس لأبنائه الثلاثة حيث يتقاسم المهمة مع المدرسة التي تفتح لثلاثة أيام في الأسبوع، في حين يتكفل هو وزوجته الأيام الثلاثة الباقية لتعليم أبنائهم الدارسين في المرحلة الابتدائية مع منحهم عطلة من الدراسة في يوم الجمعة، وهو حل يراه لا بد منه؛ لتجاوز ظروف النزوح الصعبة، ومن أجل عدم تضييع مستقبل أبنائه الدراسي.
الجبوري يوضح أن نزوحهم من مدينة الموصل في صيف عام 2014 وانتقالهم إلى العيش في إقليم كردستان جعلهم يعانون من أوضاع اقتصادية قاسية بعد فشله في الحصول على عمل واكتفائه بالمساعدات المقدمة من الأهل والأصدقاء، لافتًا إلى أن نفقاتهم لا تقتصر على استئجار المنزل وشراء الطعام والملابس المستعملة، بل تتعداها إلى دفع ثمن خطوط النقل لأطفاله الطلبة وشراء المناهج والمستلزمات الدراسية من الأسواق.
ويتابع والد الأطفال الثلاثة أن المناهج الدراسية تم توزيعها بشكل جزئي في المدرسة، ولم يكن هناك أي نوع من القرطاسية من دفاتر وأقلام مما اضطره إلى شرائها كاملة من الأسواق، التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في المناهج المطبوعة لأغراض تجارية، مستدركًا بأن دراسة كل واحد من أبنائه في مرحلة دراسية مختلفة فاقم من معاناته المادية.
وأنفق الجبوري مبلغ 135 ألف دينار عراقي “يعادل 100 دولار أمريكي” على شراء كتب دراسية لأولاده الثلاثة في بداية العام الدراسي الحالي، ويحتاج شهريًّا لمبلغ 150 ألف دينار عراقي “يعادل 115 دولار أمريكي” يدفعها لصاحب سيارة أجرة يقوم بتوصيل أبنائه إلى مدرسة النازحين، وهي مصاريف باهظة لشخص لا يمتلك عملًا أو راتبًا حكومي.
معاناة الطلبة والمعلمين
يتفق الأستاذ نصيف روكان الدليمي “معلم في مدرسة ابتدائية للنازحين في أربيل” مع جميع الشكاوى الصادرة من أولياء الأمور بخصوص الظروف الصعبة في المدارس وتذبذب المستوى التدريسي، لافتًا إلى أن هذا النوع من المدارس هي ضرورة دعت لها الحالة غير المستقرة في بعض المحافظات التي شهدت وما زالت تدور فيها العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش.
ويبين الأستاذ الدليمي لأن مشاكل الازدحام في الصفوف الدراسية وعدم ملائمة الأبنية ونقص المناهج الدراسية هي مشاكل واقعية، وترتبط بشكل وثيق مع الظروف الأمنية والاقتصادية التي يشهدها العراق؛ فهناك عمليات عسكرية مستمرة ومناطق تضررت بنيتها التحتية بشكل كبير يضاف إلى الأزمة المالية المتعلقة بهبوط أسعار النفط، وحالة التقشف الكبيرة التي تم تعميمها على جميع المؤسسات الحكومية وبما فيها التعليمية.
ويعمل الدليمي في مدرسة تم تشييدها بشكل مستعجل في مجمع سكني على مشارف مدينة أربيل وتتألف من 7 كرفانات كصفوف مدرسية وغرفة مشتركة للإدارة والمدرسين، ولا تتوفر فيها أي أجهزة للتكييف باستثناء مراوح سقفية تستخدم في الصيف، بينما يعاني المدرسين والتلاميذ على حد سواء من معضلة انعدام الحمامات على الرغم من الوعود المستمرة من المسؤولين بالتغلب على هذه المشكلة.
مسؤول: 250 مدرسة نازحين في مدينة واحدة
وعلى الرغم من يقين الأستاذ الدليمي بالأثر السلبي لهذه البيئة على مجمل العملية الدراسية والتحصيل العلمي للطالب، ولكنه يرى أن هذا الحل المؤقت حال دون ضياع السنوات الدراسية على التلاميذ وتأخرهم عن أقرانهم في المحافظات المستقرة.
مسؤول ممثلية وزارة التربية العراقية في مدينة أربيل وحيد فريد عبدالقادر وضع أمامنا إحصائية مفصلة عن مدارس النازحين في المدينة وتضم 250 مدرسة لجميع المراحل، ويعمل فيها أكثر من 7 آلاف أستاذ، يقومون بتدريس 123 ألف تلميذ جميعهم من النازحين، مشيرًا إلى أن مدارس النازحين تنقسم إلى ثلاثة أنواع، وهي التي تشغل مباني حكومية تعود لمدارس مدينة أربيل وثانية تم التبرع بها من شخصيات، وثالثة تم تشييدها على نفقة مؤسسات إغاثية، وأغلبها عبارة عن كرفانات وأبنية سريعة الإنشاء.
المسؤول الحكومي يشير إلى أنهم قاموا باستئجار عددٍ من الأبنية لاستخدامها كمدراس مؤقتة للنازحين، ولكنهم توقفوا عن هذا العمل بسبب نقص التمويل، كما تابع المسؤول الحكومي قائلًا: إن مشكلة الاكتظاظ دفعتهم إلى مخاطبة وزارة التربية في بغداد من أجل السماح لهم باستئناف عملية استئجار البنايات للتغلب على هذه المشكلة.
ومع استعادة السيطرة على أغلب المناطق التي جاء منها النازحون إلى أربيل، فالمسؤول الحكومي يرى أن انتهاء الحاجة من مدارس النازحين لن يكون قبل استقرار هذه المناطق، وهو أمر يتوقع أنه يستغرق أكثر من سنة، مؤكدًا أن افتتاح مدارس النازحين وبكثافة كان للتأقلم والتكيف مع واقع مفروض، وأنهم في وزارة التربية حريصون على عدم توقف الطالب عن الدراسة تحت أي ظروف أو مصاعب، وبالتالي فإن أي سلبيات هي أمر متوقع، ويعملون على معالجتها.
المتطوعون يساهمون في تخفيف المشكلة
ترأس بيداء علي سورجي فريقًا من المتطوعين العاملين في المجال الإغاثي، ويختصون بتقديم كل أنواع المساعدة للطلبة النازحين، ومنها مشاريع لتوزيع الحقائب المدرسية وتوفير القرطاسية والطباعة المجانية للمناهج المدرسية غير المتوفرة حكوميًا، ويمتد عملهم ليشمل معظم مناطق أربيل وخصوصًا النائية منها.
الناشطة الشابة قالت أنهم تعرضوا للإحباط في بداية عملهم وذلك للفرق الشاسع بين إمكانياتهم المتواضعة أمام مشكلة كبيرة ومعقدة تعاني منها آلاف العوائل النازحة والعديد منهم غير قادرين على إرسال أطفالهم إلى المدرسة؛ لأنهم ببساطة لا يملكون ثمن الملابس والمواصلات أو حتى الحقيبة المدرسية.
بيداء سورجي وفريقها تمكنوا من الحصول على دعم منظمات دولية ومنها اليونسيف وشخصيات عراقية مقتدرة ماديًّا مكنتهم من تنظيم 35 حملة لتوزيع الحقائب المدرسية و22 أخرى للقرطاسية، بينما يستمرون حتى الوقت الحاضر في طباعة مناهج دراسية يتم توزيعها مجانًا وبشكل منتظم في الرقعة السكانية التابعة لمدارس النازحين وتحديدًا في الأقضية والنواحي البعيدة عن مركز مدينة أربيل.
وتؤشر المتطوعة الشابة إلى تراجع واضح في حجم مشكلة مدارس النازحين وطلبتها، وذلك بعد عودة عدد منهم إلى مناطقهم الأصلية فضلًا عن الإجراءات المستمرة من قبل وزارة التربية في بغداد والتسهيلات التي توفرها حكومة إقليم كردستان، معتبرةً أن الجزء الأصعب من المشكلة قد تم تجاوزه وأن مؤشر هذه الأزمة بدأ بالهبوط، بحسب تعبيرها.
متفوقون رغم النزوح
بواسطة الشابة العاملة في مجال الإغاثة حصلنا على عناوين اثنين من الطلبة المتفوقين في مدارس النازحين بأربيل وأولهم علاء أسامة الهيتي وحصل على معدل 95 في الدراسة الإعدادية بفرعها العلمي والطالبة دعاء خميس العلواني وحصلت على 94.4 في الدراسة الإعدادية بفرعها العلمي أيضًا.
وقال الطالب أسامة الهيتي: أن تفوقه هذا كان بفضل الله تعالى ثم بتضحيات عائلته التي خصصت غرفة له من أجل الدراسة في منزل النزوح المكون من غرفتين فقط، مبينًا أنه واصل تفوقه الدراسي السابق في محافظة صلاح الدين التي نزح منها قبل سنتين، وأن الدراسة في أربيل كانت صعبة للغاية بسبب ظروف النزوح والعَوَز المادي الذي تعاني منه عائلته وقلة المحاضرات المدرسية.
أما الطالبة دعاء خميس العلواني فبينت من جهتها أن أغلب دراستها في المرحلة النهائية من الدراسة الإعدادية كانت في منزل غير مكتمل البناء ويضم خمس عوائل من الأقارب قاموا باستئجاره بصورة جماعية من أجل تقليل النفقات، مضيفةً إنها لم تعتمد على التدريس الخصوصي بخلاف ما تفعله كثيرات من زميلاتها.
وعلى الرغم من النتيجة الكبيرة التي حصلت عليها دعاء العلواني والاحتفاء بها من قبل أكثر من قناة تلفزيونة محلية إلا أن عدم الاستقرار في منطقتهم الأصلية بمحافظة الأنبار منعهم من العودة إليها وحرمها من الالتحاق بالدراسة الجامعية وتحديدًا في التخصص المعماري في كلية الهندسة، التي تعتزم المباشرة فيها خلال العام الدراسي المقبل بعد قرار نهائي من عائلتها بالرجوع وإنهاء رحلة النزوح.