الجامعات المصرية في قبضة الأمن
على البوابة الرئيسية لجامعة القاهرة – أعرق وأكبر جامعة في مصر، يقف رجال أمن بزيهم الأسود يمسكون في أيديهم الهراوات، يحاصرون كل بوابات الجامعة، وعلى بعد أمتار من البوابات تقف مدرعات الأمن المركزي الخاصة بإطلاق الغاز المسيل للدموع، في حالة تأهب واستعداد لأي محاولة طلابية للاعتراض على الوضع الحالي، بالتعبير عن آرائهم بتنظيم مظاهرات أو هتاف.
هذا المشهد يظهر أمام بوابات جميع جامعات مصر، ويزداد في جامعة الأزهر حيث تتواجد قوات الأمن داخل حرم الجامعة، وما إن يبدأ الطلاب بأي عمل يعبرون فيه عن رأيهم، تجد قنابل الغاز المسيل للدموع انتشرت في كل مكان وغطت سماء الجامعة باللون الأبيض، وانطلقت الهراوات والعصيان على الطلاب بلا رحمة، قد تؤدي لقتلهم كما حدث لطلاب بجامعتي القاهرة والأزهر، العام الماضي.
تخضع الجامعات المصرية لقبضة أمنية شديدة، من قبل حكومة الانقلاب العسكري على مصر منذ يوليو 2013، والإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس مصري منتخب، من قبل عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب، والرئيس الحالي للبلاد.
الطلاب في قبضة الأمن
وللخروج من مأزق قبضة الأمن التي تحاصر الطلاب في الجامعات، لجئوا لتكتيك الهدوء في الفعاليات الثورية، لمنع تصاعد انتهاكات قوات الأمن التعسفية بشأنهم.
ويقول أحمد ناصف المتحدث الرسمي لحركة طلاب ضد الانقلاب بمصر، في تصريح خاص لشبكة زدني التعليمية، إن الهدوء في الفاعليات الثورية التي تشهدها الجامعات المصرية، يرجع لأسباب عدة، على رأسها تصاعد الإجراءات القمعية ضد الطلاب، بداية من القتل مرورًا بالاعتقال والإخفاء القسري، وصولًا للإجرءات الإدارية التعسفية من فصل ومجالس تأديب وخلافه.
ويضيف أن الطلاب شكّلوا خلال الفترة الماضية سدًا منيعًا أمام طموحات الثورة المضادة وحافظنا على أهداف وروح الثورة ضد كل محاولات طمسها أو القضاء عليها، ونحن على يقين من أن ممارسات السلطة واستمرارنا في رفضها وفضح ممارساته، وبما نحمله من مشروع للدفاع عن الشعب وحقوقه، نحن على يقين أن كل ذلك سينتج موجة ثورية حقيقية تقتلع هذا السلطة بإجرامها وفسادها، وترسم مستقبلًا حقيقيًا لدولة تحترم كل أبنائها وتؤدي حقوقهم.
أما بخصوص التعامل مع القبضة الأمنية، يقول ناصف إن هنالك العديد من التكتيكات التي تمكننا من التغلب على القبضة الأمنية والحفاظ على هياكلنا التنظيمية واستمرار تحركاتنا ضد السلطة، بالفعل نحن قادرون على الاستمرار في المواجهة، ونحن على يقين من أننا على موعد مع النصر على هذه السلطة رغم كل التحديات، فالمستقبل ملك لنا ولا نملك رفاهية الاستسلام لهذا الواقع الكارثي.
خطف وإخفاء قسري
يضيف أحمد ناصف، بالفعل الإخفاء القسري يتم استخدامه بشكل واسع ضد الطلاب سواء أثناء الدخول والخروج من الحرم الجامعي أو اختطاف من الشارع أو حتى من المنزل.
ويضيف أن هناك أكثر من 600 حالة اختفاء قسري تم رصدها ضد الطلاب منذ انقلاب 3 يوليو، وفي 2016 وحدها شهدت أكثر من 100 حالة إخفاء قسري ضد الطلاب إلى الآن، وهناك حالات بارزة مثل حالة الطالب إسلام عطيطو طالب هندسة عين شمس الذي تم اختطافة أثناء خروجه من الحرم الجامعي أثناء امتحانات نهاية العام الماضي، ثم تم تصفيته لاحقًا وإلقاء جسمانه بصحراء القاهرة الجديدة، كما تم تسجيل عدة حالات اختطاف لطلاب أثناء خروجهم من الحرم الجامعي في 2016، مثل الطالب عمار طارق – جامعة بني سويف.
وسجل عام 2014 بحسب مرصد طلاب حرية لشبكة زدني، عدد (128) جريمة اختفاء قسري ارتكبتها الأجهزة الأمنية المصرية بحق الطلاب، بواقع عدد (117) طالب، وعدد (11) طالبة تعرضوا للإخفاء القسري، أى أن نسبة 6% من إجمالي وقائع الاعتقال تعرضوا للإخفاء القسري عقب اعتقالهم.
أما في عام 2015 فقد تصاعد معدل ارتكاب جرائم الإخفاء القسري بحق الطلاب بشكل ملحوظ، حيث تعرضت نسبة 41% من إجمالي وقائع اعتقال الطلاب لجريمة الإخفاء القسري، بإجمالي عدد (400) جريمة إخفاء قسري، بواقع عدد (390) طالب، وعدد (10) طالبات.
انتهاكات تعسفية
بحسب تقرير صادر لمرصد طلاب حرية – وهو مرصد حقوقي مستقل يعمل على رصد حالات الانتهاكات بحق الطلاب في مصر، أعطى نسخة منه لفريق شبكة زدني، فإن السلطات المصرية مارست خلال عام 2014 و 2015 بمؤسساتها وأجهزتها المختلفة ضروبًا من الانتهاكات والممارسات غير القانونية بحق طلاب الجامعات والمعاهد المصرية.
ويقول التقرير إن عام 2014 شهد العدد الأكبر من جرائم القتل خارج إطار القانون من قبل الأجهزة الأمنية المصرية بحق الطلاب، حيث وقع عدد (56) جريمة قتل بواقع عدد (54) طالب، وعدد (2) طالبة، بينما تناقص معدّل ارتكاب جرائم القتل بحق الطلاب خلال عام 2015، حيث شهد عدد (24) جريمة بحق الطلاب، بينما لم يتم ارتكاب جرائم قتل خلال العام بحق الطالبات.
وشهد عام 2014 النصيب الأكبر في عدد وقائع الاعتقال التعسفي بحق الطلاب، حيث تم تسجيل عدد (2257) واقعة اعتقال بواقع عدد (100) طالبة، وعدد (2157) طالب، تم إخلاء سبيل عدد (1453) طالب منهم فقط، بالإضافة إلى إخلاء سبيل عدد (95) طالبة، لتصل نسبة الطلاب والطالبات الذين مازالوا قيد الاعتقال من إجمالي وقائع الاعتقال خلال عام 2014 إلى 64%.
أما في عام 2015، فقد تناقص معدل عدد وقائع الاعتقال بحق الطلاب، حيث بلغ عددها (1274) واقعة اعتقال بواقع عدد (1200) طالب، و(72) طالبة، إلا أن هذا التناقص كان مصحوبًا بارتفاعٍ في نسبة الطلاب الذين ظلوا قيد الاعتقال، حيث وصلت النسبة إلى 71% من إجمالي الوقائع، حيث تم إخلاء سبيل عدد (298) طالب فقط، وعدد (59) طالبة.
ويضيف المرصد كانت الإدارات الجامعية من أبرز تلك المؤسسات التي كان لها دور كبير في انتهاك حقوق الطلاب، في حرية التعبير عن الرأي وممارسة الأنشطة، حيث شهد العامان المذكوران مئات من حالات الفصل التعسفي من التعليم بحق طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد المصرية، على خلفية انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية، حيث صدر خلال عام 2014 وحده عدد (866) قرار فصل تعسفي، من بينهم عدد (238) قرار بالفصل نهائي، بينما تناقص معدل قرارات الفصل التعسفي خلال عام 2015، حيث صدر خلاله عدد (37) قرار فصل تعسفي من بينهم عدد (3) قرارات بالفصل نهائي.
ويشير المرصد إلى أن النسبة الأكبر من الجامعات والمعاهد المصرية شهدت حوادث اقتحام من قبل قوات الأمن، صاحبها في معظم الأحيان اعتداءات على الطلاب بقنابل الغاز وطلقات الخرطوش وأحيانًا طلقات الرصاص الحي، ومن أبرز حالات القتل، كانت للطالب أنس المهدي- الطالب بكلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة، والذي قتل داخل حرم الجامعة يوم 15 مايو 2015 بالضرب الشديد على رأسه من قبل أفراد الأمن الإداري، والطالب إسلام غانم – الطالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والذي لقي حتفه في محيط الجامعة في 20 مايو 2014، نتيجة إطلاق رصاص حي عليه في البطن والوجه، من قبل قوات الأمن بعد تنظيمهم مظاهرة مناهضة للنظام .
السياسة في الجامعة خط أحمر
هند.م، طالبة جامعية بكلية الدراسات الإسلامية- بجامعة الأزهر، متضامنة مع الأحداث في فلسطين، أثناء ذهابها للجامعة ارتدت شال فلسطين للتعبير عن رفضها انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، لكنها فوجئت بأفراد أمن الجامعة يستوقفونها، لسحب الشال منها، وجاءت عميدة الكلية مفيدة.ن، بنزع الشال منها، وقامت بإلقاء السباب والشتائم لها، والسخط والغضب على فلسطين، وفي تصرف غريب ألقت بالشال على الأرض ووقفت عليه بقدميها، ووضعت اسمها في قائمة المفصولين لأنها تقوم بممارسة السياسة في الجامعة.
يؤكد أحمد البقري – رئيس اتحاد طلاب مصر، لفريق شبكة زدني، على أن العمل السياسي يجب أن يكون متاحًا لجميع الطلاب في الجامعات المصرية، وهناك فرق بين العمل السياسي وبين الدعوة للأحزاب داخل الجامعة، والعمل السياسي بشكل عام مناقشة قضية الاعتداء على المسجد الأقصى، أو متابعة القضايا العامة التي تخص حياة المواطن المصري كمناقشة الدستور والقضايا ذات الشأن العام.
ويشير إلى أن مزاولة السياسية داخل الجامعات تجعل الطلاب ذوي دراية بالشأن العام، وكيف تدار الدول. أما السيطرة الأمنية بالجامعات لمنع ممارسة السياسة بها، فتخلق العديد من المشاكل والاحتقان ودائمًا ما تؤدي إلى الانفجار، بسبب الكبت الذي ستخلقه السيطرة المفروضة من الأمن على الجامعات.
ويتابع البقري، إن الطلاب قالوا كلمتهم في مسرحية ما يسميها “العسكر” انتخابات سواء كانت برلمانية أو طلابية، لأن الصناديق تتم على دماء الأبرياء وحرية المعتقلين، وكلمة انتخابات تعني تنافسية أما المناخ السائد في مصر الآن فهو مناخ إقصائي عنصري فاشي، محكوم على كل من يعارضه إما بالخيانة أو العمالة.
وعن الانتخابات الطلابية، يقول البقري: أي انتخابات طلابية يتحدثون عنها وأي حرية تعبير وهم من قاموا بقتل أكثر من 240 طالب جامعي واعتقلوا أكثر من 5000 طالب، وأكثر من 100 طالب مفصول وأكثر من طالب طرد خارج مصر وأكثر من 800 طالب يحاكم عسكريًا، إلى جانب عشرات القرارات التي تقيد الحريات داخل الجامعات، منها حل الأسر الطلابية وتحويل منشآت الجامعة إلى منشآت عسكرية؟!
ويضيف: أي انتخابات يتحدثون عنها والجامعات كلها محاطة بكاميرات المراقبة؟ وأصبح الطالب المصري فيها خطرًا على الأمن القومي، وأصبح الأمن هو من يدير الجامعات، وهناك تضييق شديد على الأسر الطلابية والنشاط الطلابي، فالجامعات الآن أصبحت ثكنة عسكرية، وأي طالب يمارس نشاطًا طلابيًا سواء اجتماعيًا أم ثقافيًا أم علميًا أم رياضيًا، فهو في نظر الدولة إرهابي وعميل وخائن ومتآمر .
الحرية ممنوعة
تقول سارة محمود – طالبة جامعية بجامعة القاهرة –: يوميًا نجد صعوبات أثناء دخولنا الجامعة من قبل قوات الأمن التي تسيطر على الجامعة وتملي قراراتها لرئيس الجامعة، بالتضييق علينا، فبمجرد دخولنا عند البوابة، نجد أفراد الأمن، إضافة لأفراد أمن من شركات خاصة ( شركة فالكون)، وهم أفراد أمن يقومون بتفتيش الطلاب والكشف عن هويتهم من خلال البطاقة الجامعية.
وتضيف أن بعض أفراد الأمن يقومون بمعاكسة الطالبات، أو التحرش بهن لفظيًا أو جسديًا، وعندما تعترض، يقوم بتسليمها للأمن بدعوى أنها مخالفة للنظام المصري، أو معها ما يفيد بأنها ضد حكم العسكر، ودائمًا ما تحدث مشادات كلامية بينهم وبين أفراد الأمن الذي يعيقون عملية دخولهم بكثرة التفتيش، مما يؤخرهم عن حضور المحاضرة الأولى والتي تبدأ عادة في التاسعة صباحًا.
وبدأت الجامعات المصرية التعامل مع شركات حراسة خاصة في بداية العام الدراسي 2014، بدعوى تأمين الجامعات، حيث أقر المجلس الأعلى للجامعات فى جلسة طارئة خطة تأمين الجامعات المصرية قبل بدء العام الدراسى الجديد المقرر انطلاقه 11 أكتوبر2014، من خلال شركات أمن خاصة، إضافة إلى تفعيل البروتوكول الموقع مع وزارة الداخلية، وزيادة عدد أفراد الأمن الإداري فى الجامعات وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك.
ووقع الاختيار على شركة فالكون لخدمات الحراسة والأمن ، والتي تقوم بتأمين 15 جامعة من بينها «القاهرة، الإسكندرية، عين شمس، حلوان، المنيا، أسيوط، الزقازيق، المنصورة، بني سويف، طنطا» وشرعت الشركة في تركيب بوابات فولاذية للجامعات وكاميرات مراقبة، ونشرت عناصرها في في الجامعات المذكورة لتبدأ مهام الحراسة.
وتشير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في تصريحات لشبكة زدني، أن السلطات المصرية تريد تحويل الجامعات إلى قلاع بوليسية يجري فيها قمع الطلاب على يد عدة جهات، أولها داخل أسوار الجامعة من قبل شركات أمن خاصة وحرس إداري، وخارج أسوار الجامعة من قبل وزارة الداخلية، ووجود عناصر حراسة خاصة لن يمنع قوات الشرطة من اقتحام الجامعات .
وتضيف المفوضية أنه تم الاعتداء بالضرب على الطلاب من قبل أفراد الأمن الإداري بجامعة القاهرة بداية العام الدراسي 2016، خلال تنظيمهم وقفة تضامنية مع الانتفاضة الفلسطينية، وتمزيق اللوحات التي كانوا يحملوها، وأصيب عدد من الطلاب بكدمات وخدوش بأنحاء متفرقة من الجسد، وسقط أحد الطلاب مغشيًا عليه نتيجة تعدى أحد افراد الأمن الإداري عليه باستخدام جهاز اللاسلكي على رأسه، واحتجاز 3 طلاب بمبنى الأمن الإداري وتحرير مذكرات ضدهم والتهديد بتسليمهم للشرطة.