التعليم في الجزائر: تعدّدت الأسباب والرسوب واحد
تدرس وزارة التربية الجزائرية إمكانية اتخاذ تدابير جديدة للحد من ظاهرة إعادة السنة الدراسية للتلاميذ والرفع من نسبة الملتحقين بالجامعة، بعد أن تبين أن 41 تلميذًا فقط من كل ألف تلميذًا التحقوا بالمدرسة في المرحلة الابتدائية مؤهلون للالتحاق بالجامعة دون رسوب في مشوارهم التعليمي.
في ثانوية “العقيد لطفي” بمدينة “أولاد فايت”، غرب العاصمة الجزائر، التقى فريق “شبكة زدني” بالطالب “نسيم” ذا 19 ربيعًا، والذي يدرس السنة الثالثة من التعليم الثانوي للمرة الثانية بعد عدم تمكنه من النجاح في امتحان شهادة البكالوريا للالتحاق بمقاعد الجامعة العام الماضي.
“نسيم” الذي يدرس شعبة “تسيير واقتصاد” يأمل أن لا تتكرر معه هذا العام تجربة السنة الماضية، التي عاشها لأول مرة في مشواره الدراسي، والتي كانت – بحسبما يقول – بسبب كثرة الإضرابات التي مرت بها السنة الدراسية 2014-2015، ودامت عدة أسابيع، مما أثر على تلقيه المقرر الدراسي بطريقة عادية، إضافةً إلى عدم توفر مدة كافية لمراجعة الدروس.
ولم يخفي “نسيم” أن للعامل النفسي دورًا في رسوبه ورسوب غيره من التلاميذ بسبب الهالة المخيفة التي ترسم في ذهن التلاميذ عن الامتحانات، وخصوصًا امتحان البكالوريا.
ويرى “نسيم” أن كثرة الحراس والإجراءات التي تميز امتحان البكالوريا وباقي الامتحانات الرسمية كامتحان شهادة التعليم الأساسي؛ هي الأخرى تخلق جوًا مخيفًا للتلاميذ عند التقدم للامتحانات.
المشكلة في أربع مواد
وأظهرت دراسة أجرتها وزارة التربية الجزائرية، عام 2013، نشرت نتائجها مؤخرًا أنه “من ضمن ألف تلميذ بلغ نهاية المرحلة الابتدائية، 4٪ منهم فقط تمكنوا من الحصول على شهادات بالبكالوريا”.
وكشف المكلف بالاتصال في وزارة التربية الوطنية “لمين شرفاوي” أن الدراسة أظهرت تسجيل ضعف في نتائج التلاميذ في مواد الرياضيات واللغة العربية واللغات الأجنبية.
وقال “شرفاوي” إن الضعف في هذه المواد يظهر بالتدريج في المشوار التعليمي للتلميذ، موضحًا أن ذلك يظهر بشكل جلي في مرحلة التعليم الثانوي التي تسبق التحاقه بالجامعة. موضحًا أن هذا الوضع يسجل في معظم ولايات الجزائر، وليس مقتصرًا على منطقة معينة.
لكن تقارير ميدانية أجرتها نقابات قطاع التربية سابقًا أشارت إلى أن نسبة الرسوب تكثر في الولايات الجنوبية للبلاد، والتي كانت تعرف نقصًا في التأطير في اللغات الأجنبية.
ويرجع “صالح أحمد”، وهو أستاذ في التعليم المتوسط، ذلك إلى فشل المدرسة في أن تجعل التلميذ يتمسك بما يتعلمه فيها أكثر مما يتلقنه في الشارع، مبينًا أن المنظومة التربوية الجزائرية في حاجة إلى إعادة نظر.
ويعدد “أحمد” جملة من الأسباب التي تقف وراء رسوب التلاميذ في مشوارهم الدراسي منها الاكتظاظ الذي تشهده المدارس، وغموض المنهج الدراسي، وجمع التلاميذ المعيدين مع غير الراسبين.
وبحسب “أحمد”، فجمع الراسبين من التلاميذ مع المنتقلين لسنة جديدة “له آثار سلبية، وللطلبة المعيدين تأثير سلبي بالغ على باقي زملائهم”.
اعتراف رسمي
وقالت وزيرة التربية الجزائرية “نورية بن غبريت”، في تصريحات تابعها معد التحقيق (*)، إن “657 تلميذ من أصل ألف في السنة الأولى ابتدائي ينتقلون إلى السنة الخامسة ابتدائي دون إعادة العام الدراسي، و550 تلميذ من الدفعة نفسها يتمكنون من الانتقال إلى السنة الأولى متوسط، و397 تلميذ يستطيعون إكمال دراستهم حتى السنة الأولى ثانوي دون إعادة، و41 تلميذًا فقط من يتكنون الحصول على شهادة البكالوريا دون رسوب في مشوارهم الدراسي”.
وأضافت “بن غبريت”بأن”هذه المعطيات قدرت نسبة التلاميذ المعيدين للسنة الدراسية بـ 30%، وهو ما يستدعي منا ضرورة التكفل النفسي بالتلاميذ”.
وأوضحت الوزيرة “انطلاقًا من نتائج هذه الدراسة فإننا نخسر 959 تلميذ على طول الطريق، مما يوضح فشل النظام المدرسي ويطرح مشكل نظام التقييم في المدارس”.
فشل الإصلاح
ويعتبر “قويدر يحياوي” الأمين الوطني المكلف بالتنظيم في النقابة الوطنية لعمال التربية، في حديثه لفريق”شبكة زدني”، أن هذه النتائج الصادمة لا تخرج عن دائرة “تحصيل حاصل لواقع المنظومة التربوية في الجزائر”.
وأضاف بأن “النتائج الإحصائية المتعلقة بالتحصيل ونسب النجاح والرسوب داخل المدرسة العمومية الجزائرية، هي صورة تتناسب وحقيقة سياسة إصلاح المنظومة التربوية ونتائجها منذ بداية تطبيقها سنة 2003، وهذه الصورة القاتمة معروفة لدى الجميع، بدءً من الأسر والتلاميذ والأساتذة وكل المهتمين بالشأن التربوي؛ الكل يدرك أن المدرسة الجزائرية التي كانت في حقبة من الحقب توفر الحد الأدنى من تحقيق غايات المدرسة العمومية والتكوين والتأطير، وتضمن ظروف تلقي وتعلم إنسانية وتزرع نصيبًا من القيم الوطنية والدينية، لم تعد قادرة على أداء ولو جزء يسير من هذه المهام وغيرها”.
ويوضح “يحياوي” ” أن “الإخفاق الذي وصلت إليه المدرسة العمومية الجزائرية ليس أمرًا جديدًا؛ بل أصبح واقعًا لا مناص منه، وتوصيف مشترك بين الجميع، بل إن جل التعثرات التي نعيشها اليوم في كل القطاعات تعود أساسًا إلى عدم تأهيل المنظومة التربوية التي تبقى وحدها القادرة على خلق المناخ المناسب لأي تحول وتطور في أي ميدان”.
وينبه “يحياوي” أنه “قبل الشروع في أي إصلاح أو تغييرات في قطاع حساس مثل التعليم، ينبغي أن يفتح نقاش وطني عام لتحفيز المجتمع وإعداده لأي تغيير مستقبلي، الأمر الذي لم يقم به مع بداية الإصلاحات في قطاع التربية بصفة رسمية من طرف لجنة بن زاغو –لجنة إصلاح المنظومة التربوية في الجزائر-. مشيرًا إلى أن “النقاش لم يفتح لا على مستوى وسائل الإعلام المؤثرة ولا على مستوى الصحافة المحلية، باستثناء بعض مقالات متفرقة نشرت في بعض صحف مستقلة”.
ويشير “يحياوي” إلى أنه “كان ينبغي أن تفحص الأمور المرتبطة بالمدرسة العمومية بطريقة شاملة، وعلى أساس بعثات ميدانية؛ لمناقشة من هم في الميدان من معلمين ومفتشين ومدراء؛ لإلقاء النظرة عن كثب على الظروف التي ستطبق فيها التوجهات الجديدة للإصلاح الخاص بالمدرسة، ولمقابلة ومحاورة العاملين بهذه التوجهات، لكن الأمر تم في صالونات الوزارة بعيدًا عن الميدان، وبما أن التشخيص الميداني كان جزئيًا وبعيد عن الواقع، لم يكن للعلاج إلا أن يكون ناقصًا”.
طريق النجاح
وللخروج من هذا الوضع، يرى “قويدر يحياوي” بأن “النجاح يتوقف على مدارس منصفة وفعالة ومواكبة للمستجدات والتطورات التي تعرفها الساحة العالمية؛ مدارس ينسجم فيها التعليم المدرسي مع التعليم العالي، وتتلاءم فيها المضامين المعرفية والعلمية مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والقيمي للجزائريين؛ مدارس جديدة تراعي هوية الجزائريين وقيمهم ولغاتهم الوطنية قبل أن تنفتح على الآخر ولغته وثقافته”. معتقدًا بأن “الأوان آن لبناء مدرسة عمومية واعدة لا تثنيها رياح التجارب والمقاربات الفاشلة؛ حان الوقت للاستثمار في المدرسة كقطاع منتج”.
أما الوزيرة “نورية بن غبريت”، فتكشف أنه “لمواجهة هذا الضعف الشديد ركزت الوزارة عملها على إعادة تنظيم نظام تقييم ومتابعة أطفال المدارس؛ من خلال الاعتماد بشكل خاص على تدريب وتكوين المفتشين والمعلمين.
وأعلنت “بن غيريت” عن دراسة مصالح الوزارة حاليًا، لإمكانية تقليص مدة اختبارات البكالوريا، مشيرةً إلى أنها ستستشير مختلف الشركاء الاجتماعيين للتعبير عن آرائهم قبل اتخاذ هذا المقترح، وتقديمه للحكومة للموافقة عليه.
مشاكل الطلاب النفسية
ولتخفيف الضغط النفسي الذي يعاني منه التلاميذ، قررت وزارة التربية الجزائرية تقليص عدد من الامتحانات مثلها مثل الواجبات المنزلية التي اعتاد التلاميذ على إنجازها في المنزل.
ويقول الطالب”نسيم” لفريق “شبكة زدني” إن زيارات مستشاري التوجيه للأقسام غير كافية، فهي تزورنا مرة واحدة ربما في الموسم الدراسي فقط.
ورغم إقراره بأن التلميذ يستطيع أن يسأل مستشار التوجيه في حال احتياجه إلى دعم نفسي، إلا أن “نسيم” يؤكد أن عمل المستشارين غير كاف لأن التلميذ قد يخجل من التوجه لهم.
وفي هذا الإطار، أمرت الوزارة بضرورة منع مديري الثانويات والمتوسطات من تحويل التلاميذ إلى مجالس التأديب قبل عرضهم على “خلايا الإصغاء النفسية” التي نصبت قصد التكفل بالحالة النفسية للتلاميذ المشاغبين، والذين يعيدون السنة.
وجاء في مراسلة من مدير التعليم الثانوي والتكنولوجي، وكذا التعليم المتوسط، موجهة لمديري التربية، ومفتشي التربية والتكوين، ومديري الثانويات والمتوسطات، حول موضوع إحالة التلاميذ إلى مجالس التأديب أن هذا القرار اتخذ “عملًا بما ورد في القرار الوزاري رقم173 المؤرخ في 2مارس 1991، والذي يتضمن الإحالة إلى مجالس التأديب في مؤسسات التعليم الثانوي والمتوسط، لا سيما البند الرابع منه والمتعلق بدراسة المخالفات التي ارتكبها التلاميذ واتخاذ القرار فيها، على أساس أن يقوم المدير بإجراء تحقيق قبل انعقاد المجس التأديبي”.
وشددت تعليمات الوزارة على “توجيه التلاميذ المعنيين بهذه المخالفات إلى خلايا الإصغاء والمتابعة النفسية والتربوية المنصبة على مستوى الثانويات والمتوسطات قصد دراسة وضعيتهم، وإعداد تقرير مفصل عن الحالة لتنوير أعضاء مجلس التأديب تجاه تلك الحالات على أن توافى مديرية التعليم الثانوي العام والتكنولوجي بتقرير دوري للحالات المعالجة في هذا الشأن”.
ويهدف هذا الإجراء إلى “التقليل من حالات الطرد لأنها تفرض على المدراء إجراء تحقيق إداري مسبق ومعمق قبل إحالة التلاميذ إلى مجالس التأديب كما أنها تلزم مدراء المؤسسات إحالة هؤلاء التلاميذ على مستشار التوجيه المدرسي لإبداء الرأي ودراسة الملف، وهو الأمر الذي سيمكن من معالجة بعض ملفات التلاميذ المشاغبين واتخاذ تدابير انضباطية قد لا تصل إلى درجة الإحالة على المجلس أو الطرد.”
دروس خصوصية
تعتبر “الدروس الخصوصية” حلًا مناسبًا لبعض العائلات، لتقديم دروس إضافية لأبنائها، بعد انتهاء الدوام المدرسي، خاصة في المواد الأساسية كالرياضيات والفيزياء والعلوم، لمن يدرسون تخصصات علمية، واللغة العربية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا واللغات الأجنبية لطلبة التخصصات الأدبية، والمحاسبة والرياضيات والقانون لمن يدرسون تخصص تسيير واقتصاد.
تأمل “أمينة”، وهي طالبة في الثالثة ثانوي، بالنجاح في مشوارها التعليمي هذا العام، وتقول لفريق “شبكة زدني” إنها لم ترسب مطلقًا في مشوارها التعليمي، وتجتاز نهاية هذا الموسم الدراسي امتحان البكالوريا لأول مرة، وتشير إلى أنها اضطرت لتلقي دروسًا خصوصية في مادة الرياضيات التي تجد صعوبة في فهمها داخل المدرسة، بالنظر إلى عاملها المهم لطلبة تسيير واقتصاد الشعبة التي تنتمي لها.
الهوامش
(*) تصريحات وزيرة التعليم الجزائرية
(ملف إذاعي)
http://podcast.radioalgerie.dz/sources/Chaine3/mp3/6a5f3fd3-2a5d-44d5-bda7-6c14af4c0985.MP3
(رابط الخبر)
http://www.radioalgerie.dz/news/ar/article/20151220/61993.html