تحقيقات زدني

اليمن: حكاية اختفاء كبرى الجامعات الإسلامية المثيرة للجدل عالميًا

ثناء مرورك من أمام بوابة الجامعة الرئيسية، وسط العاصمة اليمنية صنعاء، بإمكانك مشاهدة مسلحين يرتدون الثياب الشعبية اليمنية، وعلى أسلحتهم شعارات جماعة “الحوثي”: “الموت لأمريكا ..الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود..النصر للإسلام”، فيما تجوب عرباتهم العسكرية الجامعة وعليها أسلحة رشاشة، وعلى جدرانها كتبت عبارات لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

من أبرز الأحداث المتعلقة بالتعليم التي شهدها اليمن، والمنطقة العربية مؤخرًا، محو جامعة الإيمان المُثيرة للجدل من الخارطة الأكاديمية، ومصادرة كل ممتلكاتها المقدرة بـ11 مليون دولار أمريكي، وتسريح ما يقارب لـ6 آلاف من طلابها، وإحراق 95 ألف كتاب ورسالة علمية.

وفي يوليو من العام 2014، قبل اجتياحها بأشهر، حصلت جامعة الإيمان، على المركز الرابع على مستوى الجامعات اليمنية، في معايير الشفافية والتميز، ضمن التصنيف العالمي للجامعات “ويب ماتركس”، متقدمة على أكثر من 22 جامعة يمنية، حكومية وأهلية، ويقوم موقع “ويب ماتركس”، التابع لـ”المركز الوطني للبحوث بمدريد- إسبانيا”، بإعداد هذا الترتيب كل 6 أشهر.

فما هي جامعة الإيمان التي يرتبط أسمها برجل الدين اليمني البارز الشيخ عبد المجيد الزنداني؟ ولماذا تحمل جماعة الحوثي المسلحة لها كل هذا العداء الذي دفعها لارتكاب مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بحق الجامعة؟ ولماذا صمتت الحكومة اليمنية وإتحاد الجامعات العربية والإسلامية عما تعرضت له من إحراق ومصادرة؟

أسئلة حاول معد التحقيق التقصي عنها، والبحث عن مكامن الإجابات عليها في هذا التحقيق.

سيرة جامعة مثيرة للجدل

تأسست جامعة الإيمان، في العاصمة اليمنية صنعاء، بموجب قرار وزارة التعليم العالي رقم (28) لسنة 1993م، أسسها رجل الدين البارز “عبد المجيد الزنداني”، وافتتحها الرئيس اليمني السابق “علي عبد الله صالح”،وظلت الجامعة محل (تجاذبات) وشكوك، وأثارت جدلًا واسعًا حول علاقتها بالمتشددين، وهي التبريرات ذاتها التي رفعها زعيم جماعة الحوثي، عقب اقتحامه لها، ضمن مؤسسات حكومية في سبتمبر من العام 2014م.

تخرج من الجامعة منذ إنشائها الآلاف من المعلمين والدعاة والاقتصاديين، حيث يفاخر خريجي الجامعة وطلابها بأن بعض خريجيها يُدرسون اليوم في بلادهم الأصلية، يقول الشيخ “عبدالمجيد الزنداني”، رئيس الجامعة، إن جامعة الإيمان تدرس علوم الشريعة الإسلامية، ويدرس فيها طلاب من 55 جنسية حول العالم.

والجامعة عضو في اتحاد الجامعات العربية، ولها عدد من الفروع في عدد من المحافظات اليمنية، وأقسامها متنوعة في: اللغة، والشريعة، والاقتصاد، والإعجاز العلمي، والإعلام، في الـ21 من سبتمبر 2014، اقتحم الحوثيين مقر الجامعة وسيطروا عليها، ولم تفتح الجامعة أبوابها للدراسة منذ ذلك الوقت.

ويرجع الشيخ”الزنداني” في تصريحات سابقة، بناء الجامعة إلى صفقة سياسية مع الرئيس اليمني السابق “علي صالح”، إذ كان “الزنداني” حينها عضوًا في مجلس الرئاسة اليمنية، عقب توقيع الوحدة اليمنية بين الشطرين الشمالي الجنوبي عام 1990م، حيث تنازل عن منصبه الرئاسي مقابل فتح جامعة جديدة يتولى إدارتها.

تقول الجامعة عبر موقعها الرسمي”أنها تسعى إلى تخريج الطالب عالمًا بدينه، عارفًا بعصره، ورعًا تقيًا، وتعمل على تربيته إيمانيًا، وتزكيته علمًا وعملاً عبر المناهج التي يتلقاها الطالب خلال دراسته في الجامعة”، وتقول أنها تتكفل بمصاريف الطالب المالية والرسوم، والتي تبلغ للطالب الواحد 140.00 ريالاً يمنيًا، بما يعادل 700 دولارًا أمريكيًا سنويًا.

وعن مصادر تمويل الجامعة، وبحسب موقع الجامعة على شبكة الإنترنت فإن “مصاريف الجامعة كثيرة ومتزايدة، وليس لها دعم ثابت يتناسب وحجم مصروفاتها، وما تحصل عليه لا يفي بضرورياتها، وإقبال الطلاب على الجامعة في نمو مستمر، ومع ذلك كله تسعى لأن توفر للطلاب كل ما يعينهم على طلب العلم من غذاء وسكن ورعاية صحية ومواصلات وكتب، وغير ذلك من مستلزمات الدراسة”.

منهج الجامعة

لطالما مَثل منهج الجامعة جدلًا  كبيرًا لدى معارضيها، فبالرغم من أنها جامعة تحظى بعناية يمنية رسمية من السلطات المتعاقبة في البلاد، واحترام كبير من المرجعيات الإسلامية الكبرى، إلا أنها لاقت العديد من الاتهامات، ومن ضمنها أمريكية بأنها تغذي التشدد في المنطقة.

يسرد الشيخ “عبدالمجيد الزنداني” في تصريحات (متلفزة) سابقة، تابعها معد التحقيق، “أنه حرص ورئاسة الجامعة، على أن تكون مناهج الجامعة حديثة، وعلى الاستفادة من الكتب التي تدرس والمدرسين الذين يدرسون في جامعة صنعاء، بصفتها أول وأكبر جامعة حكومية”.

ولا يقتصر دور المواد التي تدرس في الجامعة على المواد الدينية فقط، بل تهتم في مواد في السياسة والاقتصاد، ويلفت “الزنداني” إلى أنهم في الجامعة، “حرصنا في السياسة مثلا أن الذي يُدرس السياسة في جامعة صنعاء هو الذي يُدرس السياسة في جامعة الإيمان، أما الاقتصاد فقد تعاونا مع البنوك الإسلامية ومع أساتذة الاقتصاد في عدد من الجامعات الإسلامية، وطلبنا منهم أن يضعوا لنا منهجًا للاقتصاد الإسلامي يلبي حاجات العصر”.

كليات الجامعة وتخصصاتها

تضم جامعة الإيمان أربع كليات هي: الإيمان، الشريعة، الدعوة والإعلام، وكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الأولى (الإيمان) تضم أربعة أقسام هي: التفسير، علوم القرآن، الحديث والإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

أما الثانية (الشريعة) فتضم ثلاثة أقسام هي: أصول الفقه، الفقه، واللغة العربية. وتضم الكلية الثالثة (الدعوة والإعلام) قسمين هما: الدعوة، والإعلام.

وتضم كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ثلاثة أقسام هي: الاقتصاد الإسلامي، العلوم السياسية، والاقتصاد المنزلي.

وهناك سنة دراسية تخصصية بعد شهادة (المشيخة) أو الماجستير، تخصص لدراسة المذاهب الخمسة: الشافعي، الحنفي، الحنبلي، المالكي والزيدي، وفيها معلمون من مختلف البلدان العربية والإسلامية وخاصة من مصر والمغرب العربي.

وعن طبيعة الدراسة في جامعة الإيمان، وعلى سبيل المثال، في كلية الدعوة والإعلام، لا يكاد يختلف القسم عن مقابله في جامعة صنعاء الحكومية، أو الجامعات العربية الأخرى،حيث تمنح الكلية شهادة “البكالوريوس” في تخصصات الإعلام، التي يدرسها الطالب في فصلين دراسيين، ثم بعد ذلك يدرس الطالب سنة أخرى تساوي تمهيدي “ماجستير”، وبعد التمهيدي يكلف الطلاب بعمل بحث تكميلي للحصول على درجة الماجستير، ويضم تخصصات قسم العلاقات العامة، وقسم الصحافة قسم الإذاعة والتلفزيون.

تفاصيل اقتحام الجامعة وخسائر كبيرة

في سبتمبر من العام 2014، وصل مسلحو جماعة الحوثي إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وكانت وسائل الإعلام التابعة لهم تهاجم جامعة الإيمان وتصفها بـمعقل التكفيريين ومسلحي القاعدة، وبعد اقتحامها بث تلفزيون “المسيرة” التابع لجماعة الحوثي توثيقًا لمواد متفجرة، قال إنها لمعامل تم العثور عليها داخل الجامعة، لكن رئاسة الجامعة نفت علاقتها بتلك المواد.

يقول المتحدث بإسم طلاب وموظفي جامعة الإيمان،عمر الخميسي، لـ”شبكة زدني” إن “الجامعة خسرت ماديًا جراء الهجوم، حوالي اثنين مليار ومائتين مليون ريال يمني”، وعن الخسائر البشرية لطلاب الجامعة يتحدث عن”مقتل 12 شخص، من الطلاب والموظفين، وجرح 32 آخرين”، بالإضافة إلى أضرار كبيرة ألقت بمستقبل الطلاب إلى شاطئ مجهول.

هذا، وتضرر 6 آلاف ألف طالب وطالبة جراء تدمير الجامعة، حيث قامت مليشيات الحوثي بإتلاف وثائق الآلاف منهم، وهي جريمة كبيرة بحسب مراقبين، حيث يجد الطلاب أنفسهم اليوم بلا أي وثائق أو شهادات، بعد أن تم إتلافها من داخل كنترول الجامعة (داخل الأقسام الإدارية في الجامعة)، وسط صمت الجهات العلمية المحلية والدولية.

ويشير “الخميسي” في حديثه لـ”شبكة زدني”، إلى الانتهاكات التي تعرض لها الكادر البشري في الجامعة، لافتًا إلى أن حوالي “1500 طالب تشردوا من السكن الداخلي للطلبة في الجامعة، وتم مصادرة كل أثاث السكن، وشردت حوالي 235 أسرة من أسر الطلاب والموظفين، ونهب الكثير من أثاث منازلهم، وتم تشريد 130 أسرة من أسر العلماء والدكاترة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة، وتوقف أكثر من 540 موظف عن العمل”.

وفي خسارة علمية فادحة لأكبر المكتبات في اليمن والمنطقة العربية، يتحدث “الخميسي” عن”مصادرة 95 ألف كتاب، ورسالة علمية من المكتبة المركزية للجامعة، كانت تعتبر مقصدًا للكتاب والباحثين، وتم مصادرة الأدوات المكتبية للكليات وأقسامها، والإدارات المختلفة، حيث كانت تحتوي على المئات من الأجهزة والمواد الإلكترونية”.

ولم تبق مليشيا “الحوثي” على شيء للجامعة أو ما حولها إلا وألحقت به الضرر، كما حصل لمدرسة ابن الهيثم للتعليم الأساسي، في صنعاء، إذ قامت المليشيا بإغلاقها، كونها تقع داخل جامعة الإيمان، وتضرر بفعل ذلك حوالي 900 طالب وطالبة، إضافة إلى إلحاق الضرر بعشرات المعلمين. وقامت المليشيا بتحويل المدرسة كما الجامعة، إلى ثكنات عسكرية مسلحة، وحولوا المباني والمساكن الطلابية إلى شقق عائلية للموالين لجماعة الحوثي، حسبما يؤكده جيران الجامعة لـ”شبكة زدني”، الذين اضطروا للنزوح خوفًا من ممارسات الحوثيين، واستهدافهم من قبل طيران التحالف العربي باليمن.

ويتحدث “الخميسي” عن تضرر الوسائل الإعلامية والصحفية بالجامعة، بسبب أعمال مليشيا “الحوثي”،حيث صودرت ممتلكات تلفزيونية وصحفية بالجامعة، ويشير إلى “مصادرة معامل وأستديوهات تلفزيون جامعة الإيمان، التي كانت قيد التأسيس، ونهب مجلة الشقائق كبرى المجلات الدورية باليمن بكل ما فيها من أرشيف، وأدوات وأجهزة ومكاتب”.

ويضيف “الخميسي”، بأن عمليات النهب طالت “ورش الحدادة والنجارة والزراعة ومركز التقانة، وأكثر من 50 سيارة و5 مولدات كهرباء حديثة، ومحطتين للغاز والديزل، ومطبعتين للكتب، ومصنع ألبان تابع للطالبات، وكل مستلزمات مركز الطب النبوي”.

خريجو الجامعة: انتقام من رسالة التنوير

يلفت “محمد الجماعي”، وهو صحفي يمني بارز، وأحد باحثي الدراسات العليا، في جامعة الإيمان، إلى أن ما تعرضت له الجامعة من قبل مليشيا “الحوثي”، و”صالح”، لقى مباركة من أطراف داخلية وخارجية، مشيرًا إلى أن السبب في ذلك، هو “دورها التنويري وأنشطتها الممتدة في كل التراب الوطني، والقبول الذي حظيت به مناهجها ومخرجاتها التعليمية في مختلف التخصصات التي تدرسها الجامعة”.

ويعتبر”الجماعي” في حديثه لـ”شبكة زدني”، أن مخرجات جامعة الإيمان جعلها “هدفًا للتشويه والأخبار والدعايات، وحوصر خريجوها من الوظائف العامة”، ويشير أيضًا إلى أنها تعرضت لحملة ممن أسماهم بالطائفيين، لمواجهة الاعتدال الذي تمثله الجامعة.

ويعتقد “الجماعي” بأن “النهج المعتدل الذي ساهم في ردم الفجوة المذهبية، وطمس معالم التعصب المذهبي، أزعج دعاة الطائفية في الداخل ومموليهم في الخارج، وكذلك حلفاؤهم الذين انضموا إليهم في ذات الهدف، لذلك صمت العالم كله عن إغلاقها، وتواطؤا على السكوت وتواصوا به”.

“الجماعي” الذي قضى عشر سنوات من عمره في دراسته بالجامعة، حيث درس البكالوريوس والماجستير، يتحدث عن الدور الذي لعبته الجامعة باليمن ومكانتها، ويقول: إن “لها حضور في قلب كل حدث كبير على مستوى اليمن، بدءً بالتعليم، ومرورًا بالأدوار الدعوية، والبحوث الطبية والعلاجية والمنتديات الاقتصادية والإعلامية، ومؤتمرات التقريب والوسطية، والإصدارات العلمية المحكمة، ومراكز الدراسات، والتأثير على مستوى الفتوى والحراك الاجتماعي والسياسي، وحتى الثوري والمقاوم أيضًا”.

وينتقد “الجماعي” دور الحكومة اليمنية واتحاد الجامعات العربية والإسلامية، تجاه ما تعرضت له الجامعة، مؤكدًا على أن “وزارة التعليم العالي لم تعبأ بأية أضرار تترتب على إغلاق جامعة بحجم جامعة الإيمان، ولا تعبأ بتشريد الآلاف من طلابها، ولم يصدر، بحسب علمي، أي بيان حول الجامعة، حتى الآن عن الوزارة ولا عن اتحاد الجامعات العربية ولا الإسلامية”.

جهود متعثرة وآمال بالعودة

لاقت الجهود التي بذلتها رئاسة الجامعة، مع وزارة التعليم العالي في اليمن، لأجل إعادة فتح الجامعة، وإعادة ممتلكاتها،حواجز كثيرة، ورُفض التجاوب معها من قبل سلطات جماعة “الحوثي”، والرئيس السابق “علي صالح”، في صنعاء، ومع تعقيد الوضع السياسي الراهن التي تمر به البلاد، زاد الأمر تعقيدًا.

بعد سيطرة المسلحين على الجامعة، عاد أغلب الطلاب المبتعثون من الدول العربية والأجنبية إلى بلدانهم، وتشترط رئاسة الجامعة موافقة سفارات بلادهم، ووزارة الخارجية اليمنية في صنعاء للدراسة فيها، كما نزح الطلاب اليمنيون إلى مناطق أكثر أمنًا داخل بلادهم، ولقي العديد منهم ملاحقات واعتقالات من قبل مليشيا “الحوثي”و”صالح”، كما أكده طلاب لمعد التحقيق.

وبين التطلع إلى الغد بعين الأمل من قبل طلاب الجامعة، وما بين الإصرار على المصادرة والاستمرار في تحويل مساحات الجامعة ومبانيها الدراسية إلى ثكنات عسكرية من قبل مليشيا “الحوثي”، والرئيس اليمني السابق “علي صالح”، يبقى ما تعرضت له جامعة الإيمان حدثًا عميقًا هز كل منطقة من مناطق اليمن المضطرب.

زر الذهاب إلى الأعلى