لماذا علينا كمدرسين أن نقرأ رواية أعجوبة؟
في رواية مؤثرة رغبت كاتبتها أن توصل رسالة إنسانية للصغار والكبار، كتبت الأمريكية آر جيه بلاشيو قصة طفل يدعى”أوغست بولمان” مصاب بمتلازمة تريتشر كولينز، هذه الطفرة الجينية والعمليات الجراحية التي خضع لها جعلت مظهره يبدو مختلفًا عن الآخرين مما عرّضه للكثير من التنمر والسخرية.
“لن أقول إنني طالما وددت الذهاب إلى المدرسة، لأن الحقيقة ليست هكذا بالضبط. أردت أن أذهب إلى المدرسة فقط لو استطعت أن أكون مثل بقية الأطفال.”
أوغست بولمان
يدرس “أوغست” أو “أجي” -كما يُلقب- دراسة منزلية حتى العاشرة من عمره، ثم تقرر أسرته ذهابه إلى المدرسة ليتعلم بشكل أفضل. ينتقل “أوجي” إلى مدرسة هنري بيتشر وهناك يمر بالعديد من المواقف والتجارب التي تستحق أن نتأملها ونتعلم منها.
ولد مختلف في الصف:
في واقعنا، كنت قد شاهدت حوادث تعامل فيها بعض المدرسين بأسلوب لا إنساني مع الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية تجعلهم يبدو مختلفين في مظهرهم عن الآخرين، في مرة مثلًا كنت أقوم مع زملائي من المدرسين بتوزيع الزي الرياضي على التلاميذ، وعندما جاء دور أحد الطلاب ليستلم زيه -وكان حجمه ضخمًا- أخذ زميل لي يخبره بأن الزي فُصّل لحجمه خصيصًا، وألقاب وعبارات أخرى جارحة على هذا المنوال.
أما عندما كنت تلميذة، أذكر أن صديقتي أرادت الاشتراك في الكشافة وكانت قصيرة القامة جدًا ونحيلة، فما كان من المعلمة إلا أن تخبرها بأنها ستطير بفعل الهواء لو انضمت للفرقة وأنها لا تصلح للكشافة.
طلاب آخرين كانت مشاكلهم الصحية سببًا في أن يهملهم معلمو الصف، فلا فرصة لديهم للاشتراك بالأنشطة التي يقوم بها زملاؤهم، وكأن مشاكل كالضعف الشديد للبصر أو للسمع على سبيل المثال، أسباب في ضياع الحصة!
الطلاب الذين قابلتهم وتعرضوا للاستهزاء من مدرسيهم كثر، ربما لا تصل حجم مشكلتهم إلى أن تكون إصابة بطفرة جينية وتشوهات في الوجه، ولكن لك أن تتخيل ما يجري مع أصحاب الاختلافات الكبيرة!
حسب رواية “أعجوبة” فإن مدرسة “أجي” تهيأت بكل طاقمها لاستقبال الطفل، بدءًا من المدير الذي أعطى إرشاداته بضرورة معاملة الطفل معاملة جيدة، حتى بعض زملائه في الصف، وقد كان لهذا أثر جيد جعل الطفل يتقبل ذهابه إلى المدرسة بعد أن كان مرعوبًا من هذه الفكرة.
وصايا الأستاذ بروان:
“إذا خُيرت بين الصواب والطيبة اختر الطيبة”
الأستاذ ” براون” هو مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة بيتشر، مع بداية كل حصة يقوم هذا الأستاذ بمناقشة بعض الأقوال المأثورة والتي تحث على الأخلاق الفاضلة مع تلاميذه، ولا يكتفي بهذا بل يطلب منهم أن يدونوا حكمهم الخاصة حتى في العطلة الصيفية ويرسلوها له.
في مدارسنا، جميعنا نكتب حكمة اليوم على السبورة، ولكن هل قمنا يومًا بتفسير ما نكتب للطلاب؟ نحن نظن أن الدعم النفسي وتقويم السلوكيات والحديث عن الأخلاق، مهمة المرشد النفسي ومدرس التربية الدينية فقط، وأن مهمتنا تقتصر على إعطاء المادة المطلوبة ثم الانصراف من الحصة، القليل منا من يعرف ظروف طلابه النفسية والاجتماعية، ولو عرفناها أعتقد أن الكثير من الأمور ستتغير داخل الصف وفي نفسية طلابنا وهذا الأهم.
الدمج التربوي لذوي الاحتياجات الخاصة:
في دورة تدريبية حضرتها مؤخرًا، تكلمت المدربة عن نهج التعليم لدى غالبية مؤسساتنا التعليمية، وأن من مميزاته أنه “تعليم جامع” “inclusive education”، أي يفتح أبوابه لجميع الطلاب بغض النظر عن الحالة الاجتماعية، والنفسية، والصحية، والقدرات، والإعاقة.
وهذا شيء رائع، فهو يتيح لهؤلاء الأطفال الانخراط في الحياة، ويعطيهم حقهم في تعليم متساوٍ مع أقرانهم، ولكن تكمن المشكلة في عدم تثقيف وإعداد المدرسين جيدًا للتعامل مع الطلاب ذوي المشاكل الصحية، فالدورات التدريبية التي يتلقاها مدرسونا تقتصر على طرق تدريس القراءة والكتابة، والتعلم النشط، وبعض المواقف التربوية البسيطة، ولكن لا يوجد دورة تدريبية واحدة تتناول الجانب الإنساني في تعاملنا مع الطلاب.
نحن بحاجة أولًا ككبار وكمدرسين لتقبل الاختلاف، لنستطيع تربية الناشئة الصغار على التعامل مع الآخر وتقبله مهما كان اختلافه.
تحمل رواية “أعجوبة” أو ” wonder” كما تعرف بالإنجليزية الكثير من الدروس التربوية والإنسانية الهامة، لذا أعتقد أننا جميعًا بحاجة لقراءتها.