كيف نتعامل مع حب الفضول وثورات الاستكشاف لدى أطفالنا؟
إذا أحضرنا قطة صغيرة إلى البيت فإنها تقضي الساعات الأولى مختبئة في ركن حصين يوفر لها الشعور بالأمان! فإذا انقضت تلك السـاعات في سـلام من غير حادث يهدد أمن القطة (مثل هجوم الأطفال عليها أو مطاردتهم لها من مكان إلى آخر في البيت مما يدفعها إلى الفرار) فإنها تقضي الساعات التالية في استكشاف المكان، وقد تقضي القطة عدة أيام تستطلع خلالها كل زاوية في البيت وكل ركن فيه إلى أن يصبح كل ما في البيت معروفًا تمامًا لها.
سلوك القطة هذا يبين لنا أن الفضول أو حب الاستطلاع غريزة حيوانية، وإنْ تكنْ هذه الغريزة في فصائل الحيوان متممة لغريزة البقاء ومعززة لدورها في المحافظة على الحياة، إلا أنها عند الإنسان تتخذ بُعْدًا أوسع يتناسب مع الوضع التكريمي للإنسان.
وغريزة الفضول نفسها هي التي تدفع الطفل إلى فتح كل ما هو مغلق، وفَضِّ كل ما هو ملفوف، وما يبدو للآباء على أنه عبث من الطفل بكل محتويات البيت ليس في الحقيقة إلا محاولات استكشاف يقوم بها الطفل في محيطه الصغير، ومن الطبيعي كذلك أن تكون محاولات الاستكشاف الأولى فَجَّةً لا براعة فيها، إذْ ما تزال المهارات الحركية للطفل في طور النمو المبكر، وليس غريبًا والحال كذلك أن تكون هناك بعض الخسائر نتيجة رياضة الاستكشاف، سيَّما عند غياب المتابعة المستمرة للطفل.
ومن الخطأ الفادح قمع محاولات الاستكشاف التي يقوم بها الطفل، واتهامه بأنه يتلف كل شيء في البيت ولا يَدَعُ حاجة في مكانها أو على حالها! إذْ لن تُسْفِرَ محاولات القمع إلا عن نوبة بكاء حاد من الطفل تتوتر معها أعصاب الأم أو الأب أو الاثنين معًا! وتزداد حدة التوتر حين تفشل محاولات إسكات الطفل وترضيته، بحيث يمكن أن ينتهي الموقف بمشهد مأساوي، حين ينهال أحد الوالدين على الطفل ضربًا!
والأساس الصحيح لمعالجة مواقف الاستكشاف هو إفساح الطريق للطفل ليشبع غريزة الفضول – دون تمادٍ! فمثلًا إذا أراد الطفل استطلاع ما في حقيبة أمه فلا بأس من تركه يفعل ذلك تحت إشرافها، فإذا بدأت يَدُهُ الصغيرة تنبش محتويات الحقيبة وتلقى بها خارجًا، فيمكن عندئذ صرف انتباهه عن هذا العمل برفق إلى شيء آخر، وما أسهل تبديد انتباه الأطفال! أما جَذْبُ الحقيبة عُنْوَةً من يده، سواء صاحَبَ ذلك التوبيخُ المألوفُ أم لا، فسوف تكون النتيجة خلق واحد من مواقف الصراع مع الطفل – وهي مواقف يتأذّى منها الطرفان: الطفل ووالداه!
ومع تقدم الطفل في العمر، يأخذ حب الاستطلاع صورة جديدة، تتمثل في ملاحقة الوالدين بعشرات الأسئلة – وهي أسئلة محرجة غالبًا! وقد يتكرر نفس السـؤال من الطفل عدة مرات، والواجـب على الآبـــاء هو الإجابة على الأسئلة بصدق، دون مراوغة وحتى دون مواربة، مع مراعاة أن تكون الإجابة واحدة أو متقاربة في كل مـرة يتكـرر فيها السـؤال. فالأجوبة غير الصحيحة لن ترضي فضوله، والأجوبة المختلفة سوف تربكه وتزيد من حيرته!
أحيانًا يسأل الطفل سؤالًا تحتاج الإجابة عليه إلى معرفة صحيحة، مثال ذلك أن يسأل الطفل: من أين يأتي المطر؟ أو: لماذا لون السماء أزرق؟! أو لماذا ينطفئ المصباح عندما نضغط على مفتاح في الحائط؟! فإذا كان الجواب العلمي الصحيح معروفًا فيجب تقديمه للطفل – مع الاستعداد لمحاورة من جانبه، أما إذا كانت الإجابة الصحيحة غير معروفة فالواجب هو عدم تقديم أي إجابة، ويمكن أن يكون الرد شيئًا مثل: سوف أبحث عن الإجابة في كتاب عندما أذهب إلى المكتبة؛ أو أرجو أن تسأل أستاذك في المدرسة؛ أو انتظر إلى أن يزورنا عمك فلان ووَجِّه إليه السؤال؛ أو غير ذلك من الردود المناسبة – والتي تكفي غالبًا لإسكات الطفل في وقت السؤال، ولا ينبغى أبدًا نَهْرُ الطفل عن توجيه أسئلة لا نعرف إجابتها، فمحاولة معرفة الإجابة الصحيحة هي فرصة لتثقيف أنفسنا من ناحية، ومجال خصب لتكوين صداقة متينة مع الطفل من ناحية ثانية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن غريزة حب الاستطلاع وما تستتبعه من محاولات الاستكشاف وإلقاء العديد من الأسئلة، من أهم عوامل نمو مدارك الطفل واتساع آفاق عـقله، إلا أن هذه الغريزة، مثل الغرائز الأخرى، تحتاج إلى توجيه وتهذيب يتناسب مع أطوار نمو الطفل! فبينما يعتبر الفضـول حقًا طبيعيًا في الطفولة، يعتبر رذيلة ممجوجة في الكِبَر!.