العقاب البدني وجدواه في التعليم والتربية
بين الثانية والرابعة من العمر يكون الطفل مملوءًا طاقة وحيوية تؤهله وتمكنه من القيام بجميع أعمال “الشَّيْطَنَة” من قَفْز على الأَسِرَّة إلى وثب على المقاعد، ومن اختباء في الدواليب وتحت الأرائك إلى اعتلاء المناضد والتسلق على الكراسي، ومن العَدْو والصياح إلى رَكْلِ أقرانه وجَذْب شعرهم؛ وغير ذلك من الأعمال المشابهة التي تخرج بالطفل من وداعة الملائكة إلى تمرد الشياطين!
ورُوَيْدًا رويدًا يصبح التعامل مع شيطان مريد أمرًا صعبًا! فالأم المسكينة تلهث وراء طفلها الذي يفور حيوية، ولا تكاد تلحق به! ولا يفيد أمر ولا نهي في زجر الطفل عن ألعابه الشيطانية – وأكثرها لا يخلو من خطر. عندئذ قد يفلت زمام السيطرة على الأعصاب، فتنهال الأم على صغيرها ضربًا! وقد يعجز الأب كذلك عن كبح جماح طفله الذي لا تهدأ له حركة، ويرثي لحال زوجه التي فقدت صوابها بسبب شيطنة طفـله، فيأخذ هو كذلك في ضـرب الصغير! ومرة تِلْوَ مرة، يصبح الضرب عادة متكررة، بحيث لا يمر يوم دون ممارستها!
وإذا كانت أعمال الطفل الشيطانية سببًا في إنزال العقاب عليه بالضرب، فأحيانًا يُضْرَبُ الطفل لأسباب لا دخل له فيها! فغالبًا ما يبتلى المسكين بـ ” علقة سـاخنة ” في أعقاب نقاش حاد بين الوالدين ترتفع فيـه درجة توتر الأعصاب! وقد يكون الطفل كذلك “كبش الفداء” لضغوط في العمل تجعـل والده متوترًا مشحونًا بحيث ينفجر (بغـير وعي) عند أدنى خطأ من الصـغير، وقد تكون ظروف معيشية صعبة تجتازها الأسرة سببًا في تكرار ضرب الطفل بغـير مبرر!
أيًا ما كان سبب ضرب الطفل، فإن الدراسات الحقلية (أو الميدانية) التي يجريها الباحثون في طب الأطفال النفسي تشير جميعها إلى الآثار العكسية للضرب على نفسية الطفل وصحة نموه العقلي، بل إن العقاب البدني الشديد (أي الذي يؤذي الطفل) يؤدي إلى نشوء عقد نفسية واضطرابات سلوكية خطيرة، كما تفيد تلك الدراسات أن الهدف من العقاب البدني يمكن تحقيقه بوسائل أخرى أقل إيلامًا وإيذاء للطفل، والأجدى في تعويده على هجر السلوك أو العمل الذي يعاقب لأجله، ولعل أجدى تلك الوسائل وأنفعها على الإطلاق هو الترغيب المبني على تفهيم هادئ يعـقبه تشجيع بمكافأة، فمثلًا إذا أريد أن يقلع الطفل عن عادة وضع إصبعه في أنفـه، وهي عـادة شـائعة بين الأطفـال، فيمكن تفهيمه أنها عـادة غير مستحبة، ثم يُعَلَّمُ كيف يستعمل منديلًا لتنظيف أنفه، ثم يعطى قطعة حلوى مكافأة له على استعمال المنديل، مع إخباره أنه سوف ينال قطعة حلوى في كل مرة ينظف فيها أنفه باستعمال المنديل.
من وسائل العقاب المجدية وغير المؤذية في آن معًا حرمان الطفل من بعض مصروفه اليومي، أو حرمانه من اللعب مع أقرانه فترة قصيرة من الزمن، ومن المهم أن يلجأ الوالدان إلى العقاب إذا كان خطأ الطفل كبيرًا؛ وأما توقيع العقوبة على كل هفوة وزلة فأمر غير مستساغ عقلًا ولا مقبول تصرفًا، ومن المهم كذلك أن تكون وجهات نظر الوالدين واحدة، إذْ لا يصح معاقبة الطفل على أمر تراه الأم خطأ ويراه الأب غير ذلك! والواجب في هذه الحالة أن يتفق الوالدان فيما بينهما أولًا على ما هو خطأ وما هو غير خطأ بالنسبة لسلوك الطفل.
–
–
ومن الجدير بالذكر أن بعض الآباء يستند إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سَبْعًا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا” (رواه الإمام أحمد)، في تبرير ضربه لأطفاله! والضرب المقصود في الحديث النبوي الشريف هو الضرب الخفيف الذي يُشْعِرُ بالذنب دون إيذاء البدن، فضربة خفيفة على يد طفل في العاشرة كفيلة بإشعاره بالخطأ الذي وقع فيه، وشتان بين ضرب طفل في العاشرة وآخرَ في الثالثة من العمر! فمدارك هذا غير مدارك ذاك، وعلى ذلك فإن الاستدلال بالحديث الشـريف لتبرير ضـرب الأطفـال اسـتدلال غير صحيح (والله أعلم).
اقرأ أيضًا