التعليم في فنلندا يقوم على منح الطلاب المبادىءء، مبادىء التعلم.
هذا التوجه يخفف منذ البدء أعباء الضغوطات الدراسية ويخلص الطلاب من موقعهم المعروف في بلادنا، وهو ماكنة لحفظ المعلومات، اعتبارًا لأن المعلومات لا نهائية ولا يمكن لنا حصرها، عدا عن أن تلقين الطلاب موادًا من المحتمل جدًا في عالمنا سريع التغير أن تغدو “غير صالحة” بعد خمس سنوات أو عشر سنوات عند تخرج الطلاب أو عشرين سنة عند اندماجهم في سوق العمل، من ذاك الذي لديه القدرة على التنبؤ بالوظائف المطلوبة في عام 2030.
بإمكان المدرسة أيضًا أن تتحول إلى طاحونة، لا يتوقف بها الطلاب عن الدراسة والتعليم لتحصيل أكبر الممكنات، لكن هذا أمر مختص فقط بـ “الفئة القليلة” من التلاميذ الذين لديهم استعداد لذلك.. ولكن التعليم في فنلندا يسعى إلى إنتاج نموذج تعليم يناسب الجميع ويعترف بكافة القدرات ويحاول تطويرها، وليس الإعتماد على “الفئة القليلة” وتجاوز البقية.
ما هي مباديء التعلم اذًا؟ تنمية القدرة على التفكير، الإبداع، والفضول. هي ثلاثة أحجار أساسية تقف عليها المدارس الفنلندية، وهي في الحقيقة ما إن ملكتها كأنك ملكت مفاتيح كل شيء. يؤمن واضعو المناهج التدريسية في فنلندا أن الإنسان بطبعه وفطرته فضولي ويبحث عن المعرفة، وكل ما يريدونه هو أن تحاذي المدرسة هذا الطبع أو تسير خلفه وتصقله، بدلًا من أن تقف سدًا منيعًا في وجهه أو تعمل على استئصاله، كما يحدث في التعليم الرسمي لدى معظم دول العالم، وقد عقب آينشتاين عليه بجملته الشهيرة: “انها معجزة أن ينجو الفضول من التعليم الرسمي.”.
ولهذا فإنهم يسعون بصورة دائبة لتحويل المدرسة الى أشبه بالعالم الواقعي.
أولًا.. يتوقف المدرس عن ارتداء قناع مختلف عن شخصيته الطبيعية، ويهتم بألا تكون العلاقة بينه وبين تلامذته رسمية، فهو يلاعبهم ويعمل على إدخال السرور إلى قلوبهم.
ثانيًا.. ولإضفاء الهدوء والراحة في المدرسة بعيدًا عن الشحناء والضغط، فإن التلاميذ يقضون كل يوم ساعتين على الأقل في فناء المدرسة، أي خارج غرفة الصف، وذلك انطلاقًا من اعتبارهم أن العالم الخارجي أكثر جذبًا وإثارة للفضول منه في الروتين الصفي الصارم.
ثالثًا.. أن يكون المدرس باحثًا في مجال التربية والتعليم ومهتمًا به، وذلك لسبب بسيط، أن المواد الدراسية ليست قالبًا واحدًا يوزع عليهم، والتلاميذ متغيرون، لهذا عليه أن يمتلك القدرة على أن يوجد لنفسه أسلوبه الخاص في تدريس المواد وإيصالها إلى طلبته، من خلال البيئة التي يتعامل معها في كل مرة.
من المثير للضحك في الحقيقة هو أنك إذا قررت يومًا ما الدخول الى أحد الصفوف في هذه المدارس، فإنك ستشك تمامًا أنك في العنوان المراد، قد ترجع أدراجك وتسأل مجددًا إن كنت في مدرسة! من المحتمل جدًا أن تدخل إلى حصة حاسوب فلا تجد هناك أستاذًا، أين الأستاذ؟ حصة بدون أستاذ؟
وذلك عندما ترى كل تلميذ يشرح لزميله مادة يعرفها هو على الحاسوب، ويبادله الآخر بما يعرف، وبهذا يتم أيضًا خلق إنسان فاعل يفيد من حوله ويستفيد.
حصة التكنولوجيا تدخلها لتعتقد أنك في غرفة ألعاب وتسلية، إلا أن التلميذ في الحقيقة يقوم ببناء نموذج متحرك بنفسه ويسعى إلى تجربته وتحسينه من خلال مهام ألقاها عليه المدرس، وبذلك يمكن أيضًا تطوير قدرته على التفكير وإخراج القانون المتعلم من سياقه ووضعه في سياقات جديدة بعيدًا عن التصلب، قريبًا من المرونة، بعيدًا عن النظرية، قريبًا من الواقع.
وهكذا فإن المدرسة في واقع الأمر تقوم على عملية تخريجك للحياة والتعامل معها، وليس تخريجك صفر اليدين مع ورقة تؤهلك لدخول الجامعة فقط.. أنت تتعلم كيف تكون قادرًا على التعلم طوال سني عمرك، بعيدًا عن الخرف المبكر وتماهيًا مع مشكلات الحياة وعناوينها المتغيرة والمتجددة.
للمزيد عن تغطية التعليم الفنلندي المتفوق.. تابعوا الحلقة القادمة