رؤية مثقف

حين تفتح ملف التعليم

حين تفتح ملف التربية والتعليم تتداخل عليك الملاحظات ، وتستفزك الممارسات العشوائية حتى تحار من أين تبدأ و كيف تنتهي!!

وحده ملف التربية والتعليم يشغل حيزًا هامًتفكيرا في تفكير فئة عريضة من أبناء المجتمع تكاد لا يضاهيها في النفوذ والاستحواذ على الأذهان أي مؤسسة أخرى حكومية وتستحوذ على حصة من إجمالي الميزانية السنوية العامة

من المفارقات المذهلة في المجتمعات العربية فيما يختص بهذا الجانب أنك ترى -في كثير من الحالات – المتحدثين في الشأن التربوي هم من خارج الميدان التعليمي ، أو هم من أولئك الذين لا سلطة لهم ولا منفذ لتحويل أفكارهم إلى واقع يعبر عن قناعاتهم ، ويترجمها على الأرض.

هذه الثنائية في النظرة إلى ماهية رؤية التعليم يقابلها على الأرض ثنائية في تقييم الواقع تعكس عمق الثغرة في منظومة الوعي لدى فئة غير القادرين على إدراك حقيقة الوضع التعليمي القائم ، ومدى قصوره عن تلبية الحاجات العليا للمجتمع.

ومن خلال حوار بسيط مع المشتغلين في الميدان التربوي تكتشف ذلك الخلل وتقف على تفاصيله الكاملة،

فليس بغريب على إداري توقفت خبرته المعرفية عند حدود معينة منذ سنوات عدة أن يؤكد في أحد حواراته أنه قد حاز على أنواع من النجاح في مسيرته في خدمة التربية والتعليم.

هذا التوكيد المشفوع بقرائن وأدلة يحشدها مثل هذا الإداري الذي يظن نفسه فوق الناس تتهاوى أمام العقل الواعي ، الذي يرى علامات الخلل سافرة عن وجهها دون أقنعة أو أصباغ.

ويلح السؤال كيف تنقلب المعايير الذاتية لدى بعض الأشخاص على مثل هذا النحو المريع؟

كيف يكبر الورم النفسي ، ويتجذر الغرور لدى الشخص المهيئ لتصديق أي مجاملة تقال في حقه على النحو الذي تتحول معها عبارات المديح إلى عقيدة صلبة يمتنع بموجبها عن تصديق اي نوع من النقد او الترحيب بقائله مهما كانت درجة مصداقية الناقد وغيرته على المصلحة العامة.

إن حصار المديح الزائف الذي يختاره الفرد بمحض إرادته يمنع بشكل تلقائي مرور الرأي الآخر، ينحي في زاوية معتمة من زوايا التفكير حيث تقطع حبال الوصل مع ذلك الراي غير المرحب به ، او بصاحبه المتدخل فيما لا يعنيه.

ومن غريب الطباع انك ترى يافطة ممنوع مرور الفضوليين والمتطفلين ترفع في وجه اي ناقد وإن كان محقا ، بينما تختفي هذه اليافطة امام كل من لديه باقة من الثناء والمديح يعطر بها اجواء ذلك المعجب بنفسه المعتد برايه وإن كان على خطأ مبين.

إن من الصعوبة بمكان ان تسوغ مثل هذه السلوكيات الطفولية ، ويقبل وضع كهذا في البيئة التعليمية ، التي تتاثر سلبا بوجود مثل هؤلاء المرضى في مناصب إدارية يتخذونها مطية للتنفيس عن شعورهم بالنقص ، وإحساسهم بقصر ادواتهم عن النجاح في الادوار التي اسندت  إليهم.

النفوس الطبيعية تتجاوب مع المناصب الجديدة وتحاول بجدها ومرونتها وتكيفها مع متطلبات النهوض بالذات ان تؤكد للجميع مدى جدارتها بالمهام التي اسندت إليها ، اما النفوس الضعيفة فتدخل النجاح من غير بابه الطبيعي ، وحينها تكثر العثرات ويتفاقم الخلل وبدلا من التوقف ومحاسبة الذات يهرب هؤلاء الواهمون إلى الخلف ، ويسدون اذانهم عن سماع النصح والتوجيه.

كلمات النقد يرونها عدوا لا بد من الفتك به ، ومحاولات التعبير عن وجهة النظر يتخيلونها خناجر تدمي قلوبهم وتحطم احلامهم التي بنتها احلام اليقظة  وشيدتها جسور الاحلام الفضفاضة دون عدة كافية او رصيد يبلغ الاهداف ويوصل إلى منطقة الامان والراحة.

العجب كل العجب من تجذر مثل هذه الاوضاع المهترئة في بيئة يعد تطهيرها من العناصر الضعيفة عملا وطنيا واخلاقيا وحضاريا نحن بامس الحاجة إلى النجاح فيه وبلوغه في فترة زمنية وجيزة.

كاتبة وباحثة تربوية

Back to top button