المدارس المختلطة بين المؤيد والمعارضقضية الشهر

تجربتي الشخصية في التعليم المختلط

الاختلاط في المدارس، هل هو أمر جيد أم سيء؟

هل هو سبب رئيسي في وجود مشاكل تتعلق بالأخلاق وحسن التصرف في التعامل بين الجنسين كما يدعي البعض؟

أم هو طريقنا للتحضر وخلق مجتمع قادر على التعايش والتعامل مع الاختلاف وفهم طبيعة شخصية أطرافه؟

تجربتي الشخصية في الدراسة منحتني الفرصة في التعرف على ملامح التعلم في المدارس المختلطة والمنفصلة، بعد أن درست في المرحلة الإبتدائية والإعدادية في مدرسة واحدة مختلطة لمدة 8 سنوات، اضطررنا أنا وأصدقائي الانتقال لمدارس منفصلة في المرحلة الثانوية بسبب أن مدرستنا لا يوجد بها تعليم ثانوي.

الأمر كان شاقًا علينا في البداية، خاصة مع كوننا أصدقاء مترابطين للغاية، فقد كان فصلنا بمثابة بيتنا الثاني، ولا يمكن التخلي بسهولة عن فكرة عدم رؤية أصدقائك الذين تعودت على قضاء أكثر من ربع يومك معهم على مدار سنوات الطفولة والمراهقة.

واجهتنا بعض الصعوبات كذلك، بسبب العنصرية التي مُرست ضدنا بشكل صريح في المدرسة الجديدة الخاصة بالبنات فقط، نظرًا لكوننا في مدينة صغيرة، فكان من السهل التعرف على الطالبات الجدد المنقولات من المدرسة المختلطة، وكانت دائمًا تصرفاتنا تحت المراقبة، وعلينا أن نستمع لمحاضرات المُدرسين عن الأخلاق الحميدة وحسن التصرف ونسيان (الدلع) الذي تعودنا عليه في مدارسنا السابقة لأن هذه هي مدرسة الفتيات المشهورة بأخلاقها العالية والتي لا يمكن لأحد فتياتها عمل أي خطأ أخلاقي يشوه سمعة المدرسة وإلا عوقبت بما تستحق.

دراما تلفزيونية بإمتياز، مصحوبة بالكثير من التساؤلات حول طبيعة الدراسة مع أولاد في نفس الفصل من زميلات الدراسة الجدد.

كيف كان يحدث هذا؟ هل تتحدثون معهم؟ كيف تتعاملون؟ هل حاول أحدهم مصادقتك وإظهار حبه وإعجابه لك؟ كيف تسمحون لأحد منهم أن يتحدث معكم؟

منذ اليوم الأول أدركنا أن هناك مشكلة حقيقية تتعلق بكون الشخص بعيد عن خوض تجربة اجتماعية يشوبها الخوف والكثير من الاعتراضات.

دعك من أن محاولة رسم الصورة المثالية للمدرسة هي فكرة بائسة للغاية، خاصة مع علمنا جميعًا أن هناك الكثير من التجاوزات الأخلاقية (في نظر المدرسة) تحدث من قِبل الفتيات التي تربوا على تقاليدها طوال السنوات الماضية على عكسنا.

لم نكن المجنحة التي هبطت على المدرسة لتثبت لهم أن التعليم المختلط لا يوجد به مشكلة، ولم تكن فتيات المدرسة شيطانات تحاول رسم صورة مغايرة لطبيعتهم أمام مُعلميهم ومديرة المدرسة.

بعد سنوات من خوضي هذه التجربة ومحاولة تحليلها وفهمها بشكل أفضل، وجدت أنه لم يكن هناك مشكلة حقيقية لا فينا ولا في فتيات المدرسة، ولا في المدارس المختلطة.

المشكلة لا تتعلق بكون المدرسة مختلطة أو منفصلة، والمشكلة لا تتعلق بوجود حتى علاقة عاطفية بين جزء من الطالبات والطلاب إن حدث هذا الأمر.

في الواقع تحرك المشاعر تجاه الجنس الآخر هو أمر طبيعي للغاية، واختبار هذه المشاعر والتجارب في إطار عقلاني لا يوجد به مشكلة في نظري، طالما أن الطرفين على دراية ووعي بطبيعة العلاقات البشرية، ولديهم من يلجئون له لاستشارته وطلب نصحه في التدخل في حال الإحساس بخطر أو وجود مشكلة على أعتاب الحدوث.

المشكلة الحقيقية في نظري هي في محاولة منع الأمر باعتباره وسيلة تحقيق الفضيلة ونشر الأخلاق في المجتمع، في تلخيص التعامل بين البنات والأولاد في العلاقات العاطفية فقط، مما يجعل كل الطرفين في حالة تأهب مستمرة سواء للوقوع في الحب المزيف، أو العزوف عن التعامل خوفًا من الوقوع في الخطأ.

على مدار 8 سنوات، ثلاثة قضيتها في مرحلة المراهقة في مدرستي، لم نتعرض لمشاكل من هذا النوع “الأخلاقي” الذين يتحدثون عنه، ربما بسبب نشأتنا وتعاملنا المستمر باعتبارنا “بشر” طبيعين مختلفين الجنس فقط لا غير.

كنا أصدقاء بدون محاولات للتحايل على الكلمة أو المصطلح ومنحه ألقاب أخرى مثل “مجرد زميل” أو “أخ دراسة”، في الحقيقة كنا جميعًا نتشاجر ونتراضى على نفس الأسباب التي تحدث بين أصدقاء وليست لها أي علاقة بالعاطفة أو الحب أو الانجذاب بين الطرفين، وبحديثي هذا لست أحاول دفع تهمة ما، بنفي وجود مثل هذه العلاقات بين أصدقائي وزملاء دراستي، لكن فقط هذا ما حدث بكل بساطة.

منحتنا التجربة السلام والطمأنينة في التعامل مع الجنس الآخر دون خوف أو تساؤل مستمر عن طبيعته ومحاولة تجنب هذا التعامل باعتباره باب للشر.

لقد كان لمُعلمينا وأولياء أمورنا كل الفضل في ذلك، بسبب الثقة التي منحوها لنا، وتوجيهنا في التعامل السليم مع زملائنا الذين تحولوا مع الوقت لأصدقاء عُمر وليس أصدقاء دراسة فقط.

هذا عن تجربتي الشخصية باختصار شديد، ولكن ماذا عن التجربة العامة؟ هل تأتي بثمارها مع كافة الشخصيات؟

لا يمكنني أن أطلق حكم عام على الموضوع، وهناك الكثير من المواضيع والمقالات والأبحاث عن الدراسة المختلطة والمنفصلة وتاريخها الذي بدأ تقريبًا في القرن التاسع عشر.

من قرائتي عن هذا الموضوع وجدت أنه يتخطى حاجز الخوف من العلاقات العاطفية بين الجنسين، بل يمتد كذلك لفكرة تقدير دور المرأة في المجتمع وقدرتها على المنافسة والتعلم والعمل.

لا تخف لن أرهقك بحديث طويل عن المساواة والنسوية وحقوق المرأة، على الرغم من أنه حقي في التعبير، لكن دعني أنتقل معك لبعض مميزات وعيوب التعليم المختلط كنوع من أنواع الموضوعية وعرض كلا الرأيين للحكم بنفسك في الأمر.

– تطوير الاحترام المتبادل

يسمح التعليم المختلط لكلا الجنسين بالانخراط وتعلم كيفية التعايش مع احترام الآخر، وفهم متبادل تجاه بعضهم البعض، ويصبح هناك عدم تردد أو تحيز عندما يتعلق الأمر بأنشطة ثقافية أو رياضية أو أكاديمية.

كما يتعلمون القدرة على احترام بعضهم وفهم مستواهم العاطفي والتعرف على نقاط ضعف وقوة الطرف الآخر وتقبلها والتعايش معها كما هي.

– التغلب على الخوف من الطرف الآخر

بوجه عام هناك الكثير من الاختلافات في أسلوب وسلوك كل من الجنسين، مما يسبب بعض الخوف أو التردد أو الحرج عند التعامل سواء من طرف الأولاد أو البنات.

عندما يتعرض الأطفال لتجربة التعامل سويًا في مؤسسة تعليمية واحدة، يصبحون قادرين على التغلب على هذه المشكلة بسبب انخراطهم المستمر في التواصل اليومي مما يدفعهم لفهم طبيعة الاختلاف والتعامل معه بشكل طبيعي.

– المنافسة الصحية

المنافسة أمر فطري في نفوس البشر، وعندما يتعلق الأمر بالدراسة يصبح الأمر صحيًا عندما تصبح المنافسة أخلاقية مع زملائك مما يسمح لك بتعلم كيفية تقبل الفشل وتجنب أسبابه لاحقًا دون النظر أو التركيز على طبيعة الفائز.
عند التنافس مع الجنس الآخر يصبح الأمر أكثر قوة بسبب الغرور والانتماء الجنسي لفئة محددة ترغب في إثبات قوتها على الفئة الأخرى.


التعليم المختلط يساعدك على تحديد معاييرك الشخصية للنجاح والفشل دون الاهتمام بعوامل أخرى كجنس المنافس أو نوعه.

– تقدير الذات بين الجنسين

احترام الذات وتقديرها هو أمر في غاية الأهمية ويجب على الأطفال تعلمه في وقت مبكر، وأفضل مكان لذلك بكل تأكيد هو المؤسسة التعليمية، حيث يتعرضون لمواجهة أنماط مختلفة من الشخصيات في سن صغيرة.

توفر المدارس المختلطة الفرصة في إرساء مبدأ تقدير الذات لدى الفرد وكذلك تجاه الجنس الآخر، وبناء الثقة في القدرة على المواجهة دون خوف أو تردد.

– الحفاظ على البقاء مستقبلًا

لا يمكن أن نحافظ على بقاء الجنس البشري مستقبلًا إلا بتعلم كيفية التعايش سويًا. من العمل معًا وحتى محاولة إنجاح الزواج، يتعلق الأمر دائمًا بروح الفريق والجهد الذي يبذله الأطراف في استيعاب وفهم الاختلافات والتعامل معها بشكل سليم.

لذلك أصبح من الضروري في عالمنا الحديث أن يصبح التعليم المختلط أمر أساسي لتعلم كيفية البقاء مستقبلًا.

– لا مجال للتمييز أو العنصرية

يحدث التمييز نتيجة لعدم الفهم الصحيح والمفاهيم الخاطئة وفقدان القدرة على التواصل والشعور بعدم الارتياح وعدم احترام الجنس الآخر وكذلك الجهل.

يمكن معالجة كل هذه المشكلات من خلال وجود تفاهم جيد بين كل من الطرفين، ويحدث هذا بشكل أفضل في إطار تعليم مختلط، حيث يصبح مسموح فهم طبيعة كل طرف والتعامل في المواقف المختلفة وتقليل حدة ردود الأفعال أو الظنون والتوقعات الخاطئة تجاه كل طرف.

– الاستخدام الجيد للموارد

في المدارس المنفصلة تظهر بعض المشاكل نتيجة لضرورة توفير الموارد البشرية أو المادية لكل مدرسة على حدة، ويحدث في كثير من الأحيان نقص أو عدم وجود مُعلمين أو محاضرين في علوم محددة أو حتى الموظفين بشكل عام.
من خلال وجود نظام تعليم مختلط يمكن الحد من هذه المشاكل نتيجة لتوفر الموارد من كلا الجنسين واستعدادهم للعمل في بيئة واحدة غير منفصلة.

– يعزز من وجود بيئة محكومة

عندما ينشأ كل من الطرفين سويًا، يصبح هناك احتمالية كبيرة لاتباع سلوك أكثر تهذيبًا عندما يتعلق الأمر بمراعاة القواعد العامة للحديث والتعامل أمام الآخرين.

هذا عن المميزات، أما عن العيوب فهي كالتالي:

– زيادة فرص الانحراف

عندما يصبح الطلاب في مرحلة المراهقة تزيد لديهم مشاعر الانجذاب تجاه الطرف الآخر، ومع وجودهم كذلك تحت ضغط تحديد المصير والمستقبل في المرحلة الثانوية، يصبح هناك فرصة أكبر في التعرض للانحراف العاطفي والوقوع في المشاكل، إن لم يكن هناك نظام صحي وقوي للتعامل مع مشاكل الطلاب النفسية والعاطفية وتخفيف ضغوطات الدراسة عليهم.

– أنشطة غير أخلاقية

تحدث بعض الجرائم والأنشطة غير الأخلاقية في الأنظمة التعليمية المختلطة نتيجة لوجود أنماط مختلفة من شخصيات الطلاب الراغبين في إيذاء الآخرين أو التنمر عليهم أو محاولة إثبات القوة على الشخصيات الأضعف.

لذلك يحرص الآباء على حماية أبنائهم وخاصة البنات بتسجيلهم في مدارس منفصلة خوفًا من التعرض لهذه التجارب.

– المناقشات والخلافات غير الصحية

كل جنس لديه أفكاره ومعتقداته الخاصة نتيجة لأسلوبه وطبيعته المختلفة، وبعض في الأوقات تحدث بعض النقاشات والخلافات غير الصحية بين الطرفين التي قد تؤدي لمشاكل لاحقة، وقد تؤثر حتى على أداء المُعلمين وإرهاقهم في محاولات فض هذه الخلافات الفكرية بين الطرفين.

في النهاية لا يمكن القول أن هناك نظام تعليمي محدد قادر على أن يقضي على كافة مشاكل المجتمع، أو أنه الأفضل بشكل مطلق، لكن في الحقيقة التعليم المختلط يساعد على تخطي الكثير من هذه المشاكل على الرُغم من وجود بعض العيوب به كذلك، والتي يمكن معالجتها كما ذكرت سابقًا بوجود نظام وإدارة قوية قادرة استيعاب هذه المشاكل وتقديم الحلول المناسبة لها.

أما على صعيد شخصي، فيجب أن أذكر أن التعليم المختلط منحني قدرة أكبر على النضج واستيعاب وفهم طبيعة الجنس الآخر والقدرة على التعامل معه، بل والتمييز بين الشخصيات المختلفة واختيار أسلوب التعامل الأمثل معها.

لقد كان التعليم المختلط مصدر حماية لي من الوقوع في المشاكل الشائعة عند الجنسين عن التعامل الأول في مرحلة متقدمة من العمر في الجامعة أو الثانوية، وأكسبني الثقة وتقدير الذات والقدرة على المنافسة دون النظر لطبيعة الجنس.

كما أكسبني كذلك أصدقاء رائعين يمكنني الاعتماد عليهم والشعور بالامتنان لوجودهم في حياتي يمنحوني الرضا عن التجارب الإنسانية التي نخوضها يوميًا لنكتشف مشاعرنا ونقدر جوانبها المختلفة بعيدًا عن المعتقدات السائدة التي نشأنا عليها.

المصادر

Mixed-sex education/Wikipedia

14 Advantages and Disadvantages of Co-Education System 

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى