صوت المعلم

درجات مارتينا أهم!

مغامرة في أدغال التعليم (٦)

دجات مارتينا أهم!

أثناء التحضير لإختبارات منتصف الفصل الدراسي أخبرت طلابي بأن هناك فرصة لتحسين درجاتهم باختبار تعويضي بدرجات أقل، مثال لفهم ما أقول (الإمتحان الأساسي 20 درجة.. سيلحقه اختبار أصغر 3 أو 6 درجات والدرجة التي سينالها كل طالب في الإختبار التعويضي ستضاف لدرجته القديمة .. إن حصل في الإختبار الأول على 18 والثاني درجة واحدة ستصبح درجته النهائية 19).

أعترضت “ مارتينا “ أحد طالباتي على الأمر، رغم موافقة كل زملائها، كان سبب إعتراضها هو عدم مساواة الطالب الذي اجتهد وذاكر من أول مرة مع من يدرس مرة أخرى في وقت لاحق لكي تتعادل درجاتهم في حال نجاحه في حل الإمتحان كاملا. شرحت لها بأن النظام الحالي الذي يحدد مصير الطلاب على أساس درجاتهم في اختبار في يوم واحد الله وحده يعلم كيف كانت ظروف هذا الطالب قبل امتحانه هو نظام ظالم، لربما تعرض لموقف له أثر نفسي صعب عليه، أو مرض ولم يستطع المذاكرة، المهم أنني ضد هذا النظام، وأؤمن بالفرصة الثانية، خاصة إن ما أريده هو أن يدرس الطالب ويفهم منهاجه الدراسي، لا تهمني الدرجات حتى، ولا أقيم الطلاب وأتعامل معهم على أساس درجاتهم كما كان يحدث ومازال يحدث حتى الآن من بعض المعلمين الذين يهتمون بالطلبة المتفوقين ويهملون الطلبة الذين يعانون صعوبة في الفهم أو المذاكرة.

لم تقتنع بما أقوله، وكان قراري نهائي، ليس لمجرد محاولة منحهم فرصة ثانية من أجل درجات أفضل، بل لزرع تلك القيمة في أنفسهم، والمفاجأة عندما أجريت الإختبار وجاءت درجات مارتينا مخيبة للآمال على الرغم من تفوقها الدراسي وحصولها على المركز الأول في الفصل الدراسي الأول، وكان هذا أحد أسباب رفضها لفكرتي، فهي كانت تحب الحفاظ على مكانتها دون المساس بها، كلماتي حاليا لا تحمل أي غضب أو ضيق من طالبتي، حتى وقتها لم أكن غاضبة منها، طوال الوقت أقدر جيدا كمية الأفكار السلبية التي تم زرعها في نفوس هؤلاء الطلبة على مداس سنوات عديدة.

شعرت بإنه لا حاجة للحديث عندما علمت مارتينا بدرجتها في الإختبار، فقط ذهبت وابتسمت لها قائلة (عرفتي ليه بقى قولت لكم فيه فرصة تانية؟) أجابتني بخجل (أيوه يا ميس)، حصل الجميع على درجات أفضل بكثير في الإختبار الثاني وأتمت مارتينا درجاتها العشرون بجدارة مستحقة كباقي زملائها.

السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يربي الأهل والمدرسين أنفسهم الطلاب على نظرية (الأعلى) دائما، والأعلى دائما هو الأفضل، هو الذي يستحق الإحترام، الفرصة الثانية غير مستحقة، ومن يحصل على الفرصة الثانية في النهاية ليس متساو بمن استغل فرصته الأولى، بدون تقدير للظروف، المشكلة التي تواجهني دائما هو تخيل إنه المنهج الذي يربي عليه الطلبة في النظام التعليم بعيد كل البعد عن حياتهم الحقيقية، رغم إنه يغرز فيهم كل القيم والمباديء التي يحيون بها بعد ذلك.

مبدأ “الشطارة في كل المواد“ هو مبدأ مرفوض بالنسبة إلي، سألتهم ذات يوم هل يمكنكم عمل كل شيء في الحياة؟ هل يمكن لأحد أن يتقن كل الأمور في الحياة؟ كانت إجابتهم بلا، واعتبروها الإجابة المنطقية، وهي كذلك بالفعل، حسنا لماذا تفترضون أن أفضل شخص فيكم هو من يحصل على أعلى الدرجات؟ ربما لا يفضل الرياضيات، يكفيه النجاح بها كل عام، ربما يعشق أحدهم العربية، يتمنى أن يصبح كاتب ذات يوم، فيما ستهمه الرياضيات وقتها ؟

حسابنا لطلابنا وأبنائنا من منطلق إنهم آلهه لا تخطيء، أمر سيؤتي بثماره على المدى البعيد عندما ينهارون أمام نظام مثل هذا، سيعلنون رفضهم وعصيانهم وسيستمعون بفشلهم لأقصى درجة فقط من أجل محاربة هذه الفكرة، وربما يحدث الأسوأ ويخرج لنا إنسان جديد بهذه العقلية وينشر أفكاره بين أبناءه.

معلمة رياضيات للصف الأول والثاني إعدادي

مدرسة خاصة

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى