صوت المعلم

رحلات نيلز هلجرسون العجيب

ترى ما هي فرصة حصولك على قراءة قصص مغامرات ممتعة كمقرر دراسي؟ لم تحدث تقريباً في حياتي، وأغلب الروايات والقصص التي كانت مقررة علينا كانت تتميز بالغباء الشديد بالإضافة للسخافة في أسلوب الكتابة وعدم فهمنا الهدف من كتابتها في النهاية، ولكن اليوم سأتحدث عن تجربة دراسة ممتعة حدثت في زمن غير الزمن وبلاد غير البلاد.

ذات يوم في شهر يونيو في صيف سنة 2014 بينما كنت في زيارة أخيرة للمدرسة كمعلمة للعام الدراسي الذي أنتهى دخلت كالمعتاد لمكاني المفضل فيها، المكتبة!، تجولت بين الكتب والروايات على وجه أخص قليلاً واخترت كتابين لأستعيرهم للقراءة في خلال الإجازة الصيفية.

لست بصدد الحديث عن الكتاب الأول والذي يحكي مغامرات قط عجيب لم أقرأه بعد، ولكن الكتاب الثاني الذي اكتشفت إنه ليس رواية ولا قصة، هو كتاب يتحدث عن تجربة كاتبة سويسرية تدعى “سلمى لاجرلوف” كانت أول سيدة وأول سويدية تحصل على جائزة نوبل في الآداب في عام 1909.

” سلمى” التي جاءتها رسالة من الاتحاد الوطني للمدرسين في السويد تقول  كما يذكر في الكتاب: “نحن في حاجة ماسة إلى كتاب مدرسي يستمتع الأطفال بقراءته في حجرات الدراسة، أو في فصولهم، ليثير اهتمامهم بجغرافية بلادهم، كي يعرفوها أكثر ويحبوها ..، نرجو أن يكون الكتاب مثيرا لإهتمام أطفال بلادنا، ليس بالجغرافيا فقط، وإنما أيضاً بتاريخها العريق، ملفتاً أنظارهم لماضيها وحكاياتها الشعبية، وأساطيرها.”

هل علي ذكر الفوارق العظيمة بين تفكير المعلمين في سويسرا وحرصهم على إستمتاع طلابهم بالعلم ومقاربته للحياة الواقعية، وبين حال وواقع معلمينا في العام 2014؟

هدفي في النهاية من الكتابة في مجال التعليم هو تقديم أفكار من شأنها تسليط الضوء على مساوئه لتحسينها، أو ربما ذكر إيجابيات لتطويرها والإكثار منها، أشعر بإنه لا داعي للحديث أو عقد المقارنات في هذا المقال، فقط سأكتب ما قرأته واستمتعت به في الكتاب الذي وقع بين يدي صدفة.

جاء رد سلمى على الرسالة بمحاولتها لتنفيذ طلبهم، ولمدة ثلاث سنوات عكفت على دراسة بلادها بكل تفاصيلها، درست الجغرافيا، التاريخ، الحيوانات، الطيور، الاشجار، النباتات، العادات والتقاليد، الفن الشعبي، وسافرت لتزور المدن والقرى المختلفة، لتكتب لنا في النهاية حكاية طفل صغير في حجم عقلة الإصبع يمتطي أوزة يطوف بها السويد ليقوم بمغامراته التي خرجت لنا في كتاب” مغامرات نيلز هلجرسون العجيب”.

أرسلت “سلمى” الكتاب للناشر وتخوفت من عدم قدرتها على النجاح نظراً لأنها كاتبة للكبار وربما تفشل في الكتاب للأطفال، ولكن جاء الرد مخالفاً لتوقعاتها حيث أعجب الناشر بالكتاب وقرر طبع نصف مليون نسخة منه، ليظهر للأطفال في العام 1907 وينال إعجابهم ويرضي فضولهم وشوقهم للتعلم بمتعة وتسلية، وجاءت ردود أفعال الآباء والمعلمين والأطفال مرضية لحد كبير من خلال رسائل الشكر التي أرسلوها إليها ليعبروا فيها عن امتنانهم لها، بالإضافة لتلقيها عروض لترجمة القصة للغات مختلفة.

ربما عملها كمعلمة في الفترة من 1885إلى 1895 ساعدها على فهم عقول الطلاب والأطفال، وربما روح الطفل المتطلع لقضاء المغامرات التي تبقى فينا رغم الكبر، هي من ساهمت من خروج الكتاب بهذا الشكل  ليصبح إرثاً ثقافياً عظيماً لأطفال السويد، وربما علينا كمعلمين السعي لتوفير مثل هذه الطرق المميزة للحفاظ على هوية البلاد التي نحيا بها وزرعها في أنفس طلابنا بدون الإضطرار للحديث المستمر عن ضرورة حب البلاد التي لا يعرفون عنها شيء، أكثر ما أثار إنتباهي هو حرصها على دراسة عادات و تقاليد وفنون الشعب لدمجها في الكتاب وتقديمها لحقائق واقعية حتى من خلال مغامرات خيالية.

بقي أن أذكر أن الكتاب الذي استمديت منه هذه المعلومات هو من إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب ومن ترجمة وإعداد وتقديم عبد التواب يوسف في حال رغبة أحد القراء في البحث عنه من أجل قراءته.

معلمة رياضيات

مدرسة خاصة

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى