صوت المعلم

طموح جارية

عنوان الرواية أو القصة التي قررت علينا في أحد السنين الدراسية في المرحلة الإعدادية والتي تحكي قصة شجر الدر، الجارية التي حكمت مصر بعد وفاة زوجها السلطان الصالح أيوب. لن أتطرق للحديث عن القصة نفسها في الحقيقة، فهي مجرد مثال على ما تم تدريسه لنا على مدى سنوات من مقررات أدبية علينا التعلم من أسلوبها الكتابي العظيم.

بدون الإلتفاف كثيرا حول المعنى الذي أريد إيصاله، بعد أن قرأت العديد من الروايات العربية والأجنبية وأصبح لدي قدرة بسيطة على فهم وتحليل أسلوب كل كاتب، أشعر بالأسى على ما تم فعله بنا في هذه المرحلة من الدراسة، من بين كل الروايات العربية العظيمة التي يذخر بها تاريخنا الأدبي لكبار الكتاب، اختارت وزارة التربية والتعليم أسوأ روايات ( إن جاز وصفها روايات ) لتدريسها لنا، لا عجب بأن أغلب الطلاب لديهم عقدة نفسية من القراءة، أدركت الآن فقط لماذا يعزف الكثير عن شراء الروايات والتشجع لبدء ممارسة عادة القراءة، لقد تم تعذيبه لسنوات بقراءة أكثر الأساليب مملا في سرد تفاصيل قصة، حيث لا تفهم كيف تم بناء هذه الشخصيات، وكيف تمرم هذه الأحداث بهذا الشكل السريع بدون التطرق لنفسيات كل شخصية لحثنا على التفكر في التخطبات الفكرية والعاطفية التي يشعر بها كل إنسان عند وضعه في ظروف معينة يكتبها الروائي.

حتى الروايات الشهيرة لكبار الكتاب مثل “الأيام ” لطه حسين، و”كفاح طيبة” لنجيب محفوظ، لم تسلم من وضع اللمسة الخاصة لوزارة التربية والتعليم لتتحول لمنهج أدبي كئيب يبعث عليك شبح الإنتحار خاصة عند قرائتك لرواية الأيام.
منذ فترة بسيطة قرأت شابا كتب على صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك بإن رواية الأيام التي يتم بيعها في المكتبات مختلفة تماما عن تلك الرواية التي تم تدريسها لنا والتي كانت أحد أسباب كرهي للكاتب طه حسين وعزوفي عن القراءة له بحجة إنه “كئيب” حتى أدركت الحقيقة.

ليس لدي شك بإن القائمين على اختيار المقررات الأدبية في وزارة التربية والتعليم ينفذون مخططا شريرا بهدف تدمير ثقافة القراءة في المجتمع المصري، فهذه الروايات التي لم نخرج منها بشيء سوى بضع درجات نلناها على إثر حفظنا الجيد لنص حوار قالته شخصية أو ذكر تاريخ حادثة معينة نسينا تفاصيلها بعد خروجنا من الإمتحان.

قرأت رواية الطنطورية ورواية ثلاثية غرناطة للكاتبة المصرية رضوى عاشور، تلك الرواتين التي هزتا مشاعري ووجداني بصدق ناحية القضية الفلسطينية وقضية ضياع حضارة الأندلس، قرأت أيضا لكتاب مختلفين منهم الكاتب المصري عز الدين شكري فشير، رواية أبو عمر المصري والتي تحكي قضة نشأة شخصية أبو عمر الإرهابي، ورواية باب الخروج وهي رواية سياسية ترصد واقع ومستقبل مصر بعد الثورة.

الرابط الذي يجمع كل تلك الروايات هو قدرتها العظيمة على التأثير في أفكارك ومشاعرك وحثك على إعادة  التفكير في كيفية نظرم لأمور مختلفة في حياتك، إيصال المشاعر الإنسانية لمن سبقونا وقت الحروب والنكبات والسقطات الحضارية، الأحداث التاريخية ليست مجرد أرقاما نحفظها لنضعها في ورقة إمتحانية، بالإضافة لكمية المعلومات التي يتم تخزينها في عقلك عن ملامح هذه العصور والحياة التي يعيشها أفراد غيرك، تقديرك وإحترامك للإختلاف، تغيير معاملتك مع البشر في مواقف مختلفة بعد إدراكك لطبيعة المشاعر التي قد تجبر شخص على ردة فعل معينة.

لماذا لا يتم تدريس مثل هذه الروايات بدون تدخل من الوزارة والتعديل على الأسلوب ؟
لا أعلم الإجابة حقا، وأكره الإيمان بنظرية المؤامرة ولكن في قضية التعليم نظرية المؤامرة هي المسيطرة علي تفكيري دائما، هل هو الخوف من ظهور جيل مفكر ومحلل لما يتم فرضه عليه ؟ ربما

لا أنتظر ولا أتوقع أي تعديل في خطة الوزارة بشأن المناهج الأدبية التي يتم تدريسها خاصة بعد رؤتي للتطور العظيم الذي شهدته نصوص الأطفال في المرحلة الإبتدائية حيث يتم تدريسهم نصوص شعر ركيكة تمثل أنشودة يتغنون بها عندما تلاها علي أنا وأمي ابن أختي الصغير لم نفهم ما الهدف والدرس الذي يجب تعلمه منها ؟

كل ما أستطيع فعله في هذا الشأن هو إقناع أصدقائي بالقراءة والبدء بقراءة الروايات لما تمثله من متعة حقيقة بعيدا عن فكرتهم المكتسبة من تجربتهم مع مقررات الوزارة، هذا ما أردده لهم ولطلابي، وأحيانا أتنازل عن واحد من أبنائي ( رواياتي ) لإعارته لهم لتشجيعهم على القراءة.

هل لديكم مشكلة مماثلة في مقررات الوزارة في دولتكم ؟ أخبروني عنها في التعليقات. 

معلمة رياضيات للصف الأول والثاني إعدادي

مدرسة خاصة

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى