صوت المعلم

عزيزي المعلم لا تكن من جيوش الباحثين عن الحد الأدنى!

قليلون هم الباحثون عن التميز في أعمالهم في شتى المجالات، مقارنة بجيوشٍ من العاملين ممن لا يبحثون سوى عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب منهم في أعمالهم المنوطة إليهم.

لمهنة التعليم خصوصية تتميز بها عن غيرها من المهن، فهذه المهنة تبحث عن المتميزين بطبعهم ليعملوا فيها، وبالطبع للوصول للتميز لا بد من امتلاك المعلم الباحث عن النجاح والتميز في مهنته لبعض الأدوات التي تعينه في تحقيق نجاحه وتميزه، وأداءه رسالته على أكمل وجه، ليكون بهذا حقق نجاحه على المستوى الشخصي والمهني، تاركًا بصمته في طلابه لتكون أثرًا باقيًا لا تمحوه عوامل النحت والتعرية التي تحدث له عبر السنين.

في هذه السلسلة سأتحدث عن أدوات يجب على المعلم “الناجح” أن يمتلكها، وقد وضعت صفة الناجح بين مزدوجين لأن الأصل في المعلم النجاح والتميز؛ فلا مكان في مهنة التعليم لغير الناجحين والباحثين عن التميز.

هذه الأدوات تشبه في صفاتها الأدوات التي يمتلكها الحرفي الماهر في حِرف معينة، ولكنها تختلف في دورها الوظيفي إذ أنها تتعدد استخداماتها وتختلف بحسب الحاجة إليها، لا أدعي أنني سأذكر كل الأدوات في هذه السلسلة من المقالات، ولكني سأحاول جاهدًا أن أضع تجربتي موضع النقد والتطوير ومحط الاستفادة منها لكل عامل أو مقبل على مهنة التعليم.

أولاً: الابتسامة:

من أهم أسباب نجاح المعلم في مهمته في تعليم طلابه؛ الابتسامة، هذا الفعل البسيط الذي لا يكلف المعلم شيئًا ولكنه يترك أثرًا قويًا في الطالب، فالابتسامة تأسر القلوب منذ اللحظة الأولى بتبادلها بين المعلم وطلابه، بل وأكثر من ذلك أنها تبعث في نفس الطالب الأمل والطمأنينة للمعلم وما سيتحدث به؛ إضافة إلى أنها سر بشري يجذب العيون، ويجعلها متيقظة متشوقة لما سيأتي بعد إطلاقها في العنان.

كما أن الابتسامة التي يطلقها المعلم تجبر الطالب على إطلاق واحدة منه، لتظهر للمعلم الحالة المزاجية للطالب في ذلك الوقت ليضعها المعلم نصب عينيه قبل البدء بعملية التعليم.

ثانيًا: الحب

كلمة من حرفين شغلت بني الإنسان منذ الوجود، حركّته نحو أشياء ومنعته عن أشياء أخرى، دفعته لاتخاذ قرارات في وجهات معينة، وصدته عن قرارات أخرى.

ولا يتوقف الحب الذي أقصده في مقالي هذا عند حب المعلم لمادته أو حب المعلم لطلابه، أو حبه لمهنته، لكني بهذه الأداة أقصد الحب في كل ما سبق مجتمعًا، فالمعلم المتميز الناجح سمته الحب، يوزعه وينشره في كل مكان يحل فيه، كيف لا، وهو الذي تقوم مهنته على هذه الأداة الفريدة، فلن يبدع المعلم ويتميز دون حبه لطلابه ومهنته وتخصصه، ويمتد ذلك إلى حبه لنفسه واعتزازه بها، حتى يكون قادرًا على نقل هذا الحب إلى طلابه ونثره في زوايا صفه ومدرسته.

ثالثا: العطاء

من أجمل ما قيل في العطاء قول ابن الرومي:

ليس الكريم الذي يعطي عطيتَهُ    على الثناء وإن أغلى به الثمنا

بل الكريم الذي يعطي عطيته لغير شيء سوى استحسانه الحسنا

لم أجد في وصف عطاء المعلم أجمل من هذا البيت، فالمعلم الناجح المتميز هو الذي لا يتوقف عطاؤه على وجوده داخل الغرفة الصفية بل ينتقل معه ومع طلابه إلى حيث وجدوا، فتجده يقدم لهم كل شيء دون مقابل، فهو الذي يتلمس حاجاتهم ويستشعرها ويسعى لتحقيقها أو لوضعهم على طريق تحقيقها بكل محبة وأمل؛ فهو الكريم الذي يعطي دون مقابل، وهو الكريم إذا ما الناس قد بخلوا.

رابعاً: السعي نحو التطور

يقول علماء النفس أن الإنسان يتعلم من خلال ملاحظة نماذج أمامه بطريقة اسرع مما يتعلمه من الكتب والمراجع، حتى أن أمثالنا القديمة تقول (اسأل مجرب ولا تسال حكيم)، فكيف للطالب أن يسعى لتطوير نفسه وأن يبذل جهده في تحسينها وهو يرى أحد أهم العناصر التي تشكل شخصته وتتعامل معه وقتًا طويلًا كل يوم يفتقد إلى هذه الأداة.

من هنا وجب على المعلم أن يكون باحثًا وساعيًا لتطوير نفسه في شتى المجالات، ليقدم نموذجًا إيجابيًا يحتذى به من قبل طلابه، وإن لم يفعل ذلك فأمامه خياران لا ثالث لهما، إما أن لا يصنع من نفسه هذا النموذج، و إما أن يكون نموذجًا سلبيًا يقتدي به طلابه، وفي الحالتين فإن المعلم يغدو عبئًا ثقيلًا على مهنة التعليم، بعد أن نحّى جانبًا أساسيًا من المهمة التي وجد من أجلها.

زر الذهاب إلى الأعلى