قضية الشهرقضية شهر 7/ 2018 “نظام steam التعليمي”

مدارس STEM في مصر، دعم للمتفوقين أم قتل لطموحهم؟

مدارس المتفوقين أو مدارس STEM هي حُلم لكثير من طُلاب الشهادة الإعدادية في مصر، الذين يقاتلون من أجل الحصول على مراكز متقدمة، ودراسة المزيد من العلوم وإجراء اختبارات تحضيرية للقبول في هذه المدارس التي من المفترض أن تدعم المتفوقين من الطُلاب في المرحلة الثانوية، عن طريق نظام دراسي يساعدهم على تحقيق المزيد من التفوق العلمي والأكاديمي ويؤهلهم للحصول على منح دراسية في الخارج أو في كُبرى الجامعات المصرية، لدراسة التخصصات العلمية بشقيها العلمي والرياضي.

على الرغم من ضيقي من أسلوب التقييم الذي تتبعه هذه المدارس لاختيار الطلاب الذين يدرسون بها، وعلى الرغم من عدم رضائي عن أخلاقيات بعض الطلاب الذين يغترون بعلمهم لمجرد دراستهم في مدارس يُطلق عليها اسم (مدارس المتفوقين)، وهو ما لا يُرسخ لقاعدة من العلماء الذين يفهمون قيمة العلم الحقيقية في خدمة الإنسانية لا للتعالي عليها، إلا أنني كنت أرى فيها فرصة جيدة كذلك لعدد كبير من الطُلاب الذين يحصلون على فرصة في المشاركة في المسابقات العالمية والاطلاع والبحث عن العلوم والمصادر العلمية المختلفة وأخيرًا الدراسة في الخارج بعد نجاحهم في الحصول على منح دراسية في كُبرى الجامعات.

وكما أتوقع دائمًا ويتوقع أي شخص لديه خيال أو نسبة ذكاء محدودة، لا يوجد أي نظام دراسي مصري يسير كما تشتهي الأنفس، دون خُلُوِّه من فساد أو جهل إداري لتدمير الكفاءات والمواهب الشابة.

منذ فترة طويلة وأنا أستمع لشكوى العديد من طُلابي السابقين الذين نجحوا في الالتحاق بهذه المدرسة، عن النظام الإداري وبعض المشاكل التي تنم عن جهل وسوء تعامل في مواجهة أفكار ورغبات الطلاب، وكنت أرى أن الأمر بسيط، أو طبيعي؛ نظرًا لتوقعي السابق، لكن المفاجأة الأكبر عندما ظهرت نتيجة الطلاب هذا العام، ووصلت نسبة رسوب الطلاب في 9 مدارس على مستوى الجمهورية إلى 44%، ونسبة النجاح 56% فقط، مما أثار غضب الطلاب وأولياء الأمور، ودفع الوزير “طارق شوقي” إلى تشكيل لجنة قررت إعادة تصحيح المواد للطلاب، وهو ما أسفر عن ارتفاع نسبة النجاح إلى 87.5%.

الأمر الذي لم يسلم من موجة غضب ثانية من الطلاب وأولياء الأمور عندما، لم يتم الكشف عن آليات التصحيح، وكيفية حصول طلاب الدور الثاني على درجات نجاح في المواد التي رسبوا بها، على الرغم من أن بعضهم لم يتقدم بعمل تظلم في هذه المواد.

دفعني الفضول لمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه المشكلة، وكان لي هذا الحديث مع إحدى طالبات مدرسة STEM المعادي، والتي عانت من الرسوب في إحدى المواد لكي يتم اختبارها في مرحلة الدور الثاني، ولكن تم رفع درجات المادة ونجحت بشكل كامل، لكنها فضلت سرد تفاصيل هذه المشكلة التي عانت معها لأكثر من أسبوع مع زميلاتها إلى شبكة زدني:

 حدثيني في البداية عن نظام الدراسة والاختبارات الخاص بالمدرسة.

منذ دخولي إلى المدرسة والاختبارات تتم كالتالي: في الصف الأول والثاني نقوم بدراسة مواد القسم العلمي بشقيها (علمي علوم وعلمي رياضة)، أما في السنة الثالثة يتم التخصص في دراسة قسم واحد فقط منهم.

في الصف الأول والثاني هناك مشروع ختامي يمثل 60% من نسبة النجاح، أما في الصف الثالث هذا المشروع يمثل 20% من نسبة النجاح.

أما عن نظام الاختبارات في الصف الثالث فهو كالتالي: 50% من الأسئلة من منهج الصف الثالث، و50% من منهج الصف الأول والثاني.

هناك نوعان من الاختبارات، اختبار نهاية العام التقليدي، واختبار القدرات المؤهل لدخول الجامعة.

في بعض المواد العلمية نقوم بأداء اختبارين، الأول يختبرنا في معرفة معلومات السنوات الثلاث، والثاني هو عبارة عن أسئلة عامة من الإنترنت، ولا يوجد له منهج خاص أو محدد، وعلى الطلاب الدراسة والاستعانة بالإنترنت.

 ماذا حدث هذا العام جعل نسبة الرسوب تصل إلى هذا الرقم؟

ما حدث هو أن الاختبار الأول مثلت نسبة الأسئلة 16% من منهج الصف الأول والثاني، والنسبة الباقية تم التركيز فيها على منهج الثانوية العامة.

في اختبار الكيمياء على سبيل المثال كان المفترض وجود فقرات علمية ثم أسئلة على هذه الفقرات، وما حدث هو أن الأسئلة لم يكن لها أي علاقة بالفقرات العلمية التي جاءت في الاختبار، والمشكلة الأكبر أن الإجابات الصحيحة لم تكن موجودة في الاختيارات الخاصة ببعض الأسئلة.

عندما ذهبنا لإعادة التصحيح، لم يتم مراجعة أي درجات خاصة باختبار الكيمياء والأحياء. وفي اختبار الرياضيات والميكانيكا، اكتشفت اللجنة وجود مشكلة في إجابات الأسئلة التي تم عرضها على الطلاب في الاختيارات من متعدد، فاضطروا لمراجعة الدرجات وإعادة التصحيح بدون الاعتراف بذلك أمام الإعلام، ولكنهم أخبرونا بما حدث.

كيف كان رد فعلكم بصفتكم طلابًا على هذه النتيجة؟

في البداية قررنا القيام باعتصام في المدرسة وعمل ضغط إعلامي والمطالبة بإعادة التصحيح، ولكننا لم نلجأ لخيار الاعتصام، فما حدث هو أن نتيجة للضغط الإعلامي قاموا بتعديل قانون درجات الرأفة، وبدلًا من أن تكون نسبة النجاح 60% في كل اختبار، جعلوها 50% فقط، ومن حصل على نسبة تتراوح بين 46 – 49 % في أي اختبار يتم منحه درجات رأفة ورفع المادة التي رسب بها.

وفي رأيي هذا ظلم لمن حصل على نسبة تقل عن 46%، لأن بهذا الشكل سيضطر إلى دخول اختبار دور ثانٍ، أو إعادة السنة، وكان من الأفضل أن يتم رفع درجات كل طلاب الدور الثاني، وتحويل الطلاب الذين سيقومون بإعادة السنة إلى الدور الثاني لعدم إهدار وقت ومستقبل الطلاب في عام دراسي آخر.

هناك سؤال هام في نقطة الدرجات ونسب النجاح، هل يختلف تنسيق طلاب مدارس STEM عن تنسيق طلاب الثانوية العامة؟

من المفترض أن هناك تنسيقًا مختلفًا بين النظامين، على سبيل المثال الطالب الذي يحصل على نسبة 90% في مدرسة STEM يمكنه دخول كلية الطب، في مقابل أن طالب الثانوية العامة قد يضطر إلى الحصول على نسبة لا تقل 98%، لكن هناك بعض الشائعات عن أن هذا العام ستتساوى النسب بين النظامين، وهو أمر ليس عادلًا بكل تأكيد، نظرًا لاختلاف طريقة الدراسة والاختبار واحتساب الدرجات.

 هل هناك عدد مقاعد مخصص لكم كـ طلاب مدارس STEM في الكليات العلمية الحكومية؟

لا يوجد عدد ثابت في كل عام، وبالتالي لا يوجد تنسيق ثابت. قديمًا كان عدد الطلاب في هذه المدارس أقل، وبالتالي كان عدد المقاعد المخصص لهم في كليات مثل (طب وصيدلة وأسنان) يكفي، أما الآن عدد طلاب STEM في تزايد، ولم يعد يكفيهم المقاعد الخاصة بهم، وأصبحت الغالبية منا تتجه إلى كلية العلوم؛ لأنها الوحيدة التي تحتوي على عدد مقاعد كافٍ لنا.

وبالتأكيد فإن أغلب الطلاب الذين يفقدون فرصهم في دراسة الطب أو العلوم الطبية أو الهندسية في جامعة حكومية يضطر إلى دخول جامعة خاصة لتحقيق حلمه.

كيف تقيمين تجربتك في الدراسة في هذا النظام؟ وهل تجدين الأمر استحق عناء البُعد عن الأهل لمدة 3 سنوات دراسية في مرحلة يشعر أغلب الطلاب فيها بالحاجة للوجود وسط الأهل لرعايتهم ودعمهم في تحقيق حلمهم الدراسي؟

من الناحية الأكاديمية، كان الأمر مثمرًا للغاية، وتعلمنا الكثير بالفعل، بالإضافة للاطلاع على ثقافات وتجارب دراسية مختلفة من خلال المشاركة في المسابقات والمؤتمرات العلمية العالمية، لكن نظام الإدارة والتعامل معنا بصفتنا طلابًا كان يشعرنا بالضغط طوال الوقت، وخاصة في السنة الأخيرة.

لم تدعمنا الإدارة بالشكل الكافي، وكانوا يقومون بالتضييق علينا في الخروج من المدرسة لأسباب علمية أو دراسية. على الرغم من أن القانون لا يمنعنا من ذلك خاصة عندما نرغب في زيارة مؤسسة علمية أو جامعة، وكانوا يصرون على مرافقة أحد المشرفات لنا، وحتى أن بعض الأهالي كانوا يحضرون بأنفسهم لأخذ أبنائهم، وكانت الإدارة ترفض أحيانًا خروج الطلاب مع أهلهم.

أحد الأمور التي كانت مثيرة للضيق أيضًا هذا العام، هو الإصرار على حضور كافة الحصص الدراسية، وهو أمر لا يؤثر كثيرًا على شكل ونظام دراستنا.

القانون يمنح كل طالبة الحق في 30 يوم للغياب عن المدرسة أو الحصص، ولكن ما حدث بحكم كوننا مقيمين في المدرسة، هو أن المدير كان يرسل المشرفات لإيقاظ الفتيات وإجبارهن على حضور الحصص الدراسية.

أيضًا أحد المشاكل تتعلق بالدروس الخصوصية، ففي هذا النظام التعليمي من المفترض أن نضطر لأخذ دروس خاصة، ولكننا كنا نفعل ذلك لتعويض عدم كفاءة بعض المُعلمين، وكنا بالتأكيد نضطر للخروج لمتابعة هذه الدروس في المراكز المخصصة لها، مع أحد المُعلمين القدامى في المدرسة.

هذه الدروس وصلت تكلفتها إلى 120 جنيه أسبوعيًا للحصة الواحدة، وكانت تستمر على مدار العام، وبدلًا من أن يتخذ المدير إجراء تجاه التقصير في الأداء الأكاديمي للمُعلمين والذي يدفعنا لأخذ هذه الدروس، كان يقوم بمنعنا والتضييق علينا في الخروج.

في الحقيقة فإن الأمر الإيجابي الوحيد الذي أذكره لهذه الإدارة، هو في العام الماضي عندما أقنعوا الطالبات الحاصلات على منح دراسية بترك مقاعدهم الدراسية في الجامعات الحكومية لزميلاتهم الأقل منهم في المجموع.

على ذكر المنح، أخبريني هل أثرت نتيجة هذا العام على حصول بعض الطلاب على المنح الدراسية؟

هذا العام حصل بعض الطلاب على قبول ومنح في جامعات مثل هارفارد وييل وMIT، ولكنهم فوجئوا برسوبهم في بعض المواد وانتقالهم لاختبارات الدور الثاني، وهو ما أضاع عليهم مجهود وحلم السنوات الثلاث الماضية.

الأمر السيء بحق، هو تحرك بعض الطلاب الذين نجحوا من الدور الأول، ولكن بمجموع درجات أقل من الطلاب الذين تم رفع درجاتهم، فكانوا مؤهلين للحصول على المنح الخاصة بهم هذه السنة ونجوا من مصير زملائهم.

بعض هؤلاء الطلاب يرغب في عقد اعتصام ومطالبة الحكومة بحذف درجات طلابهم الذين نجحوا بتعديل قانون درجات الرأفة، لأنهم بهذا الشكل تفوقوا عليهم في المجموع وحصلوا على المنح بدلًا منهم، وهم يرون أنهم الأحق بها لمجرد أنهم لم يمروا بنفس أزمتنا في الرسوب في أحد المواد ظلمًا ورفع درجاتنا بعد ذلك.

ما هو تعليقك ورأيك في تصرفات الإدارة والحكومة مع الطلاب هذا العام؟

في الحقيقة لا أعلم الدافع وراء هذه التصرفات، لكن هناك شائعات حول أن الإدارة ترغب في إبعاد الطلاب عن الالتحاق بهذه المدارس بعد أن فقدوا المنحة الأمريكية التي كانت تدعم المدرسة كل عام، لذلك يرغبون في تحويلها لمدارس خاصة، بدلًا من أن تكون مدارس حكومية داعمة للطلاب المتفوقين.

يدفعني هذا الحديث للتساؤل، عن هدف مدارس المتفوقين في مصر، خاصة مع عزوف أغلب الطلاب عن التقديم لها هذا العام، وسحب الأغلبية من الطلاب في الصف الأول والثاني ملفاتهم، وتحويلها إلى مدارس بنظام الثانوية العامة.

هل تدعم هذه المدارس المتفوقين أم تحاول تدمير أحلامهم وتبديد جهودهم؟ كيف لهذه المعاملة أن تمنح الطلاب الثقة والإيمان بتقديم الجهد لبلدهم بعد أن أضاعت جهودهم بهذا الشكل؟

هل كانت مدارس المتفوقين مجرد وسيلة لجذب المزيد من الطلاب إلى سوق الجامعات الخاصة؟ ولماذا يتم المخاطرة دائمًا بمستقبل الصغار في النظام التعليمي؟

نتساءل طوال الوقت أي نظام واختراع جديد ستبهرنا به وزارة التربية والتعليم يهدد مستقبل أخوتنا وأبنائنا ..

حتى يُكتب لهذا النظام التعليمي تغيير حقيقي بدون تهليل إعلامي لتجارب الوزراء على طلابنا، كل ما يُمكننا فعله، هو نصح الطلاب بألا يتعاملوا مع تجربتهم في نظام التعليم المصري باعتبارها معركة تحديد المصير والنهاية، بل يتعاملوا معها باعتبارها مجرد تجربة، يحاولون المرور منها بأقل الخسائر كما فعل سابقوهم، لا أكثر ولا أقل.

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى