صوت المعلم

مغامرات في أدغال التعليم 8 – ثالثة إعدادي

الصف الثالث الإعدادي و محاولة إيجاد طريقة للسيطرة عليهم  بدون وجود عقاب ( خصم الدرجات ) نظرًا لعدم وجود درجات أعمال سنة هذا العام تضاف إلى النتيجة النهائية.

هم طلابي منذ السنة الماضية، لا حاجة للتعرف عليهم أو فهم صفاتهم في هذا العام إذن، و لكن المشكلة تكمن في إتحادهم الغريب على إحداث ضوضاء، أو التحدث بصوت مرتفع حتى أثناء إجابتهم الجماعية على أي سؤال، مما يصيبني بإزعاج شديد.
” تالتة إعدادي” كما أناديهم لا يثيرون أي متاعب للمعلمين من ناحية الشرح، قدرتهم على الاستيعاب عالية، و لكن إن سمحت لأحد منهم بالتحدث أو مزحت معهم لدقيقة ستصيب الفصل فوضى عارمة بكل معاني الكلمة و ستضطر لبذل مجهود كبير لإسكاتهم من جديد.
تعبي في الأيام الأولى كان بسبب صراخي المستمر  و طلبي منهم إلتزام الهدوء حتى أستطيع الشرح، و بعدها لجأت لنظام الطرد خارج الفصل، الأمر الذي كنت أتجنبه في السنة الدراسية الماضية لعدم تفويت أي جزء من الشرح على الطالب، و لكن لم يكن بيدي أي طريقة للعقاب سوى هذه.
و في أحد المرات عند طردي لحوالي 8 طلاب من الفصل، فوجئت بهم يسرعون للدخول خوفًا من رؤية مدير المدرسة لهم أثناء تفقده للدور الذي ندرس به، طلبت منهم الخروج و ذهبت إليه بنفسي لأخبره عن المشكلات التي يحدثها هؤلاء الطلاب.

مرة ثانية أثناء طردي لطالبين، فوجئت بإختفائهم من أمام الفصل و ذهابهم للعب في ممرات المدرسة و الأدوار العليا، فذهبت للمدير و أخبرته بما حدث خاصة بعد إعتراض أحد الطالبين على رفضي لدخوله الفصل عقابًا له على ما فعل “أنتِ طردتيني 10 دقايق و العشر دقايق خلصوا يبقى أدخل الفصل “، تم استدعاء وليا أمر الطالبين، و تحدثنا معهم عن المشكلة التي أحدثوها، كان موقف أحدهما إيجابيًا و قرر معاقبة إبنه بغير عقاب المدرسة و وعد بعدم تكرار هذا الأمر، و كان الآخر غير مقتنع بقدرة ابنه على إفتعال المشاكل، في النهاية وبعد مرور أكثر من شهرين على هذا الموقف تحسن سلوك الطالبين كثيرًا، بل و سلوك كل طلاب الصف الثالث، و لكن بعد حادثتين فارقتين معهم.
الأولى كانت قرار المدرسة بضرورة تبديلي بمعلم ( رجل ) أكبر سنًا و أكثر قدرة على السيطرة على الطلاب، الأمر الذي أثار ضيقي و أشعرني بالفشل في مهمتي خاصة بعد ما بدأت في تعويدهم على عقاب أنفسهم، من يتحدث يخرج خارج الفصل 5 دقائق ثم يدخل من تلقاء نفسه بعد عقابه.
لم يتقبل الطلاب القرار بسعادة أيضًا، و طالبوا المدير بالتراجع عن القرار و التعهد بإلتزام سلوك حسن، ثم قرروا عمل تصويت بين طلاب الفصل، من يرغب في الحصول على معلم جديد و من يرغب ببقائي.

الأصوات المؤيدة لبقائي كانت حوالي 23 صوتًا، فيه مقابل 4 أصوات لصالح المعلم الجديد، و هو في الواقع أستاذي و معلمي و أنا طالبة في سنهم وكان هو من أعتذر في بداية العام وعند طلب المدرسة منه الرجوع وافق بسبب رغبته في مساعدتي و عدم تحميلي جهدًا كبيرًا بتعاملي مع طلاب الصف الثالث.

تحول شعوري بالفضل لسعادة غامرة بعد نتيجة التصويت هذه، ليس للنسبة التي حصلت عليها، و لكن بسبب قدرة الطلبة على الإتحاد و تعلم طريقة ديمقراطية في التعبير عن رأيهم، هناك 4 طلاب تمسكوا برأيهم و لم يغيروه إتباعَا لسياسة القطيع أو خوفًا من اعتراض زملائهم أو غضبهم عليهم.

لم يذهب مجهودي معهم هباءً، و في النهاية نحن على علاقة طيبة و نتحدث كما كان في السابق، الفارق الوحيد إنني لم أعد معلمة المادة في فصلهم.

الحادثة الثانية كانت قرار بطرد أحد طلاب الفصل و تحويل أوراقه من المدرسة هو و أخ آخر له في الصف الثاني الإعدادي بعد مشكلة افتعلها أخوه و بعد شكوى المدرسين المستمرة من طالب الصف الثالث، شعر باقي الطلاب بالتهديد، أي مشكلة أخرى سيدفعون ثمنها بالطرد من المدرسة و الإبتعاد عن أصدقائهم و هذا هو آخر شيء يرغبون به في السنة الختامية لهم في المدرسة لإنتقالهم في السنة القادمة لمرحلة جديدة في مدارس مختلفة نظرًا لعدوم توفر قسم خاص بالثانوي في مدرستنا.

لا تنتهي مشاكل ” تالتة إعدادي” و لكن تخف حدتها من وقت لآخر، و في النهاية مهما كان حجم الكوارث التي يحدثونها، سيظلوا من أكثر الطلاب تأثيرًا بي طوال عمري، فهم أصدقائي و طلابي و معلميني في الكثير من الأوقات أيضًا.

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
زر الذهاب إلى الأعلى