اقتباساتمن الجامعة

من المُعادلات الدّيكارتية إلى الأسواق المالية!

قرّرت المقارنة بين هذين التخصّصين بالذات في هذه التّدوينة، لأنهما يُعبّران فعلًا عن تجربتي في السنّوات السّتة الأخيرة، والتي كانت تجربة غريبةً بدأت بالتّخصص في الرّياضيات طيلة سنوات الدراسة الثانوية الأخيرة، وانتهت بالتخصص في المالية وإدارة الأعمال والتجارة! فكيف حدثت معي هذه القفزةُ من المُعادلات الديكارتية إلى الأسواق المالية؟

مُشكلة توجيه مدرسي

مُشكلتي في البداية كانت تتعلق باختيار المسار التعليمي المناسب، في تلك الفترة كنت أحبّ الرياضيات كثيرًا ولكن الدراسة الثانوية أقلّ مستوى من الدراسات الجامعية، اعتقدت للحظة ما، مع تشجيع الجميع لي، أنه تخصص يُمكنني دراسته في الجامعة والنجاح فيه بكلّ سهولة، ولكن ما لم أكن أدركه هو الاختلاف الشاسع بين الرّياضيات في العالمَين، كما أننا لم نكن نحظى بخدمة استشارات توجيهية مثلاً، وكلّ ما كان يتم توفيره لنا هو إعلانات تدلّ على المؤسسات والتخصصات الممكنة، وبالتالي كان من الصعب علينا في تلك المرحلة إدراك الصعوبة الحقيقية التي تكمُن وراء كلّ مجال.

تعلّقي بالرياضيات كان مؤقتًا فقط، ربما لأنها كانت تتطلب بعض الحسابات البسيطة، أو ربما لأنني أحب المنطق والإستدلالات المنطقية، وأحب البحث في تاريخ العلوم ونشأة الرياضيات وتطورّها، ولكنني لم أكن أدرك الاختلاف الشاسع بين هذا الإهتمام الشخصي وبين الدروس التي يجب علينا تلقّيها والتمارين التي يجب علينا حلّها.

في المرحلة الثانوية، بدأت أهرب شيئًا فشيئًا من الحلول والتمارين والتفكير إلى البحث الحرّ في العلوم والنظريات الجديدة، مثلًا: ما هو آخر أكبر عدد أوّلي تم إيجاده؟ ما هي مواضيع آخر أبحاث الرياضيات؟ ما هي آخر تطبيقات الرياضيات في عالم التكنولوجيا؟ وطبعًا، لم يكن هذا سوى خطوة نحو الفشل الدراسي.

الرّياضيات بين النّظرية والواقع

في المرحلة الجامعية أمضيت سنة واحدة في دراسة الرياضيات، ومع الظروف التي لم تكن ملائمة أبدًا هناك، بدأت أتساءل بجدّية عن السبب الذي يدفعني للمواصلة في مجال أصبح يشكّل مجرد تخصص لا فائدة منه بالنسبة لي، فكرّت طويلًا قبل أن أترك هذا التخصص وأختص في المالية والتجارة، ورغم المخاوف التي راودتني في البداية من أن يكون هذا المجال مختلفًا جدًا وصعبًا للإدراك والفهم، إلاّ أنني بعد مدة قصيرة فقط بدأت أفهم طبيعة الدراسات المالية والتخصص، كما أدركت أن إدارة الأعمال هي أفضل مجال يُمكنني في أن أرى أهمية الرياضيات وتطبيقاتها.

كلّ ما كان مجرد معادلات نظرية لا قيمة لها إلاّ في أذهان الرّياضيين، أصبح لديه تطبيق واقعي وفوائد عملية، مثلًا المُنحنيات والمعادلات التي يتم استعمالها لأجل توقع الأرباح التي من الممكن تحقيقها، وقوانين الإحصاء التي تسمح بحساب احتمالات تخصّ الشركات والعملاء والمبيعات، وبالتالي أصبح أرى في الرياضيات عالمًا آخرًا أكثر إغراءً من العالم النّظري الذي لا تملك جامعاتنا مراكز البحث العلمية المتطورة لتشرح لنا تطبيقاته في مجالات ضخمة كالرياضيات والعلوم الفضائية والكونيات.

تغيير التخصص في الوقت المناسب

عندما أحاول الرجوع للوراء قليلًا أفهم كيف أن تدارك الأمر في آخر لحظة أثناء دراسة تخصص نشعر أنه لم يعد يهمنا، قد يكون مفيدًا أحيانًا، هناك من لا يتخذ هذه الخطوة الأساسية في التغيير خوفًا من مجالات أخرى ولكنه يجد نفسه في مشكلة أخطر لاحقًا، حيث تمضي سنوات من عُمره في مجال لا يقدّم فيه الكثير وحتى لو نجح فيه لن يملك ذلك الشغف لتحقيق أشياء مذهلة عن طريقه.

إن الجرأة ضرورية جدًا في بعض المواقف، لأن مستقبل الطالب لا يتوقف على تخصص واحد، هناك أعداد لامحدودة من الخيارات وليست المرحلة الثانوية هي كلّ شيء، لا يجب الاستسلام لليأس في البداية، ولحلّ مشكلة التوجيه يكفي أن يقوم الإنسان بالتغيير حين يلاحظ أنه في مكان لا ينتمي إليه.

إيمان ملال

كاتبة رأي ومدوّنة من المغرب.
زر الذهاب إلى الأعلى