التجرِبة لا تقتل يا صديقي
لدي مشكلةٌ كبيرةٌ في التوقف عن التعبير عن أفكاري وإبداء الاقتراحات والتشجيع على التجرِبة، طَوَال الوقت أفكر لماذا علينا ألا نفعل هذا؟ ما فائدة الحياة بدون تجرِبة؟ في الحقيقة الحياة نفسها هي أكبر تجرِبة نخوضها وفي خلالها نختبر تجارب أصغر وأبسط، وبعضها قاسٍ، وبعضها سعيد، وبعضها ناجح، وبعضها فاشل.
في نهاية الأمر تجد أن بعض المجتمعات والمدارس أو يمكن القول الأنظمة السلطوية بشكل عام، تبذل أقصى ما في وسعها لتخويفك وإبعادك عن فكرة التجربة، وتصويرها في شكل الشيطان الأعظم الذي يجلب الخراب والدمار، وكل مُجرب هو عابث لا يعبأ إلا بمصلحته ورغبته، يحمل الأنانية في طيات تجربته، ولا يهتم بما تجلبه على الآخرين من شقاء أو عناء.
أطلت التفكير في معنى التجرِبة وأهميتها، وكيف تؤثر على شخصياتنا ونمط عيشنا للحياة، ولم أستطع سوى كتابة النقاط التالية لترتيب أفكاري، في محاولة لفهم أفضل لما يدور في عقلي، والذي ربما مشاركته مع الغير قد تساعدني على الوصول لنتيجة أفضل بشأنه.
الخوف من الفشل
دائمًا ما تكون هذه البداية: الخوف!
الخوف من صورتك وأنت تفشل في أداء الأمر، الخوف من أن تكتشف عجزك وضعفك، الخوف من أن تتلقى التعليقات الساخرة والنقد والتوبيخ بعد أن أضعت وقتك في أمر لا فائدة منه!
وهذا الأخير هو أحد أهم المشاكل التي تؤرق حياتنا، سعينا المستمر في سباقه قبل أن يمضي دون تحقيق الأحلام والطموحات، مما يدفعنا للتساؤل باستمرار، ماذا إن فعلت هذا ولم أنجح؟ ماذا إن “أضعت” وقتي؟
من يعيد الوقت لنا؟ الوقت لا يقدر بثمن ولا يمكن شراؤه للأسف، لكني بعد فترة كبيرة من التفكير اكتشفت أن إضاعة الوقت الحقيقية تتمثل في عدم خوض التجربة والتعلم، لا توجد تجربة فاشلة في نظري، هُناك دائمًا الكثير لنتعلمه، وخاصة عن أنفسنا.
نتعلم كيف نفشل حتى ننجح، نتعلم كيف نُقدر الوقت ونستغله في العمل المستمر للحصول على المعرفة والوصول للمعنى الحقيقي للحياة ووجودنا فيها. نتعلم ١٠٠ طريقة نتجنب بها الفشل، ونتعلم أن الوصول للغاية الكُبرى والهدف الأسمى يتطلب الصبر والسعي المستمر بالوتيرة نفسها حتى في لحظات التعب.
جوهر التجربة في رأيي هو التكرار وعدم الاستسلام للشعور بالملل أو التعب، فتش بنفسك في حياة العظماء والناجحين، ستعرف أن سر نجاحهم كان في الاستمرار في العمل والتدريب والمحاولات التي يبوء أغلبها بالفشل، لكنهم كانوا يعرفون جيدًا أن هذا الفشل هو الأمر المنطقي والسبيل الوحيد للوصول للنجاح، فكِّر جيدًا في الأمر، كيف يمكنك معرفة الصواب دون تحديد الخطأ بكل وضوح؟ وكيف يمكنك معرفة الخطأ والصواب إن لم تجرب؟
كل ما تحتاجه هو مواجهة خوفك فقط، أما الوقت فلا داعي للقلق بشأنه، لا أعتقد أنه ضائع أبدًا، فعندما تتعلم أمرًا جديدًا توفر على نفسك إضاعة الوقت مستقبلًا في عمل شيء سبق وأن اختبرته وعرفت نتيجته مسبقًا.
لماذا علينا أن نصغي إليهم؟
“You can do it, if you try it – يمكنك فعلها إن قمت بتجربتها” .. عبارة شهيرة بالإنجليزية أحترمها كثيرًا، وربما هي الأمثل لتلخيص فكرتي عن الثقة في النفس عندما تأتي لحظة تشجيع أنفسنا على القيام بالتجربة.
ستحاوطك عبارات الإحباط من كل اتجاه، “في النهاية أنت لست مثلهم، تعرف ذلك جيدًا، لا تكذب على نفسك، أين هم وأين أنت؟ هؤلاء خلقوا لمثل هذه الأمور، هم يملكون الموهبة الفطرية، كُل ميسر لما خُلق له، وأنت لم تخلق لهذا الأمر”.
هُراء! محض هُراء، قرأت ذات يوم عبارة عن مثل ياباني يقول إن استطاع أحدهم القيام بالأمر، فأنا أستطيع كذلك، وإن لم يستطع أحد القيام به من قبل، إذن سأصبح أنا الأول في فعله.
لم أعد أهتم بآراء الكثيرين حول ما أرغب في تحقيقه أو تجربته، في الحقيقة لا أعتقد بأن على أي أحد الاهتمام أو الإصغاء لمحاولات التثبيط والإحباط هذه.
من يعرف؟ “يوضع سره في أضعف خلقه” ربما تعيش لسنوات وأنت مُعتقد أنك أضعف خلقه، حتى تبدأ في التجربة، فتتعلم أنك من أقوى خلقه في أداء أمر مُعين، وقتها ستندم على كل لحظة قضيتَها في الاستماع لآراء الناس حول ما يجب ومالا يجب عليك فعله في حياتك.
المشكلة الحقيقية تتمثل في السؤال المستمر الذي أطرحه على نفسي، لماذا علي أن أصغي إليهم؟
“أنت فاكر نفسك ميسي؟” .. “أنت فاكر نفسك هتاخد نوبل؟” .. “وبعد ده كله هتبقى بيل جيتس يعني؟”
لماذا علينا أن نصبح هم؟ لماذا لا يمكننا ببساطة أن نصبح نحن؟
لكل منا تجربته الخاصة التي لا يمكن مقارنتها مع غيره.
اللعنة على المُقارنات التي تجعلنا طوال الوقت نقضي حياتنا نادمين وبائسين لأننا لا نشبه فلانًا أو علانًا.
لقد خلقنا الله بشرًا متفاوتين ومختلفين لسبب ما بكل تأكيد! هل فكرت في الأمر من قبل؟ ربما عليك أن تعمل عقلك قليلًا، كان بإمكان الله خلق جميع البشر بنفس الصفات والروح والنفس، لكننا مختلفون! وكل منا يمثل هذا الاختلاف بشكل إيجابي أو سلبي، إن كنت ترغب في مقارنة نفسك بأحد، قارن نفسك بالعظماء، قارن نفسك بمن صدق في بشريته وآمن بتفرده في هذا الكون وقرر أن يُظهر للعالم قوته وتميزه في صنع ما يُحب وخوض تجربته المميزة في الحياة.
لقد فعلها الكثيرون من قبلك، يمكنك فعلها كذلك!
التجربة مدخل الشر
“أنت عارف اللي بتعمله ده هيوصلك لإيه؟” .. “أنت ضامن نتيجة اللي هيحصل؟” .. “وبعدين؟ بعد ما تعمل كدة؟ محدش هيقدر عليك وهتبقى عايز تعمل كل اللي في دماغك” .. “والخطوة دي إن شاء الله هتوصل لإيه بعد كدة؟”
لا يمكن إنكار أن كل ما في الحياة يحمل جانبين أحدهما سلبي والآخر إيجابي، من الممكن أن أطلق عليهم جانب ملائكي وجانب شيطاني، لكن في الحقيقة هذا الوصف ساذج للغاية، فربما يحمل أحدهم في نيته الشر عندما يرغب في خوض تجربة ما، وتصبح النتيجة عكس ما تشتهيه نفسه، ولهذا لا يمكن التخمين أبدًا بما يحدث، لذلك هي تجربة!
لكن المشكلة أن التجربة تحررنا من الخوف، تحررنا من القيود المختلفة سواء كانت اجتماعية أو دينية أو سياسية، وهذه القيود نفسها تختلف باختلاف الشخص أو السلطة التي نتعامل معها، وهذا ما يثير الخوف في أنفسهم. الخوف من أن نصبح قدوة لغيرنا في شجاعتنا وقدرتنا على التجربة؛ فتتحطم القيود والقواعد عند الجميع؛ فيفقدون سلطتهم، وينمحي فكرهم.
الخوف يعتريهم هم، فيرغبون في نقله لنا، ومع الوقت يحاولون أن يلقوا باللوم علينا نتيجة لكل أمر سيء سيحدث بعد أن نقوم بالتجريب، ولكن ألا تحدث الأمور السيئة طوال الوقت بالفعل؟ ألم يُدمر العالم المجانين المهووسون بالسلطة والراغبون في تحقيق ذاتهم بأنانية شديدة؟
وعلى ذكر الأنانية، قد يتهموك بأنك شخص أناني، لا ترى ولا تهتم إلا بإرضاء نفسك، ولا أعتقد أنه يمكن معارضة هذا الاتهام، تحمل التجربة في طياتها جزءًا كبيرًا من الأنانية التي تُحركنا.
في رأيي حياتنا بوجه عام وجميع تصرفاتنا يحكمها الأنانية، لكن إن نظرنا لمعنى الأنانية بجانبيه الإيجابي والسلبي كما ذكرت سابقًا.
تتحمل الأم تعب ٩ أشهر وسهر ليالي طويلة؛ لأنها ترغب في الحصول على طفل رائع يكبر أمامها؛ ليصبح نبتتها في هذه الحياة، هي أنانية، ترغب في الحصول على هذا الشعور المميز من خلال تربيتها ورعايتها ومجهودها المبذول باستمرار تجاهه، ويمكنها أن تضحي بعمرها في سبيل هذا الشعور بالسعادة والحُب.
نستطيع أن نميز بسهولة بين الأنانية التي تدفعنا للعمل لإسعاد من حولنا والإصلاح في الأرض من أجل الشعور بالسعادة والرضا عن النفس بمشاركة حياتنا مع غيرنا، وبين الأنانية المريضة التي تفسد نفوسنا عندما نتصور أننا نحيا وحدنا في هذا العالم، ونمتلك مصائر البشر في يدينا.
التجربة ليست مدخلًا للشر، لا يمكنك أن تعرف العواقب، ربما تتكهن بها، ربما تصيب وربما تخطأ، لكن المهم أن يكون قلبك وعقلك عامرَيْن بالنوايا الطيبة والقليل من المنطق -حيث إن بعض التجارب تتطلب عدم المنطقية- وتبذل أقصى ما في وسعك للوصول لنتيجة جيدة.
تعليم بلا تجارب شخصية
عن جد، لا يمكن أن أفهم كيف يمكن لعالم أو باحث أو حتى طالب علم في مدرسة عادية جدًّا بألا يُتاح له المجال للتجربة، سواء كانت تجارب في معمل العلوم، أو تجارب عامة في مختلف المواد لاكتشاف المزيد أو حتى إعادة اكتشاف ما يتم دراسته، كيف يطلبون منا أن نصبح دواب سائرة على الأرض تلتهم ما يأتيها دون تفكير أو محاولة لفهمها أو حتى البحث عن نوع آخر ربما نكتشف طعامًا ألذ مثلًا!!
المدارس ليست مكانًا للتجربة، المدرسة مكان للتعلم!
وكيف نتعلم دون تجربة؟
إذن نحن لا نتعلم على الإطلاق، وهذا ما أؤمن به في الواقع، إن لم نقم بتجربة كل ما نتعلمه بشكل شخصي جدًّا والاطلاع على النتائج فلا فائدة من إضاعة الوقت في حفظ الأشعار والمعادلات ومعرفة موعد زراعة المحاصيل المختلفة.
توقف عن التفكير واستمر في العمل
أحد أهم المشاكل التي تصيبني أنا شخصيًّا عند رغبتي في تجربة شيء جديد، التفكير المستمر وحساب كل المميزات والعواقب وأوقات المفاجآت التي قد ألقاها، لكن في الحقيقة كل هذا يصبح محض هراء بعض وقت قليل بمجرد بدئي في العمل والتجربة.
لا يمكنك أن تحكم وأنت جالس في برجك العاجي، أنزل إلى أرض الواقع وابدأ في العمل، التجربة خيرُ مُعلم، هي من ستقودك في طريقك بشكل لا تتخيله، ربما تصبح العواقب الوخيمة التي حسبتها سابقًا هي العوامل التي تساعدك على تحقيق المزيد.
واستعد لأنْ تواجه في تجربتك الكبيرة تجارب أصغر واختيارات أصعب، كن شجاعًا بما يكفي لخوض هذه التجارب الأصغر، ولا تفسد الأمر بخوفك، فلا تتَّضح الصورة الأكبر إلا بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفوارق.
ففي النهاية، التجربة لا تقتل يا صديقي، التجربة هي مصدر السعادة والحياة، التجربة هي أساس كل حكاية عظيمة، التجربة هي سر بناء المجد، وبدونها تكون الحياة مسلسلًا مُمِلًّا لا تنتهي حلقاته.
ربما تعارضني وتخبرني أن الموت قد يصبح عاقبة أحد التجارب، لكن تعريف الموت ومعناه يختلف من شخص لآخر، أحدهم يعتقد أن الموت هو خروج الروح من الجسد وتوقف القلب عن النبض كما يحدده الأطباء، وبعضهم يعتقد أن الموت هو قتل الروح والقلب ما زال قادرًا على الخفقان.
يُقال إنه عندما نموت لا نندم على الأشياء التي قمنا بفعلها، بل التي لم نمتلك الشجاعة لفعلها!
جِرب يا صديقي ولا تخشى شيئًا أنت كل ما خُلقت لتجربه.