فكرة

التفكير الفعال من خلال الرياضيات – اللانهاية (4)

سلسلة تدوينات قصيرة حول تجربتي في إنهاء دراسة مساق تعليمي إلكتروني عن التفكير الفعَّال من خلال الرياضيات على مدار ٩ أسابيع تمثل عدد الدروس المطروحة في المساق

(الأسبوع الرابع)

إلى اللانهائية وما بعدها!

حتى الآن يمثل هذا الأسبوع أفضل وأمتع الدروس التي درستها في حياتي كافة! الحيرة والضيق الذي يصيبني عندما أشعر أن البروفيسور ستار بيرد يتحدث بالألغاز ثم يجبرنا على كشف الحل خطوة بخطوة خاصة في موضوع مثير للذهن ومحير، مثل: اللانهاية.

كم من مرة أعدت سماع الفيديوهات وقراءة التفاصيل كي أفهم القصد، وبعد فترة اكتشف الخطأ، وتتضح التفاصيل أكثر وأكثر بعد فترة من الوقت؛ فتنفجر الحماسة بداخلي لسعادتي بسبب قدرتي على الفهم أخيرًا.

البداية كانت مع الأحجام، وعدد العناصر في كل مجموعةِ أعداد نعرفها، وهي ما سوف نطلق عليه الحجم في هذا الأسبوع.

كيف يتساوى حجم المجموعات؟ والسؤال الأكثر واقعية، هل يتساوى حجم المجموعات؟

إن سألتني قبل دراسة هذا المساق سأخبرك بكل بساطة نعم! كل المجموعات لديها نفس العدد من العناصر، الحقيقية والطبيعية والكسرية والعشرية، أليس جميعهم يحتوون على عدد لا نهائي من العناصر؟ سواء السالبة أو الموجبة؟

إذن فأنا على صواب، لكننا اتفقنا سابقًا على أن الرياضيات لا تعترف بصحة الأمر لمجرد بديهته! فهي تبحث وراء أسباب هذه البديهيات.

وماذا عن عدد العناصر في كل مجموعة؟ كيف يمكنني من الأساس حساب مثل هذا الأمر؟ أو مقارنة عناصر المجموعات بعضها ببعض؟ يبدو هذا مستحيلًا في نظري، ولكن ليس في نظر عالم رياضيات لا يعترف بالقيود مثلما يخبرنا البروفيسور ستارد بيرد.

فمن مميزات تعلم أو إنشاء أفكار جديدة هي مواجهة الصعوبات وعدم اليقين والغموض، هذه ليست جوانب تستطيع تجنبها ببساطة في الحياة وتأمل بألا تحدث، بل هي جزء من عملية الفهم واتضاح الأفكار.

في النهاية أنا لست بحاجة لمعرفة عدد عناصر الأعداد في كل مجموعة، في الواقع ليس عليَّ معرفة الأعداد نفسها، فالأعداد هنا تمثل فكرة الحجم، هي رمز لمفهوم حياتي نحاول اكتشافه عن طريق الرياضيات، وهذا المفهوم قد يتضح بمثال عن برميلين من كرات التنس وكرات الجولف يحتوون على عدد لا نهائي من الكرات، نعم! قد تساعدك هذه الكرات على فهم أعمق وأفضل للانهاية، وإن كنت ترى الأمر سخيفًا فأخبرني كيف ستحل مشكلة وجود فندق لديه عدد لا نهائي من الغرف يرغب في سكنه فريقين لديهم عدد لا نهائي من أفراد الفريق، كل فرد يرغب في الإقامة في غرفة تحمل رقمه، وأنت مالك الفندق!

يتحدث البروفيسور ستارد بيرد عن فكرة التراجع بغرض التقدم، وهو ما يحاول إبرازها بشكل واضح في شكل تسلسل الأفكار في هذا الأسبوع، فعندما يصعب علينا فهم أمور كبيرة وعميقة، علينا التفكير في الأمثلة الأبسط والأقل تعقيدًا، أمثلة نستطيع حلها وفهمها، ونثق تمام الثقة في قدرتنا على ذلك.

الأفكار العظيمة لا تأتي في عقل الإنسان بسهولة، هي لا تخطر في الذهن، والتفكير في ذلك محض هراء، هذا ما يؤمن به البروفيسور، ويعتقد بصفته مدرس رياضيات أن وجود هذه الفكرة في الذهن مدمر.

الأفكار العظيمة تأتي نتيجة جهد كبير لأفراد عملوا وتدبروا واخطؤوا وحاولوا تصحيح الخطأ، وجاء مِن بعدِهم أفرادٌ يكملون ما بدؤوا، وارتكبوا أخطاء جديدة، ومع مرور الوقت تتضح جميع المسائل؛ ليتمكنوا من النجاح نتيجة لتراكم جهد سنوات وخبرات أفراد كثيرين.

يتحدث ستارد بيرد عن كونه يرغب في تشجيع الناس على فكرة مواجهة الصعوبات وارتكاب الأخطاء ثم إكمال العمل على هذه الصعوبات وإدراك أنها جزء من النجاح وتساهم بشكل كبير في تشكيل حياتنا.

هل كنت تتخيل يومًا أن الرياضيات، هذه المادة ثقيلة الظل على أغلب الطلاب؛ لأنها تتطلب قدرًا كبيرًا من التفكير والجهد ستساعدك على تقبل الصعوبات في حياتك وتشجيعك على مواجهتها؟

في الحقيقة أعتقد أن سببَ حبي لها هو هذه الفكرة تحديدًا، لا أحب الخسارة، وأحب التحديات المستمرة، وتشجيع نفسي على إنهاء ما بدأته، وهذا المساق تحديدًا ساهم بشكل كبير في منحي الثقة في أفكاري تجاه الرياضيات.

لا يُهِمُّ أن يكون لديك عقلًا جيدًا، الأهم هو استخدامه بشكل فاعل”   

ديكارت

الخطأ في نجومنا!

هناك رواية أمريكية شهيرة بهذا الاسم، تم إنتاج فيلم مقتبس عنها في سنة 2014 نال شهرة واسعة بين المراهقين والشباب.

شاهدت الفيلم شأني شأن الكثيرين، ولكن ما أثار إعجابي به هو أنه لا يعبر فقط عن قصة حب درامية بين شاب وفتاة، بل يحمل في طياته فكرة عن الحياة والموت ونهاية كل فرد ومدى تأثيره في المجتمع المحيط حوله.

كانت الفتاة تردد دائمًا أن لكل “لا نهاية” هناك “لا نهاية” أكبر منها، هذه الحقيقة الرياضية التي كانت تسقطها على حياتها، ويتخيل بعض الناس أن بإمكاننا جلب بعض المفاهيم والنظريات من العلوم المختلفة لمساعدتنا على تخطي وفهم الصعوبات في حياتنا، لكن الحقيقة الأكبر أن هذه المفاهيم والنظريات ما هي إلا مجرد رموز لما يحدث في الواقع.

فالرياضيات تعكس طبيعة الحياة، لا الحياة تعكس طبيعة الرياضيات!

وهذا ما فهمته بشكل أكبر وأعمق في نهاية الأسبوع عندما شجعنا البروفيسور ستار بيرد على إثبات صحة مقولة الفتاة بطريقته المميزة كالعادة.

قد يتساءل بعض الناس “ما العائد من هذه الفكرة؟

علميًّا ليس لدي معرفة حقيقية بمدى تأثير هذه الحقيقة، لكن على المستوى الإنساني قد تساعد فتاة على تخطي فكرة الموت في صراع سينتهي بالخسارة لصالح المرض، لتستمتع بحياتها قدر المستطاع في فترة “اللانهاية” التي تمتلكها.

الدروس المستفادة

– التعلم ليس عملية فورية، لا تظن أنك غير بارع لمجرد أنك لا تستطيع فهم فكرة بشكل سريع.

عندما يصعب عليك معرفة الإجابة الصحيحة، قم بشكل متعمد بطرح إجابة خاطئة، وفكِّر لماذا هي ليست صحيحة، سيقودك الأمر لمعرفة الأسباب التي تؤدي لعدم صحتها، وربما الوصول للإجابة المطلوبة.

– في بعض الأوقات، من الأسهل أن تسأل، ما الخطأ؟ بدلًا من أن تسأل، ما هو الصواب؟

ليست القضية أنني فائق الذكاء، الأهم أنني لا أتوقف عن طرح الأسئلة”   

ألبرت أينشتين

عند هذا الحد تنتهي تدوينتي، والأسبوع القادم تدوينة جديدة في هذه الرحلة الممتعة.

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
Back to top button