الرابط العجيب .. الثانوية العامة
إن كنت من محبي مشاهدة الرسوم مثلي، فأنت بكل تأكيد تتذكر فقرة الرابط العجيب، في كل مرة يظهر على الشاشة شيئين مختلفين ثم يطرح علينا سؤال ما الرابط بنيهم، وبعد عدة لحظات يشرحون لنا ذلك الرابط الملتف الغريب بينهم.
هذا هو الحال بالنسبة إلي مع العمل و الدراسة في مصر، و في تجربتي الشخصية حتى الآن تحديداً، ما الرابط العجيب بين دراستي وعملي؟
إليكم الإجابة، كنت أكره التعليم كرهاً شديداً، ولكن أحب دراسة الرياضيات والفيزياء، تخصصت بهم في الجامعة ومازلت على كرهي لنظام التعليم، رسبت عام إستغللته في التطوع لأنشطة ثقافية على الإنترنت، كونت شبكة معارف، بدأت في إنشاء مدونتي، كتبت عن حياتي وأفكاري والتعليم، بدأت التدرب والكتابة في عدة مواقع بدون مقابل مادي، عملت بعدها في شركة بمقابل مادي مقابل كتاباتي، وقررت الإلتحاق بعمل ثان كمعلمة رياضيات للطلاب، لأني أحبهم لا لرغبتي في التدريس بحق، وشاركت أصدقائي في إنشاء موقع خاص بنا يهتم بمحتوى تعليمي ترفيهي باللغة العربية لمساهمة في زيادة المحتوى على العربي على الإنترنت بالإضافة لرغبتنا في تقديم العلم بشكل مختلف يحبه الجميع بعيداً عن الشكل الذي اعتدنا عليه في المناهج الدراسية.
ما دور دراستي في تحقيق ذاتي والحصول على عمل؟ جعلتني أكره كل ما يتعلق بالروتين وكل ما يتعلق بشكل الحياة التي أجبرتني عليها لساعات يومياً فهربت منه للحرية في العمل بعيداً عن “وظيفة المدير” في هيئة حكومية بدخل ثابت لضمان إستقرار الحياة.
كلمة “استقرار” على الرغم من المعنى الطيب الذي تحمله، أصبحت مصدر إزعاج لقطاع كبير من جيلنا، لا نرغب حقاً في ذلك النوع من الإستقرار الذي يروجون له.
مقالتي هذه أكتبها بالتوازي مع صدور نتائج تنسيق الثانوية العامة وشعور طلاب كثر بتحطيم حلمهم في الإلتحاق بالكليات التي تمنوها، في الواقع أصبحت لا أؤمن بفكرة تحديد الهدف الثابت طوال الوقت في أي مرحلة من مراحل الحياة، في الدراسة والعمل تحديداً، السؤال الغبي الذي يتم طرحه علينا دائماً “عايز تطلع إيه لما تكبر يا حبيبي؟”، وعند إجرائك لأي مقابلة عمل يتم إلقاء السؤال التقليدي “شايف نفسك إيه بعد 10 سنين؟”.
ليس لدي الخبرة الكافية بكل تأكيد وأن طفل وحتى وأنا مراهق لأعرف ما الذي أرغب به حقاً، هناك الآلاف من المجالات التي تتفتح أمامي يجب علي تجربة بعضها، أدرسها وأطبقها بعملي في نفس الوقت لأفهم، وماذا عن العشر سنوات القادمين؟ ربما فُتح أمامي باب جديد للعلم والعمل أثناء أحد تجاربي، الحياة مغامرة رائعة نخوضها لنتعلم ونعمل بما نتعلمه لنتعلم الجديد.
المشكلة الحقيقية في مصر التي نواجهها هي إقتناعنا برسم وتحديد المصير منذ الصغر، منظومة بائسة وضعها أحدهم لتخريج مواطنين غير قادرين على إستيعاب معنى التغيير الحقيقي.
والمشكلة الأكبر هي إقتناعنا بأن جامعاتنا تقدم لنا القدر الكافي من التعلم الذي يفتح أمامنا أبواب سوق العمل على مصراعية.
وغلباً ما يكتفي الجميع بالحصول على وظيفة في مؤسسة حكومية بدخل ثابت تضمن له معيشة كريمة أو غير كريمة لا يهم، المهم إنها ذات دخل ثابت و “مستقر”، بدون التطلع للحصول على تجارب مختلفة وخوض تجارب تعلم حقيقية وتطوير للذات وإكتشافها.
عودة مرة أخرى للرابط العجيب، الرابط الذي ألاحظه دائماً بين نظام التعليم المصري وفرصة الحصول على عمل تحبه وتبدع فيه حقاً لتكشف ذاتك هو “السير في عكس الإتجاه” كلما إبتعدت عن ما حاولوا زرعه في عقلك طوال سنوات الدراسة من أفكار وفي أوقات كثيرة معلومات علمية خاطئة، كلما كانت فرصتك أفضل في أن تصبح واحد من هؤلاء العظماء الناجحين في أعمالهم الذين نقتبس عنهم عباراتهم دائماً لتحفيز أنفسنا لنصبح مثلهم في يوم ما.
معلمة رياضيات للصف الأول والثاني إعدادي
مدرسة خاصة