المرشد التربوي وصيغة خاصة في التعامل مع الطلبة
لكل منا حاجات ورغبات تولد معنا، وتزداد أهميتها والرغبة في إشباعها كلما تقدم بنا العمر؛ وقد تناول العالم ماسلو في ورقته البحثية “نظرية الدافع البشري“ ترتيب حاجات الإنسان ووصف الدوافع التي تحرِّكه وتتلخص هذه الاحتياجات في:
1- الاحتياجات الفسيولوجية (التنفس، الطعام، النوم، الماء).
2- حاجة الأمان (السلامة الجسدية، الأمن الوظيفي، الأمن الأسري).
3- الاحتياجات الاجتماعية (الصداقة، العلاقات الأسرية).
4- الحاجة للتقدير (تقدير الذات، الثقة، احترام الاخرين).
5- الحاجة إلى تحقيق الذات التي تعتلي رأس الهرم. وبطبيعة الحال لن نحظى بتقدير لذواتنا إن لم تكن الحاجات الأخرى مشبعة بطريقة إيجابية وآمنة.
ولكن قد يواجه بعض الأشخاص مشكلات في الوصول إلى تقدير إيجابي للذات وخاصة الطفل، فقد لا يستطيع التعبير عن حاجاته بصيغة واضحة تارة، وقد لا تؤخذ أحاديثه ومشاعره على محمل الجد، وقد تكون الظروف غير مهيأة لتلبية احتياجاته تارة أخرى مما يتسبّب له بمشاكل نفسية واجتماعية.. الخ.
ولذلك عندما يلتحق بالمدرسة قد يواجه تحديات عديدة مع المعلمين أو الأقران أو مع النظام المدرسي. ولا بد من توجيه سلوكه وتفهم مشاعره، وتقبل تناقضاته من شخص مؤهل يعرف بالمرشد التربوي الذي تقتضي وظيفته الوصول إلى الصحة النفسية للفرد والاعتناء بتوافقه الشخصي والمجتمعي؛ مما يساعده على حل المشكلات التي تواجهه وتخطيها ومؤزارته في اتخاذ القرار المناسب. وتتنوع المشكلات التي قد يواجهها الأطفال في مرحلتهم العمرية من (6_9) سنوات لتظهر المشكلات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية (مفهوم الصداقة) وكيفية حل المشكلات، ومفهوم الذات، والحقوق والمسؤوليات، والتنمر وغيرها.
وهنا يبرز دور المرشد التربوي الناجح في التعامل مع هذه المرحلة العمرية التي تعد القاعدة أو اللبنة الرئيسة في بناء شخصية الإنسان؛ عبر امتلاكه صيغة خاصة في التعامل مع الطلبة وغيرهم؛ لا سيما أن عمله قائم على مبدأ السرية والصبر، واحترام الآخر وتقبله بالرغم من عدم قبول سلوكه بغية الوصول بالمسترشد إلى الهدف المطلوب.
ومما سبق ذكره نستطيع القول بأن هناك العديد من المهارات التي يجب أن يتحلى بها المرشد التربوي:
– الانتباه إلى السلوك اللفظي وغير اللفظي للمسترشد.
– الإصغاء: وهو الأساس الذي يُبنى عليه جميع العادات بهدف فهم كل ما يفكر به المسترشد وما يشعر به نحو نفسه والآخرين.
– إعادة صياغة العبارات: مهارة يمتلكها المرشد، وهي التي تتيح للمسترشد سماع ما قاله من خلال المرشد، وذلك يشجعه على الاستمرار في الكلام أو مراجعة نفسه. وقد يتضمن إعادة النقاط الهامة من عبارات المسترشد أو طرح الأسئلة (للحصول على المعلومات اللازمة وتشجيعه على التعبير عن نفسه).
– التلخيص: بهدف تجميع الأفكار والمشاعر التي يعبر عنها المسترشد بطريقة تساعده على رؤية الصورة الكلية بوضوح ويستخدم كذلك بهدف إنهاء النقاش في موضوع محدد.
قصة نجاح مرشد تربوي
من ومضات حياتي العملية قصة أتذكرها باعتزاز
يُعاني الطالب (ي) ابن الثامنة من العمر من الانطوائية والعزلة مما أدى إلى إخفاقه في الواجبات المدرسية وتوتر واضح على مستوى العلاقات الاجتماعية.
وعند بحث السبب مع الطالب تبين أنه يرى نفسه مختلفًا عن أقرانه من حيث حجم الجسم وعباراتهم الجارحة له بأنه (عملاق) فأصبح دائم التفكير في تلك الأحكام ويتجنب النظر إلى نفسه في المرآة. فضلًا عن رغبته المستمرة في العزلة عن الآخرين.
لاحظتُ سلوك الطالب في الصف وفي الأنشطة المنهجية واللامنهجية وأصغيتُ إلى ملاحظات الأهل ومربية الصف لأجل بناء برنامج علاجي فعال مع الطالب يتضمن تدريبه على أن ينظر إلى مرآته الداخلية، ويشير بأصبعه إلى نقاط القوة في شخصيته حتى وإن كانت صغيرة ( فما من صغير إلا ويكبر) عندما يسقيها بعبارات إيجابية نابعة من تفكيره الإيجابي نحو ذاته، متجاهلًا ما يمكن أن يواجهه من تحديات وعقبات من البيئة المحيطة به بعد أن يتم تسليحه بمهارة التعبير عن المشاعر بطريقة إيجابية، وتمكينه من مهارة حل المشكلات ليصبح قادرًا على موازنة أهدافه وخطواته نحو تحقيقها، ويغدو متمكنًا من تحديد أولويات حياته.
وقد تلقى دعمًا وافرًا من خلال استخدام أسلوب الإفاضة (دفع الطالب إلى المشاركة في مواقف اجتماعية وتشجيعه على ذلك). وتكليفه بأدوار قيادية، كما تكامل دور الأسرة مع دور المدرسة إلى أن حظي الطالب في نهاية العام الدراسي بتصدر اسمه ضمن الطلاب الأوائل، ووضعت صورته على لوحة الشرف. واستمر الطالب بخطاه الواثقة؛ كل ذلك لأنني آمنت بقدرته على التغيير وزرعتُ في عقله مقولة “الثقة مُعدية تمامًا كعدم الثقة“.