صوت المعلم

تقنيات الألعاب التحفيزية (3): عناصر الألعاب

على مدار 5 أسابيع قمت بدراسة مساق حول تقنيات الألعاب التحفيزية على منصة إدراك التعليمية، كانت التجربة سريعة وثرية بالمعلومات القيمة التي غيّرت الكثير من تفكيري حول هذا المجال، فقمت بكتابة بعض الملاحظات في منتدى النقاش الخاص بالمساق، وفضلت بعد ذلك أن أعيد كتابتها في شكل سلسلة تدوينات قصيرة تعكس ما تعلمته كي أشاركها على موقع شبكة زدني.

اليوم أشارككم في الجزء الثالث من هذه السلسلة.

المرحلة الثالثة (فئات العناصر)

في المرحلة الثالثة بدأت الأمور تتخذ منحنى عمليًّا أكثر، في شرح عناصر وتقنيات الألعاب المستخدمة.

والبداية مع فئات عناصر الألعاب الثلاثة، وهي تنقسم إلى: (ديناميكيات – ميكانيكيات – المكونات).

قبل أن أذكر تعريف كل عنصر كما تم ذكره في المساق، أرغب في شرح التعريف العام للعنصر الأول والثاني.
أولًا: الديناميكا هي علم دراسة الحركة ومسبباتها.
ثانيًا: الميكانيكا هي علم دراسة الأجسام المادية عندما تؤثر فيها قوة وتحركها وتأثيره هذه الحركة على المكان المحيط.
والمكونات بسيطة D: الجميع يعرف معناها.
والمعنى على سبيل المثال عندما تشاهد سيارة تتحرك بسرعة كبيرة، وترغب في معرفة السبب وراء هذه الحركة، فأنت تبحث في علم الديناميكا، أما إن كنت ترغب في فهم تأثير هذه الحركة على المحيط فإنك تبحث في علم الميكانيكا.
ويمكن اختصار الأمر في كون الديناميكا “سببًا“، والميكانيكا “تأثيرًا“.

لماذا أذكر كل هذا؟

حتى لا نقوم فقط بحفظ العناصر كما وردت في المساق، وفهم الفارق بينهما بشكل جيد، لنتمكن من تحديدهم في أي وقت بشكل سليم.
بالعودة لتعريف المساق فإن الديناميكيات هي: (عنصر غير مرئي لكنه يشرح طبيعة العلاقة بين اللاعبين والميكانيكيات).

أما الميكانيكيات فهي: (العمليات التي تقودهم للتفاعل مع اللعبة وتحفزهم على المشاركة).
والمكونات هي عناصر أكثر تحديدًا يتم استخدامها في بناء اللعبة أو النظام.


كل فئة من هذه الفئات الثلاثة لديها مجموعة من العناصر المحددة وهي كالتالي:

1- عناصر الديناميكيات: (القيود – المشاعر – الرواية – التقدم – التفاعل والعلاقات الاجتماعية).
2- عناصر الميكانيكيات: (التحديات – الحظ – التنافس – التعاون – التغذية الراجعة – كسب الموارد – المكافآت – المعاملات – التبديل).

يجب الانتباه إلى أن كل عنصر ديناميكي مُتربط بعنصر ميكانيكي، وهو أمر منطقي للغاية إن استوعبنا فكرة السبب والتأثير، فمثلًا التحدي يثير بداخلك الشعور بالإصرار.

بالنسبة للفئة الثالثة وهي المكونات فإن عدد عناصرها غير مُحدد، ولكن يمكن ذكر جزء منها على سبيل المثال، وهي: (الإنجازات – الأوسمة – الشخصيات الافتراضية – التحدي الحاسم – الجمع والتبديل – المحتوى النادر – إهداء الآخرين – قائمة المتصدرين – المراحل – النقاط – المهام – الفرق – الاقتصاد الافتراضي).

وكما هو الحال للمكيانكيات، كذلك فإن كل عنصر من المكونات، يرتبط بعنصر أو أكثر من الديناميكيات.
التعاون الصحيح بين هذه العناصر يساعد على تحقيق التفاعل والمشاركة في اللعبة وتشجيع التقدم واكتساب المهارات الجديدة.

الثلاثي المُدمر

من أهم عناصر الألعاب التي عادة ما تجتمع معًا لتشكل قوة ضاربة D:

هم الثلاثي (النقاط – الأوسمة – قائمة التصدر).

لنبدأ مع النقاط التي لها أكثر من نوع مُستخدم في تقنيات الألعاب، مثل:

– نقاط الحالة (XP): التي تعكس أداء الأشخاص، وتعتبر تغذية راجعة لهم، في حال قاموا بأداء جيد أو سيء يكتسبون المزيد من النقاط أو يخسرونها على حسب الحالة.

كما أنها تحدد لنا حالة الفوز أو تصبح دليلًا نتعرف من خلاله على اللاعب الأقرب لتحقيق النجاح.

– نقاط قابلة للتبادل: وهي تلك التي نراها غالبًا في بطاقات العضوية أو الولاء لبعض الشركات عندما تقوم بشراء منتج معين فيتم إضافة نقاط لبطاقتك وتحصل على خصم بعد عدة عمليات شراء، أو حتى في الألعاب العادية عند تجميع 500 نقطة، لتستطيع مبادلتها بسلاح أو خاصية جديدة تضيفها لشخصيتك.

العنصر الثاني هو (الأوسمة): تعتبر مثل النقاط لكن في شكل تمثيل بصري، وهي كذلك أقل نَدرة، وتعتمد بصفتها نوعًا من أنواع التشجيع الشخصي، فكل مهمة كبيرة مرتبطة بوسام محدد، مما يدفع الشخص لأداء هذه المهمة، كما أنها تمثل تغذية راجعة حيث يرتبط كل وسام عادة بمهارة محددة يكتسبها اللاعب.
إلى جانب هذا تخلق الأوسمة حالة من التنافس والتحدي، بسبب ارتباط بعضها بتحديات صعبة نادرة أو قليلة الإنجاز، مما يحفز الأفراد على بذل المزيد من الجهد للحصول عليها.

العنصر الثالث في هذا المثلث، هو (قائمة التصدر): وهي التي دائمًا ما تكون متاحة بشكل عام للإطلاع عليها لتشجيع الناس وتحفيزهم على الاستمرار والعمل عند متابعة عملية التصدر في هذه القائمة بشكل مباشر.
لكن هناك ملاحظة هامة بخصوص هذا العنصر الأخير، الذي لا يمكن استخدامه بشكل منفرد في نظام تقنيات الألعاب، يرجع هذا لسبب أن بعض اللاعبين قد لا يشعرون بالحافز للتقدم في هذه القائمة، بل قد تمنحهم رؤية مراكزهم المنخفضة، الشعور بالإحباط والتخلي عن اللعبة.

استخدام هذا الثلاثي في تقنيات الألعاب يجب أن يتم بحرص وتعاون جيد لتحقيق هدف اللعبة أو النظام، بشكل عام علينا أن نفكر جيدًا في الهدف وكيفية تحقيقه من خلال العناصر المناسبة.

المزيد من العناصر

نستكمل معًا عناصر الألعاب، مع العنصر الرابع وهو (مؤشر التقدم)، والذي كان يظهر لنا بشكل مستمر نحن الدارسين في أعلى يسار الشاشة في كل فيديو، كي يوضح لنا حالة التقدم في المهمة، وإنهاء المراحل المختلفة.

سيكولوجيًا تتمثل فائدة مشاهدة مؤشر التقدم في كون الأفراد لا يحبون رؤية الأمور الناقصة، لذلك يتحفزون لإنهاء هذا المؤشر.

العنصر الخامس هو (المكافآت والجوائز) وهناك أكثر من نوع لهم، مثل:

– جوائز عشوائية: وهي مكافأة غير محددة سابقًا، على عمل قام به اللاعب دون أن يعلم أن له مقابلًا (هذا هو نوعي المفضل D: حيث إنه خير دليل على الإخلاص والتفاني في العمل، وأدائه من أجل المتعة والحب فقط).

– جوائز محددة بوقت: هي مكافآت تحصل عليها في مقابل قضاء وقت محدد في عمل المهمة.

– جوائز محددة: وهي النوع التقليدي من المكافآت الذي نعرفه، حيث يصبح لكل عمل مقابل محدد ومعروف من قبل البدء به.

– جوائز الأداء: وهي مكافآت مقابل مهام خاصة يقوم بها الفرد، مثلما يحصل اللاعب في كرة القدم مثلا على جائزة أفضل هدف، ومثل السؤال الإضافي في الاختبارات الذي يمنحك درجات إضافية لتحسين معدلك النهائي (ومثل مادة المستوى الرفيع في الثانوية العامة المصرية).

ننتقل بعد ذلك إلى العنصر السادس (المراحل)، وهي التي تظهر لك طبيعة موقعك في اللعبة وتدرج الصعوبة، وتنقسم إلى نوعين:

– مراحل على مستوى اللعبة: وتساعد على تنظيم خط سير اللعبة عندما يتم تقسيم المهام على مراحل مختلفة.

– مراحل الصعوبة (مراحل متدرجة): وهي مجموعة الاختيارات المتوفرة من التحديات المناسبة لمستوى كل لاعب.
وهي تشبه مستويات (مبتدئمتوسطصعب)، التي نجدها عند البدء في أي تحدٍّ أو لعبة، وهي مهمة جدًا؛ لأنه من الضروري التفكير في كل المستخدمين وتصميم النظام أو اللعبة على حسب مهاراتهم وتوفير التحدي المناسب لهذه المهارة لإكسابهم المعرفة اللازمة ليتقدموا لاحقًا في المستويات الأصعب.

العنصر السابع في هذه المرحلة هو (ضغط الوقت)، وهو من أكثر التقنيات المستخدمة؛ لأنه يساعد على زيادة حالة التركيز والتوتر عند اللاعب كي تنجز المهام قبل انتهاء الوقت المحدد بدلًا من أن تضيعه.

أما العنصر الثامن والأخير فهو (التنافس والتعاون)، وهنا علينا أولًا تعريف كل المفهومين الأساسيين في هذا العنصر.

أولًا: التنافس هو عبارة عن صراع للوصول لحالة الفوز عن طريق إحراز أكبر عدد من المكاسب (عدد نقاط – أوسمة – تصدر القائمة – إحداث ضرر بالمنافس – .. إلخ)، وهو هام لتحفيز اللاعبين للتركيز على نقاط قوتهم واختيار الاستراتيجيات المناسبة للوصول للهدف.

ثانيًا: التعاون هو العمل مع الفريق من أجل الوصول للهدف المشترك.
ويلاحظ أن أنجح الألعاب حاليًا هي التي تعتمد على وجود التعاون بين اللاعبين، وبشكل عام فإن الثلاث (التعاون – التنافس – التحدي) هي من العناصر التي تمنحنا الحافز وتشجعنا على العمل وتدخلنا في مرحلة التدفق.

رأي خاص:

بهذا الشكل أكون قد انتهيت من تفصيل ما ورد في المرحلة الثالثة، أما انعكاس هذه المعلومات على تجربة التعليم والحياة عمومًا يتمثل عندي في النقاط التالية:

هناك سبب ما وراء كل فعل، ولكل فعل آلية محددة يتم بها، وهذه الألية يتم تطبيقها باستخدام عناصر أو أدوات، وهذا ما تم تعريفه في بداية المرحلة الثالثة بفئات الديناميكيات والميكانيكيات والمكونات.

أسباب الفعل قد تكون غير ظاهرة، هي أشبه بالنية أو الاعتقاد أو الفكر، أمر ضميري أكثر منه مادي، مثل القيود التي تُفرض علينا أو المشاعر التي تحفزنا أو الأحداث (الرواية)، أو الطموح والفطرة الطبيعية التي تدفعنا للتطور(التقدم)، وحتى المواقف وردود الفعل التي تنتج عن تفاعلنا أو تأثرنا بالأفراد الآخرين (العلاقات الاجتماعية).

أما عملية تنفيذ الفعل فتختلف أشكالها، ربما تأتي في صورة منافسة، أو مجرد حظ أو نصيب أو قدر، أو نتيجة تعاون، إلى جانب كافة أشكال العناصر التي وردت في فئة الميكانيكيات.

أخيرًا أداة تنفيذ الفعل لا يمكن حصرها، لأنها تأتي على حسب الموقف والظروف التي نوضع فيها، لذلك هناك عدد كبير من المكونات التي يمكن استخدامها في هذه الفئة.

لكن علينا أن نحدث توازن دائمًا بين الفئات الثلاثة في حياتنا، وبكل تأكيد نحن لا نملك رفاهية الاختيار في الحياة كما يحدث في الألعاب، لكن المرونة التي نكتسبها مع الوقت تمكننا من أخذ القرار (الاختيار) الأنسب في كل موقف لتحقيق النجاح والخروج بمكاسب والتقدم للأمام.

بالنسبة لعناصر النقاط والأوسمة فهي تمثل المكاسب المادية التي “قد“ تكون مؤشرًا على النجاح، والذي يتوقف بحسب ظروف كل شخص، لأنه أكبر المشاكل التي تصيبنا بالإحباط هي الشعور بأننا في ذيل قائمة التقدم المجتمعي أو المهني أو الدراسي (مؤشر التقدم) عندما نقوم بمقارنة أنفسنا دون الانتباه إلى طبيعة مهاراتنا الحالية والمستوى أو التحدي الذي نعيشه، وهو ما يظهر لاحقًا في عنصر المراحل التي تراعي شخصية كل لاعب.

وهو ما يتحقق فعلًا في أرض الواقع، بعض الناس يتخيل أنه عليه خوض التجارب والتحديات بشكل مشابه تمامًا لمن هم حوله (زملاؤه في العمل أو الدراسة،  وأخوته، وأصدقاؤه… إلخ) لكن في الحقيقة كل فرد لديه مجموعة من الأدوات والدوافع والظروف (العمليات) المختلفة التي تدفعه للتقدم أو هزيمة التحدي للتعلم واكتساب المعرفة بطريقة مختلفة عن غيره.

المكافآت والحوافز هي المكاسب التي ننتظرها طوال الوقت بعد التعب والتغلب على هذه التحديات، بعضها يكون متوقعًا سلفًا، وبعضها الآخر يفاجئ توقعنا عندما نكتشف أننا قادرين على بذل مجهود أو اكتساب معرفة أكبر تُعلي من مهارتنا، وتوصلنا لمرحلة أكثر تقدمًا في حياتنا.

في بعض الأوقات قد لا نصل للهدف بشكل كامل، لكننا نكون قد أدينا كل ما علينا للوصول له (مثل منتخب كرواتيا في كأس العالم عندما هُزم في مباراة النهائي نتيجة لإرهاق لاعبيه على الرغم من الأداء المميز الذي قدموه، لذلك كان اللاعب الأفضل في البطولة هو قائد فريقهم) وهذه هي جوائز الأداء التي تصبح وسامَ شرف ودليلًا على بذل المجهود المستحق لكسب النتيجة، لكن النتيجة دائمًا لا تكون في صالحنا حتى وإن قمنا بكل ما علينا، وهذا ما يجب أن ندركه جيدًا.

أما ضغوطات الوقت فهو التحدي الأكبر الذي نحياه طوال الوقت في حياتنا، عُمرنا غير المحدد والذي لا نعلم مدى نهايته هو أكبر دافع وحافز لنا لبذل المجهود حتى نصل إلى أهدافنا أو تحقيق جزء منها على الأقل.

وختامًا التنافس والتعاون هما المضادين أو المتكاملين على حسب فهمك واستخدامك لهم.

فالتنافس الشريف هو تعاون للوصول إلى الهدف، عندما يقوم كل فرد بتقديم أفضل ما في وسعه مما يشجع الأفراد الآخرين على العمل للوصول لمكانته أو التقدم عليه، وبهذا الشكل نوفر مجتمعًا من الأفراد الأكفاء الذين يعملون على تطوير أنفسهم للوصول للأفضل.

أما التعاون فلا يعني أبدًا أن يتكاسل أحد عن أداء مهمة والاتكال على غيره، بل يفيد في خلق أفراد متخصصين مميزين في جوانب محددة يمكن الاعتماد عليهم بكل ثقة في تنفيذ مهامهم، مما يمنح الآخرين التركيز في أداء مهامهم كذلك، كي يتشاركوا جميعهم في النجاح الأشمل بعد تحقيق الهدف الأكبر لمجتمعهم أو فريقهم أو أسرتهم أو جماعتهم أيًا كان شكلها.

تن ترار ترااا .. عند هذا الحد تنتهي هذه المرحلة من المساق والتدوين كذلك، وننتقل في المرة القادمة إلى مرحلة متقدمة أكثر.

عن ماذا تتحدث؟ لنكتشف هذا معًا ?

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
Back to top button