قصة مدرسة راهب التبت – الجزء الثاني
مقال مترجم عن مقال How a Tibetan monk brings free education to herdsmen’s children with cheese revenue, govt funding
في الجزء الأول من هذا المقال تحدثت عن قصة مراسلتي لراهب في التبت لترجمة مقالته التي تحكي عن تجربة تعليمية مميزة لإحدى المدارس التي نشأت بين الجبال للأطفال والكبار بدون أي مصاريف دراسية لتنشأ علاقة وطيدة بينهم وبين الطبيعة التي يتعلمون في أحضانها، وتنسجم المواد العلمية الحديثة مع العلوم والمبادئ التبتية القديمة، فتصنع تجربة فريدة للطلاب والمعلمين.
قصة مدرسة راهب التبت – الجزء الثاني
نصوص جديدة لتعليم أفضل
بعيدًا عن تدريس مناهج الكتب المدرسية الوطنية الإلزامية، تقوم المدرسة بعقد ندوات تعليمية مفتوحة ويقوم المعلمين بكتابة وتحرير كتب مدرسية تكميلية في الأدب الكلاسيكي، والدين، وقواعد اللغة، والطب، واللغة الإنجليزية.
في كل شهر تُعقد ندوة في المدرسة حول الأخلاقيات يحاضر فيها أحد العلماء، و”سيزي جياكو” كان واحدًا من هؤلاء المحاضرين الرئيسين يومًا، لا يُعد “سيزي” نائب مدير المدرسة وحسب، لكنه أيضًا عالم بوذي معروف.
تناول “سيزي” في حديثه مجموعة واسعة من المواضيع وقام بدمج معرفته العميقة في البوذية التبتية بفلسفات كونفوشيوس ونيتشه وجونغ، ويقدم حديث يفتح عقول المستمعين.
بجانب ذلك نظم مُعلمين اللغة الإنجليزية فريق لكتابة كتب مدرسية جديدة مناسبة لتدريس طلابهم الريفيين، وعلق “دوجي زاتشي” أحد معلمي اللغة الإنجليزية على الكتب التقليدية قائلًا: “الكتب المدرسية الإلزامية تتحدث بالأساس عن المدينة، أما في الكتب المدرسية التي نكتبها، نتحدث بمفردات الرعاة والمزارعين عن الجبال الثلجية والمراعي، وتتفق الجمل أكثر مع الحياة اليومية لأطفال الرعاة لتصبح أكثر حميمية وحيوية.”
تؤدي هذه الأساليب والجهود إلى نتائج مثمرة للغاية بعد ذلك، فقد نشر الطلاب أكثر من ٣٠٠٠ مقال باللغة التبتية في المجلات، وكُتبوا أكثر من ١٠٠ كتاب، وهُناك ٢٠٠ طالب تخرجوا ليصبحوا أطباء ومدراء أديرة ومُعلمين.
ولكن مصدر الفخر الحقيقي لمدير المدرسة بسبب ٤ من خريجي المدرسة الذين قاموا بإنشاء مدارس مماثلة في بلداتهم لينشروا الأفكار التي اكتسبوها حول التعليم للأطفال والطلاب.
أهمية تعليم الفتيات
نظرًا للجغرافيا المحلية، يعيش أغلب الرعاة متناثرين حول الجبال، والعديد من أطفالهم وخاصة الفتيات لا يحصلون على فرصة للتعليم.
يقول جيغمي: “تعليم الفتاة يعني تعليم الأم، وتعليم الأم يعني تعليم البشرية”، ولهذا فقد كان يعتقد دائمًا بأنه من أجل زيادة المعايير والمستوى الثقافي يجب الاهتمام بتعليم الفتيات.
لكن بسبب القيود البوذية لم يكن من الممكن تسجيل الفتيات في المدرسة، على الرغم من أن العديد من الرعاة رغبوا في تسجيل بناتهم في المدرسة، واستمر الوضع كذلك حتى عام ١٩٩٧ عندما اقترح “جيغمي” على مكتب التعليم في “جولوك” السماح له بإنشاء مدرسة للفتيات، وبعد ٤ سنوات تمت الموافقة على الاقتراح، وأنشأت مدرسة “برايري للفتيات الموهوبات” لمتابعة تحصيل المعرفة والعلم للفتيات مساواة بالأولاد.
بعد الحصول على الموافقة استخدم “جيغمي” جميع أساليب التمويل المختلفة لجمع مبلغ الثلاثة ملايين يوان المطلوب لتنفيذ المدرسة، وقام بالترتيب مع السلطات التعليمية في “جولوك” والاتفاق على إن إذا استطاعت المدرسة تسجيل ٤٠ فتاة سنويًا، ففي غضون ٦ سنوات عندما يصبح العدد ٢٤٠ ستقوم الحكومة بتقديم التمويل إلى المدرسة.
في السنة الثانية للمدرسة تم الوصول إلى الهدف المنشود، والآن الحكومة واحدة من ضمن عدة رعاة أساسيين للمدرسة، وتقوم بدعم كل طالب بقيمة ١٦٥٠ يوان سنويًا، وهناك حوالي ١٤ معلم من مدرسة الفتيات على قائمة رواتب الحكومة الرسمية، ومن بين نواب مدراء المدرسة ومديري الدراسة، خريجي مدرسة الأولاد.
تتشابه طريقة التدريس في مدرسة البنات مع مدرسة الأولاد، وتقوم الفتيات كذلك بمناقشة ما يتعلمونه، ولكن الملعب أكثر اتساعاً من ملعب مدرسة الأولاد، والمثير للاهتمام هو تحقيق الفتيات خريجات المدرسة أعلى الدرجات على مستوى المحافظة.
الطريق إلى الأمام
رؤية “جيغمي” لا تقتصر فقط على التعليم، بل تمتد إلى ريادة الأعمال.
فمن أجل مساعدة المدرسة على توفير التمويل للتعليم المجاني للأطفال، قام في سنة ٢٠٠٠ بعمل شركة إنتاج “جُبن” محلي عالي الجودة، وبمساعدة خبراء جُبن أوروبيين، بدأت الشركة ببيع جبن الياك التبتي، وعلى الرغم من قدراتها المحدودة إلا أنها استقبلت بشكل جيد خارجًا، والآن تقوم بالتصدير للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
كان مشروع الجبن التبتي نقطة الانطلاق لجهوده في مساعدة مجتمعه من خلال ريادة الأعمال المجتمعية، ففي سنة ٢٠٠٩ قام بإنشاء جمعية “سنولاند” لتربية الحيوانات لتعزيز ودعم جهود الرعاة المحليين.
يقول “جيغمي” عن هذا المشروع: “في مناطق الهضبة تعيش العائلات في الخيم وترعى نفسها. ربط هذه العائلات من خلال التعاون الاقتصادي يعزز التعاون بين الرعاة، وتعمل هذه التعاونيات بدورها على تعزيز المنتجات المحلية، وتمكين الأسر من الوصول إلى أسواق أكبر، مما يوفر قدر من الاستدامة والاستقرار على المدى الطويل.”
مر ٢٠ عامًا منذ أن أنشأ “جيغمي” المدرسة، وطوال هذه المدة لم يتلق أي معلم أو راهب متطوع بنسًا واحدًا مقابل العمل في المدرسة، فقط في سنة ٢٠٠٩ بدأ المعلمون في تلقي راتب ١٢٠٠ يوان شهريًا بدعم وتمويل من رائد أعمال في بكين.
بعد ٢٠ عامًا من التجارب والمحن، أظهرت إنجازات المدرسة قيمة أساليب التدريس القديمة، وأوضحت أن الثقافة التقليدية لا يمكن التخلي عنها في السعي إلى التعليم الحديث، وأظهرت كذلك كيف يمكن للمجتمع المحلي أن يطور من نفسه من خلال المسؤولية الاجتماعية، وأفكار المساواة والعمل الجاد.
إلى هذا الحد تنتهي رحلتنا في جبال الصين، وسط رهبان التبت والنهر الأصفر وأطفال الرعاة والقرويين، لتكون سبب في تكوين رؤية جديدة للتعليم وسط الطبيعة وتؤكد لي أفكاري حول عدم ملائمة المدارس بشكلها التقليدي لجميع فئات الطلاب، وهو أمر بديهي، لكن الرائع في هذه القصة، هو وجود الحل والتجربة التي استطاعت النجاح بفضل جهود الرعاة وبعض الجبن التبتي.