صوت المعلم

كيف أحدد مجالات اشتغالي ودوائر تأثيري؟

وهي المساحة التي توظف فيها قدراتك واستعداداتك، وتحددها عوامل تفصيلها فيما يلي، وهي تصلح بإذن الله إضاءات في تخصيص اختيارك، وكذلك اختيار تخصصك:

أولويات اختيار دوائر التأثير:

بداية: هل العمل المجتمعي ودوائر التأثير بالنسبة لك وسيلة أم توجه؟

إذا كان وسيلة بهدف اكتساب مجموع خبراتي معين، فالعبرة هنا بالكم العددي، ولك أن تتنقل فيما شئت فتفيد ما تفيد وتستفيد ما تستفيد وكله خير.

لكن إذا كنت تبتغي توجهًا ممنهجًا لسد ثغرة حقًا، وإضافة لبنة متكاملة في هذا الصرح، فلا بد من التفرقة بين المُسكّن والعلاج. الأول مهدئ فوري قصير الأمد يتعامل مع العرَض، والثاني طويل الأمد يتعامل مع جذور المرض، كالفرق بين إعطاء السمكة وتعليم الصيد، أو إخراج المال وتحري إحسان مواقعه قدر المستطاع.

“مثال: الفقر في أمريكا لأسرة مكونة من أربعة أفراد، يعني أنها تحصل على دخل يتراوح بين 20 و23 ألف دولار سنويًا بينما الفقر في البلدان النامية ربما يعني 500 دولار سنويًا. وبالتالي من الواضح أنك إذا كنت ستقوم بالتبرع بمبلغ 500 دولار وأعطيته للعائلة التي تعيش على 500 دولار في السنة، فإنك تكون قد أحدثت تغييرا كبيرا في حياتهم. فقد قمت بإعطائهم ما يوازي دخل سنة كاملة حيث يمكنهم الآن فعل الأشياء التي لا يستطيعون الادخار من أجلها. في حين أنك إذا أعطيت 500 دولار إلى شخص فقير في أمريكا، من الذين بالفعل يعيشون على 20 ألف دولار في السنة فإن ذلك لا يعد كبيرًا وفقا للمعايير الأمريكية. فقد قمت فقط بزيادة دخلهم بمقدار 1/40 وهو ما لا يشكل فارقًا كبيرًا فى معيشتهم”([1]).

من ناحية أخرى، فلكل منا وقت محدد ومهارات معدودة وموارد معيّنة يمكننا أن نعين بها الآخرين. ومن ثَمّ سنكون أكثر كفاءة بتحديد المجال أو المجالين اللذين نكثف فيهما عطاءنا وإنفاقنا ، فيصير لذلك مردود الغيث الحقيقي ، في سد ثغرة وإنبات غرس أصله ثابت وفرعه في السماء بعون الرحمن.

فيما يلي إضاءات معينة بإذن الله للتسديد والمقاربة في تحديد اتجاهك وتعيين ثغرتك:

1- أولوية الكم الكيفي

أ‌- الكم الزمني: لا بد من “وِرْد” ثابت تخصصه للعمل، سواء ساعات يوميًا، أو أيام أسبوعيًا، أو أسابيع شهريًا. وكلما خصصت وقتًا خالصًا تنقطع له وتكثف فيه الجهود كان أعون بإذن الله على إتقان الأداء من السويعات المبعثرة بلا نظام.

ب‌- الكم الاستهدافي: التركيز وتكثيف الجهد في حقل ما مع فئة ما، ولا يكفي تحديد واحد وإهمال الآخر. فلا يكفي أن تحدد مجال التعليم أو الصناعة أو الخبرات المهارية، بل لا بد من تحديد التصنيف التخصصي تحت ذلك المجال (تعليم لغة ما، تعليم برامج، تعليم مهارات اجتماعية..).

بالمثل: التركيز مع فئة مستهدفة إما حسب التصنيف العمري (شباب، أطفال، كبار السن) أو المراحل الوظيفية (جامعي، خريج، متزوج، أعزب)، أو أي تصنيف آخر يراعى فيه الدقة وليس العموم الهلامي (البنات في مقابل الشباب مثلا). ويمكنك تحديد الفئة أولا ثم تحديد المجال الذي ترى أنه ينقص تلك الفئة.

ج-  الكم المعرفي / العلمي: والتخصص فيه بصورة منهجية سواء كانت ذاتية أم نظامية. لا تعتمد فقط على ما لديك من مهارات مختزنة متعلقة بالمجال الذي تعمل فيه، بل لا بد من صقلها بمزيد من العلم وتوسيع المدارك.

يقول د. عبد الكريم بكار: “فالإتقان والتميز يحتاج إلى التركيز، والتركيز يحتاج إلى التخصص، ولاسيما في ظل الاتساع المستمر للعلوم والخبرات. لا نستطيع أبداً أن يكون وعينا كاملاً بما يجري حولنا، فمعرفة البشر بالواقع ستظل منقوصة، لكن تحسين وعي العامل بما يجري حوله شيء مهم جداً لأن التطورات الكثيرة التي تجري في المجالات المختلفة ـ.. وهذا يجعلني أؤكد على موضوع التخصص، حيث إن من الصعب فهم الواقع من غير تخصص. وأعني هنا بفهم الواقع على نحو مركَّز: فهم واقع المدعوين واحتياجاتهم والحياتية العامة، وفهم الظروف التي تؤثر في توجهاتهم واختياراتهم، إلى جانب فهم المشكلات التي يعانون منها، وامتلاك رؤية لمساعدتهم في حلها”([2]).

2- الحاجة للكفاية في الثغرة التي حددتها:

فهناك مجالات يفيض فيها العاملون، بينما يكادون ينعدمون في أخرى. فكم من العاملين في مجال العمل الخيري في مقابل أصحاب مشاريع التنمية المستدامة. وإذا كان في المجال عدد كاف من المنشغلين به لكنهم غير مهرة كفاية لا يعتد بعددهم، لأن العبرة بكفاية المجال بأفراد ينطبق عليهم وصف “القويّ الأمين” ليحققوا “الكفاية” أي الاكتفاء والغَنَاء.

3- كفاءة العامل في المجال وقدرته على التمكن منه:

وهي مجموع قدراته وطاقاته الحالية، بالإضافة إلى استعداداته المستقبلية أي ما يستطيع اكتسابه من قدرات ومهارات إضافية، في حدود المتاح له من وقت وهمة وسعي، بحيث يضيف إضافة حقيقية في المجال ولا يكون زائدًا عليه والسلام. ولا معنى للإصرار على عمل معين كالخَطابة أو التصنيف أو غيرها مما لا تؤهلك استعدادتك ولا ظروفك للتمكن منه.

والكفاية في مجال هي ما تجعل عملًا ما فرض عين([3]) على صاحبه بما يتوافر لديه، في مقابل من لا يستطيعه البتة، طالما هنالك احتياج لم يوفَّ. فمثلا في قرية أمية لا يستطيع غالبية أهلها قراءة القرآن، يكون فرض عين على المتعلمين – ولو كانوا مبتدئين – من هذه القرية تعليم أهلها، لعدم وجود غيرهم يقوم بهذا. وإذا كانوا لا يحسنون التجويد والقراءة مع كونهم متعلمين، فالواجب أن يتعلموا أولا ثم يعلموا، لا أن يتحججوا بعدم العلم لأنه عدمه هنا تقصير منهم وليس عجزًا فيهم.

4- في حال تساوي المعيارين السابقين الكفاية والقدرة، تختار الأثوب:

أي الأقرب لمرضاة الله تعالى. ولا ترضَ بأن تجمع الحصى وأنت قادر على تحصيل الياقوت. فالأثوب هو ما يُحتاج إليه أكثر وأنت عليه قادر، حتى يفتح الله بك في ذاك المجال فتحا بفضله. فلا تكن قادرًا على التفرغ للتعليم، ثم تكتفي مثلًا بتجميع التبرعات للأعمال الخيرية، من باب إخلاء الذمة!

خلاصة منهجية استبانة مجال تأثيرك:

1- حدد طاقاتك وخبراتك واستعداداتك (قابليتك لإتمام ما ينقص في مجال ما).

2- قيّم أولوياتك وكثف جهدك في مجال أو اثنين بناء على معياري الحاجة والكفاءة على الترتيب.

3- اصقل عطاءك وخبراتك.

4- ورّث ما علمك الله، واهتم بتخريج متمكنين يستمرون في أداء الرسالة .


([1]) العطاء 2.0 – لورا آندريسين.

([2]) مقالات وبحوث: د. عبد الكريم بكار.

([3]) فرض العَيْن : هو ما يجب على الشخص القيام به بنفسه ؛ في مقابل فرض الكفاية الذي يجب على مجموع الأفراد فإن قام به البعض سقط الوجوب عن الباقيين .

هدى عبد الرحمن النمر

كاتبة ومترجمة ومحاضِرة ، في الأدب والفكر وعمران الذات . محررة لغوية ومترجمة . حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز ، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
Back to top button